تعيش سوق الدراما المصرية منذ انتهاء شهر رمضان الماضي وإلى الآن، في حالة من الترقب الشديد مشوبة بالحذر انتظارا لما ستسفر عنه الأيام المقبلة، خصوصا أن غالبية شركات الانتاج سواء الحكومية أو الخاصة تعاني من تعثرات مالية كبيرة لم تحدث من قبل، إلى جانب أن السقوط المدوي والسريع لجماعة الإخوان المسلمين من سدة الحكم قلب طاولة الأفكار الدرامية رأسا على عقب. في الوقت الذي كانت غالبية المضامين سواء للمسلسلات التي عرضت في رمضان أو التي كان يجري التحضير لتصويرها قريبا، تسعى للاتساق مع الواقع السياسي الجديد وما يتبعه من مواءمات، خشية الدخول في صدامات رقابية أو إنتاجية أو تسويقية، مركّزة على فساد نظام مبارك والفترة التي سبقت ثورة 25 يناير 2011، باتت فترة العام التي قضاها «الإخوان» في الحكم أكثر جاذبية وتشويقا لإثارة خيال مؤلفي ومخرجي الدراما، وإن كان هذا الخيال سيصطدم برغبات جهات الإنتاج في اللعب على المضمون سواء من خلال أعمال وأفكار يوافق عليها عدد من كبار النجوم قبل الشروع في كتابتها كاملة، ما يسمى «تفصيل» مسلسلات على مقاس النجوم، أو من خلال أفكار تعتمد على البطولة الجماعية لأكثر من نجم شاب كما حدث في رمضان الماضي في عدد من المسلسلات منها «نيران صديقة» لمنة شلبي ورانيا يوسف وعمرو يوسف وكندة علوش وظافر العابدين وإخراج خالد مرعي، و«بدون ذكر أسماء» لأحمد الفيشاوي وروبي وحورية فرغلي وتأليف وحيد حامد، و«ذات» لنيللي كريم وباسم سمرة. ومن المعروف في هذا السياق ان جهات الانتاج الخاصة دائماً ما تسعي إلى أمساك العصا من المنتصف في ما يتعلق بالمواضيع المنفذة، على اعتبار أن همها الرئيسي تحقيق المكاسب المادية في أي صورة، وهي تتبع ما يشبه «الموضة»، فإن كانت كفة الميزان تميل إلى دراما «البلطجة والحارات الشعبية» فلا مانع، وأهلاً بها إن كانت تميل إلى رصد للفساد في شتي صوره السياسية والمالية، ومرحباً لو أنها كشفت لعبة «توم وجيري» التي ظلت سائدة لسنوات بين نظام الرئيس «المخلوع» مبارك وجماعة «المعزول» مرسي. وفيما يتعلق بالنجوم والأبطال فإن منتجي القطاع الخاص ابتكروا فكرة «جديدة» منذ أكثر من خمسة أعوام وينتهجونها إلى الآن، وتتمحور في الحصول مسبقاً على موافقة نجم ما على فكرة مسلسل ما، ثم يذهبون بالفكرة وموافقة النجم إلى فضائية كبيرة تحرص على عرض أعمال النجم في رمضان، وتخيرها ما بين المشاركة في إنتاج المسلسل، أو شرائه بعد تنفيذه في شكل حصري بمقابل مالي يضمن لها تغطية الكلفة الإنتاجية، وضمان هامش ربح كبير، بعد سداد أجر النجم، ثم الشح مع باقي عناصر العملية الفنية، من أجور فنانين وفنيين وأماكن تصوير وغيرها. وفي المقابل، يبدو حال جهات الإنتاج الحكومية ممثلة في قطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامي، لا يسر حبيباً أو حتى عدوا، حيث إن هذه القطاعات فقدت منذ أكثر من عشرة أعوام ريادتها ودورها الذي أنشئت من أجله في تقديم أعمال ذات قيمة وهدف كما حدث مع «ليالي الحلمية» و«المال والبنون» و«رأفت الهجان» و«ضمير أبلة حكمت» و«السيرة الهلالية» و«نصف ربيع الآخر» و«الزيني بركات» و«العائلة» و«هارون الرشيد» و«الفرسان» و«بوابة الحلواني» و«أم كلثوم» وغيرها، وأصبحت تقدم أعمالاً تمر مرور الكرام مع ممثلي الصف الثاني والثالث، ما يعتبر نكسة كبيرة لقطاع مانت آمال كبيرة معقودة عليه في الماضي، وعلى الأقل من أجل تحقيق مستويات نوعية جيدة إن لم يكن من أجل تحقيق تلك الأرباح التي تكون عادة من نصيب الشركات التجارية وما هبّ ودبّ من الأعمال غير المجدية فنيا.