السر في تسمية نوح هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس .و كان اسمه عبدالغفار أو يَشْكر . أما السبب في تسميته نوحاً - فيما يُروى - فهو أنه رأى كلبا له أربع أعين فقال :» إن هذا الكلب شنيع « فسمعه الكلب فقال له :» يا عبد الغفار، أتعيب النقش أم النقاش ؟ فلو كان الأمرُ إليّ لما اخترتُ هذه الخلقة التي ترى ، و إن كنتَ تعيب النقّاش، فإنه لا يَلحقه عيب ، لأنه يفعل ما يشاء .» فكان نوح كلما ذكرَ ذلك يَنوح ويبكي على خطيئته ، فلكثرة بكائه ونَوْحه سُمي نوحاً. دَرْمَشيل الجبار وقومه الفاسقون لما بلغ نوح أربعمائة و ثمانين سنة من العمر، جاءه جبريل عليه السلام في صورة رجل فسأله نوح : « مَنْ أنتَ أيها الرجل البهيّ ؟» فأجابه جبريل : « أنا رسول ربّ العالمين إليك ، جئتُك من عنده ،لأخبرك أن الله قد بعثك إلى قومك.» ثم إن جبريل ألبسَ نوحاً لباسَ المجاهدين و عَمّمَهُ بعمامة النصر وقلَّده بسيف العزم و قال له : « امض إلى عدوّ الله درمشيل بن فوميل بن جيج بن قابيل بن آدم .» و كان درمشيل هذا جبارا عنيدا . و هو أول من اعتصر الخمر و شربها وأول من لعب القمار وأول من اتخذ الثياب المنسوجة بالذهب. و كان هو وقومه يعبدون الأصنام الخمسة وهي ود ّ وسُواع و يَغُوث و يَعُوق و نَسْر ، و حول هذه الأصنام ألف و سبعمائة من الأصنام الأخرى . وكانت لهؤلاء القوم بيوت من الرخام الملون ، طول كل بيت ألف ذراع و عرضه كذلك. وكانت للأصنام كراسيّ من ذهب، فيها أنواع من الجواهر الفاخرة ، و لها خدّام يخدمونها بالليل و النهار ، و لها عيد معلوم في السنة ، يجتمع فيه القوم. وقد خرجَ إليهم نوح في يوم العيد ذاك ، و كانوا يوقدون النار حول الأصنام ويقدمون إليها القربان ويسجدون بين يديها تعظيماً، ثم يَخرجون لأصناف من الملاهي ويضربون بالصنوج ويشربون الخمر و يزْنون بالنساء جهاراً من غير ستر . فلما خرجَ إليهم نوح ، وقفَ على تلّ عال و رفع رأسه للسماء و قال : « إلهي، أسألك أن تنصرني عليهم بنور محمد عليه السلام.» صيحة عظيمة كان قوم درمشيل لا يُحْصَوْن لكثرتهم . و قد وقف نوح على التل و ناداهم صائحاً بأعلى صوته : « يا أيها القوم، إني جئتكم من عند ربّ العالمين ، أدعوكم لعبادته و أنهاكم عن عبادة الأصنام « فلما صاح نوح صيحته تلك ، بلغَ صوتُه إلى المشرق و المغرب ، وسقطت الأصنام عن كراسيها ، و فزع من كان حولها من الخدّام . و غشي على الملك درمشيل ، فلما أفاق سأل منْ حوله :» ما الذي سمعْتُمُوه ؟» قالوا :» هذا صوت رجل يُدعى نوح وهو مجنون و في عقله خلل « فقال الملك : « ائتوني به .» المواجهة بين نوح ودرمشيل عندما طلبَ الملك درمشيل من أعوانه أن يأتوه بنوح ، جاء الأعوان إلى التل و أخذوا نوحاً ثم مضوا به و أوقفوه بين يدي الملك، فقال له :» من أنت ؟» قال : « أنا نوح ، رسول رب العالمين ، جئتكم بالرسالة كي تؤمنوا بالله وحده و تتركوا عبادة الأصنام « فقال له الملك : « اسمع يا رجل ، إن كان بك جنون داويناك ، و إن كنت فقيرا واسيناك ، و إن كنت مدينا قضينا دينك « قال نوح :» ما بي جنون و لا أنا فقير وليس عليّ ديون ، و لكنني رسول ربّ العالمين .» فلما سمع الملك ذلك الكلام غضب غضبا شديدا ، و قال لنوح :» لولا أن هذا اليوم يوم عيد لقتلتك شر قتلة .» الضرب بالنعال والعصي كانت هناك امرأة يقال لها عمرة ، آمنَتْ بنوح فتزوجها فولدت له ثلاثة أولاد ذكور ، هم : سام و حام و يافث ، وثلاث بنات ، هن : حصوة و سارة و بَحْيُورَة . ثم آمنتْ به امرأة أخرى ، يقال لها ولعب بنت عجويل ،فولدت له ولدين هما بالوس و كنعان ، لكنها ارتدّتْ وعادت إلى دين آبائها . و بلغَ عددُ المؤمنين نحو سبعين من الرجال و النساء ، و صار نوح يخرج كل يوم إلى القوم و ينادي:» يا قوم، اعبدوا الله ما لكم من إله غيْره ، لا شريك له « فيخرج إليه القوم من بيوتهم و يضربونه بالنعال والعصيّ ، فيغشى عليه و يغيب عن الدنيا فيجرّونه من رجله و يلقونه في المزابل ، و عندما يفيق يصلي ركعتين و يقول :» اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .»