كم كان طول آدم عليه السلام ؟ و كم عاش من العمر؟ و كيف رأى حواء في المنام ،قبل أن تنبثق من ضلعه الأيسر ؟ و في أية بقعة من الأرض نزل أبو البشر بعد طرده من الجنة؟ و في أي مكان نزلتْ حواء؟ و كيف عاشا بعيدين عن بعضهما طوال خمسة قرون؟ و كيف كان جبريل يهتم بآدم خلال حياته الأرضية و يحلق شعره و يقص أظفاره؟ أسئلة كثيرة يجيب عليها (المؤرخ ) الشيخ أبو البركات بن إياس الحنفي ، في كتابه الفريد ( بدائع الزهور في وقائع الدهور) . و هو كتاب يروي تاريخ الخليقة من منظور عجائبي ،و يحكي قصص الأقدمين من أنبياء و ملوك و جبابرة و طغاة ، في إطار من الإبداع الخلاق . في هذه الحلقات التي نقدمها للقراء ، سوف نكتشف من هو أول الكتّاب في تاريخ البشرية و من هو أول الخياطين و أول المنجمين ، و نطلع على قصة عوج بن عنق ، الذي كان طول قامته ستمائة ذراع (بالذراع القديم ) و الذي كان يشوي السمك في عين الشمس ، إلى غير ذلك من الحكايات العجائبية التي كتبها الشيخ أبو البركات بن إياس في عصر المماليك ... الملِك الجبار هو الملك الطاغية شداد بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. و يُروى أنه عاش من العمر ألف سنة، و تزوج بألف امرأة و كان له أربعة آلاف ولد. و قد أصبح ملكاً بعد وفاة أبيه ، فدانتْ له الرقاب و أخضع البلدان و قهَرَ ملوكَ الأرض بالطول و العرض ، و حاربهم بما أوتي من بطش و قوة، و قتَلَهم و استولى على ممالكهم، و صارت الدنيا من مشرقها إلى مغربها في قبضة يده. قال وهب بن منبه : أربعة ملوك كانوا يحكمون الدنيا بأسرها ، اثنان منهم مؤمنان و اثنان كافران. فأما المؤمنان فهما سليمان بن داود و الإسكندر ذو القرنين . و أما الكافران فهما شداد بن عاد و النمروذ بن كنعان. جنة في أرض اليمن كان شداد بن عاد مولعاً بقراءة الكتب القديمة . و كان إذا قرأ أوصاف الجنة ترتاح لها نفسه ، فعَنَّ له أن يتخذ جنة مثلَها في الدنيا ، و أن يستقدم لها أفضل المهندسين و أمهرَ البنّائين . و كان له ألف وزير ، فنادى يوماً على أحدهم و أمره أن يَجمع له الحكماءَ و المهندسين . فلما اجتمعوا أمامه ، أمرهم أن يَجدوا له أرضا شاسعة ، طيبة الهواء ، كثيرة الأشجار و الأنهار، كي يبني فيها مدينة تَكون شبيهة بالجنة. و لما سمع الوزيرُ كلامَ الملك ، انطلقَ هو و من معه من أهل الخبرة ، يجوبون أقاصي الأرض ، إلى أن بلغوا عدن ، في ناحية من نواحي اليمن. و هناك وجدوا أرضاً على الصفة المطلوبة، فأرسلوا في الحال مَنْ يُخبر شداد بن عاد بالأمر. و لما علمَ الطاغية بذلك ، بعث البنّائين و المهندسين إلى عدن. ثلاثة قرون من البناء حين قام المهندسون بتخطيط تلك المدينة، كما أرادها شداد بن عاد ، و شرعوا في حفر الأساس ، جمعَ ذلك الجبار وزراءه ، و أمرهم بإحضار كل ما في الدنيا من الذهب و الفضة و الجوهر و اللؤلؤ و الياقوت و المسك و الكافور و الزعفران و غير ذلك . و يُحكى أن الوزراء جمعوا له كلَّ ما كان في بلدانهم و كلَّ ما كان في أيديهم و في أيدي الناس ، في سائر الأقطار و البلدان . و قد اضطرّ الناسُ بعد ذلك إلى التعامل فيما بينهم بقطع الجلد المقصوصة على هيئة دراهم و المختومة باسم الملك. و عندما شرعَ البنّاؤون في العمل، صاروا يجعلون من الذهب لبنة و من الفضة لبنة، و يبنون فوق الرخام إلى أن انتهوا من السور المحيط بالمدينة . ثم إنهم شرعوا في بناء القصور بالذهب و الفضة ، و جعلوا لها ركائز من الزبرجد الأخضر و الياقوت الأحمر، و جعلوا القصورَ و الغُرف مشرفة على أشجار اللؤلؤ و على الأنهار المتدفقة . بعد ذلك ، جعلوا حول القصور تلالاً من المسك و العنبر و الكافور، و أحكموا ذلك كله بالصنعة العجيبة التي لم يكن يضاهيهم فيها أحد، في الدنيا بأكملها . و قد دامت مدة البناء ثلاثمائة سنة . الصيحة القاتلة عندما اكتمل بناء المدينة ، سُرَّ الملك شدادُ بن عاد غاية السرور و أمرَ وزراءه و أمراءه و حُجّابَه بأن ينقلوا إليها الأفرشة النفيسة و الأواني الفخمة ، فأقاموا ينقلون ذلك مدة عشر سنين . و لما انتهوا، ركبَ الملك شداد و أركبَ نساءَهُ و نساءَ وزرائه و أمرائه في هوادج من الذهب ، ثم انطلقوا صوب المدينة. و لما وصلوا إلى باب تلك المدينة ، و أراد شداد بن عاد الدخول ، أرسل الله ملَكاً من الملائكة، فقال للطاغية : - يا شدّاد، إنْ أنتَ أقْرَرْتَ بوحدانية الله ، فسوف أمَكّنُكَ من الدخول إلى هذه المدينة ، و إنْ أنت رفضتَ الإقرارَ بوحدانية الخالق سبحانه، فسوف تُقْبَضُ روحُك في هذه الساعة . فلما سمع شداد ذلك الكلام طغى و تجبّرَ و كفر. إثر ذلك ، أطلقَ الملَك صيحة عظيمة ، فماتوا عن آخرهم، و لم يَدخل أحد منهم تلك المدينة . و يُروى أن مدينة شداد بن عاد هذه لا تزال باقية حتى يومنا هذا . و قد دخلها رجلٌُ من الأعراب يقال له عبدالله بن قلابة، و ذلك في خلافة معاوية بن أبي سفيان.