نشرة إنذارية جديدة: تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء    احتجاجاً على تقييد حق الإضراب.. الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب يدعو إلى إضراب عام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    الأرصاد الجوية: تساقطات ثلجية وأمطار رعدية تضرب المملكة حتى الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    من طنجة.. تتويج رشيد البقالي بجائزة عبد الله كنون للفكر والأدب المغربيين    مكتب الصرف: تحويلات مغاربة العالم فاقت 117,7 مليار درهم سنة 2024    مقتل مواطن مغربي بالرصاص في إيطاليا    مع اقتراب شهر رمضان.. ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالأسواق المغربية    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية رائدة أفضت إلى تعزيز المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    بن شرقي: "اللعب للأهلي كان حلمي وسأسعى لحصد الألقاب معه"    الرئيس السوري أحمد الشرع يصل إلى السعودية في أول زيارة رسمية    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    نادٍ نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لدعم غزة    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون والشراكة بين مدينة طنجة ومدينة القدس الشريف    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    "هِمَمْ" ترفض التضييق والتشهير بمديرة جريدة "الحياة اليومية"    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    السلطات الأسترالية تعلن وفاة شخص وتدعو الآلاف لإخلاء منازلهم بسبب الفيضانات    حريق مُهول يأتي على ورش للنجارة بمراكش    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    "رسوم ترامب" الجمركية تشعل حربًا تجارية .. الصين وكندا والمكسيك ترد بقوة    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقيب السابق أحمد الوافي يروي تفاصيل عملية «بُراق» الانقلابية:حين صاح أمقران «تحيا الجمهورية» ثم انصرف
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 08 - 2013

في مذكراته حول معتقل تازمامارت، الذي أمضى به قرابة العشرين عاما، يروي النقيب السابق أحمد الوافي تفاصيل التحضير للمحاولة الانقلابية لسادس عشر غشت 1972 التي قادها أمقران بإيعاز من الجنرال أوفقير، و هي التفاصيل التي نشرتها «الاتحاد الاشتراكي» في صيف 2011 .
فيما يلي نقتبس الجزء الخاص بالتحضير لعملية «بُراق» الانقلابية و بمجرياتها يوم 16 غشت 1972 و انتهائها بالفشل.
في 26 يوليوز , قبيل الرحلة الرسمية التي كان سيقوم بها الملك لفرنسا, طلب مني الليوتنان كولونيل أمقران تسليح أربع طائرات بالمدافع و القنابل و القذائف, معللا قراره هذا بأن هذه الطائرات ستتوجه إلى طنجة و أنها ستخفُر الموكب الملكي. فوجئت لطلب تسليح طائرات الخفر و المرافقة, إلا أنني لم أعبر له عن استغرابي بل اكتفيت بتنفيذ الأوامر الصادرة فعلا من قيادة أركان سلاح الجو الملكي.
و في اليوم الموالي توصلنا بأمر يلغي مهمة هذه الطائرات إلى طنجة. و طلب منا مع ذلك الحفاظ على أربع طائرات مسلحة بقاعدة القنيطرة, على أهبة الإقلاع في إذا ما تطلب الأمر ذلك. حينما أبلغني الليوتنان كولونيل أمقران بذلك, أوضحت له أنه لا يمكن أن تبقى هذه الطائرات مسمرة بهذا الشكل في القاعدة لمدة طويلة و أنه ينبغي أن تحلق مرة مرة, فما كان من أمقران إلا أن طلب مني دمجها في جدول التحليق على أن تقوم بطلعات قصيرة و تعود للقاعدة مستعدة للقيام بأي مهمة استعجالية تُطلب منا.
كان تسليح الطائرات الأربع آخر مهمة قمت بها في قاعدة القنيطرة...إذ توصلت بالفعل في سابع غشت بالقرار الرسمي لنقلي إلى قاعدة مكناس.
ومن أجل تسليط النور على التضارب بين الأمر الأول بتسليح الطائرات الأربع ثم التراجع عنه, ينبغي التوضيح بأن الملك كان يعتزم السفر إلى فرنسا جوا. لكنه و في اللحظة الأخيرة و لأسباب مجهولة, تراجع عن هذا الخيار مفضلا امتطاء القطار بين الرباط و طنجة ثم مواصلة الرحلة بالباخرة حتى إسبانيا و منها إلى فرنسا بالطائرة. و يمكن القول لتفسير هذا التغيير في البرنامج الملكي, بأن الحسن الثاني قد توجس من أمر ما يُحاك ضده, ففضل خلط الأوراق على المتآمرين المحتملين.
و دامت إقامة الملك بفرنسا عشرين يوما,أعلن بعدها عن عودته للمغرب في 16 غشت. عاد الملك و حاشيته ,المقدرة بحوالي مائة من الشخصيات المدنية و العسكرية , على متن طائرة بوينغ 747 ,كانت شركة الخطوط الجوية الملكية قد اشترتها للتو من بريطانيا. و قد عين الكومندان القباج لقيادة هذه الطائرة. كان طيارا ماهرا ( وقد ظهر ذلك في أدائه أثناء الهجوم) نعرفه جميعنا.
و لكي أعطي القارئ فكرة عن هذا الرجل, لا بد من إثارة الأسباب التي دفعته للاستقالة من الجيش, في نهاية 1959, و كان حينها في رتبة ليوتنان بسلاح الجو. فخلال الحفل الرسمي لتسليم أربع طائرات ذات مراوح من طراز «فيري» البريطانية من طرف وفد عراقي, لم يقم الليوتنان القباج بتقبيل يد مولاي الحسن , و كان حينها وليا للعهد لا يزال. بعد ذلك نبهه الجنرال الكتاني, قائد الأركان حينذاك, بغلظة إلى الأمر, فما كان من الليوتنان القباج إلا أن أجابه أنه لم يعلموه في مدرسة الطيران تقبيل اليد...و في أعقاب هذا الحادث, قدم استقالته من الجيش و انضم للطيران المدني, في البداية كربان في شركة «إير فرانس» ثم لقائد ربابنة في «الخطوط الجوية الملكية».
في زوال 16 غشت ،دعاني أمقران , إن لم يكن لدي شاغل, أن أرافقه هو و كويرة إلى برج المراقبة حيث سيشرف على عملية خفر الطائرة الملكية. فقبلت و في نيتي أن أطرح عليه بضع أسئلة حول القاعدة الجوية لمكناس التي انتقلت إليها.
حين وصلنا إلى برج المراقبة, كان هناك مراقبان جويان هما الأدجودان شاف لامين (توفي في تازمامارت) و السرجان شاف الدغوغي (أحد قدماء تازمامارت) كما كان هناك السرجان أبونسي (توفي في تازمامارت) و النقيب العربي الذي كلفه أمقران بإجراء الحسابات التقديرية لخط طيران الإف 5 التي ستستقبل الطائرة الملكية.
جلس الكومندان كويرة في مقعد الراديو و دخل في اتصال ببرج مراقبة مطار برشلونة للتعرف على مجريات الأمور بالنسبة للبوينغ الملكي, فأخبروه أن الطائرة تستعد للإقلاع.
ما أن أتم الكومندان كويرة مكالمته مع برشلونة حتى نزل مسرعا, دون أن يقول لنا شيئا. أخذ الليوتنان كولونيل أمقران قبعة بسماعتين و ميكروفون و وضعهما على رأسه بينما أخذت أنا منظارا مكبرا لتأمل المدرج و النواحي المحيطة به, فلاحظت غياب طائرات إف 5 الأربع التي أوصيت النقيب أفيلال بأن تبقى مسلحة و رابضة على جانب المدرج.
ثم لاحظت بالعين المجردة أن شاحنة تابعة لورش الأسلحة لنقل الذخيرة من المخزن إلى المدرج تقف بين الطائرات و هو الأمر الذي تمنعه التدابير الأمنية. كما لاحظت هرجا و مرجا حول الطائرات ففهمت أنه يتم تسليح طائرات الإف 5 على عجل.
في هذه اللحظة بالذات لم يعد لدي أي شك ممكن : فالإعداد على قدم وساق لعملية عسكرية لا علاقة لها بخفر عادي للطائرة الملكية, فالعادة أن تقوم بذلك طائرات غير مسلحة تماما مثل الدراجات النارية المرافقة للموكب الملكي. تساءلت حينها عن المهمة الغامضة لهذه الطائرات. ترى هل هناك تهديد جزائري أو ليبي للطائرة الملكية؟
مر كل شيء بسرعة سلبتني قدرتي على التفكير و التمحيص.
استعاد الليوتنان كولونيل أمقران قبعة الاتصال واضعا إياها على رأسه, لكنه لم يستعد هدوءه. و قد فوجئ المراقبان الجويان أيضا بتصرفات رئيسنا العصبية و طفقا يرمقانه باستغراب. و ران جو من التوتر داخل برج المراقبة.
التقى ناظري بعيني النقيب العربي الذي بدا هو أيضا ممتعضا من سلوك الليوتنان كولونيل.
ثم فجأة تسربت إلى ذهني فكرة صاعقة, ماذا لو كان كل هذا مقدمة لعمل انقلابي؟ محاولة جديدة بموافقة و مشاركة الليوتنان كولونيل؟
و بدأ الهلع يتسرب جديا إلى نفسي أنا الذي لم أعد أنتمي لقاعدة القنيطرة و مع ذلك أتواجد بها . رغبت في الانسحاب بأسرع وقت من هذه المصيدة التي بدأت تنغلق حولي.
اقتربت من الليوتنان كولونيل و أمسكته من ذراعه معتذرا بكون النقيب بنسعيد سيأتي لاصطحابي و علي أن أعتذر له عن مرافقته إلى مكناس...وفورا و دون أن يجيبني أخذ سماعة التلفون و اتصل بضابط الحراسة الليوتنان شمسي (أول ضحايا تازمامارت) قائلا:
-شمسي, إذا جاء النقيب بنسعيد فقل له أن الوافي قد ذهب إلى مكناس بوسائله الخاصة و لا فائدة من انتظاره. و نفس الشئ بالنسبة للعقيد ليوسي, إذا حضر امنعه من الدخول, و منذ الآن «سيلانس راديو» لا تجب على أي اتصال من أي كان, مفهوم؟
آنذاك أحسست فجأة برشاش ماء بارد يطوقني من أعلى رأسي إلى أخمص قدمي. لقد فات الأوان. تيقنت الآن أني وسط المصيدة و أصبحت بقوة الأشياء متفرجا عاجزا على حدث هائل يجري أمام ناظري.
انسحبت شاحنة التسليح و بدت طائرات «إف 5 أ» و «إف 5ب» جاهزة للإقلاع. و بعد أن ألقى نظرة على الساعة الحائطية أمر الليوتنان كولونيل أمقران بتحركها و هو الأمر الذي وجهه الأدجودان شاف لامين إلى ربابنة الطائرات فتحركت فورا الواحدة تلو الأخرى.
ثلاث «إف5أ» مسلحة يقودها الكومندان كويرة و الليوتنان زياد و الليوتنان بوخاليف, و إثنتان من نفس الطراز غير مسلحتين يقودهما الليوتنان دحو و السرجان شاف بن بوبكر و أخيرا طائرة «إف 5 ب» ذات مقعدين على متنها كل من النقيب حشاد و الليوتنان الدكالي.
كانت هذه التشكيلة تنفذ عملية إسمها «براق»
أقلعت الطائرات الست و منذ تلك اللحظة لم يعد الليوتنان كولونيل يعيرنا أي اهتمام , فقد كان متوترا مركزا على الاتصالات
الجارية دون غيرها...
اختفت التشكيلة عن أعيننا في الوقت الذي رن فيه الهاتف.كان الخط المباشر الرابط بين برج مراقبة قاعدة سلا و برج مراقبتنا, و هو خط وضعه حديثا الليوتنان كولونيل .
و بما أن الهاتف كان بالقرب مني فقد أخذت السماعة مجيبا:
- النقيب الوافي في الاستماع, من معي؟
- هذا الجنرال..
- احتراماتي سيدي الجنرال
- أعطني أمقران
- لا تقطعوا سيدي الجنرال , ها هو معكم
و مددت السماعة إلى الليوتنان كولونيل الذي سمعته يقول له:
- نعم , لقد أقلعت فورا....سيصلون الهدف قريبا...ابقوا على اتصال...مفهوم...نعم سيدي الجنرال
و بعد أن وضع السماعة, لم يعلق أمقران بل استعاد قبعة الاتصال
و بعد لحظات التفت أمقران إلى النقيب العربي قائلا:
-قل لسائقي أن يأتيني بالعلبة الصغيرة الموجودة بالسيارة. هو يعرف بالأمر و حاول أن تأتيني بمذياع ترانزيستور, فأنا بحاجة إليه.
بعد فترة جاء السائق و وضع الشئ الملفوف في جريدة فوق أحد المقاعد عند المدخل ثم انسحب دون كلمة.
عاد النقيب العربي بدوره و سلم الترانزيستور إلى أمقران الذي شغله على الفور فانسابت منه موسيقى لم تفلح في تبديد التوتر السائد. و لم أفهم جدوى إحضار المذياع إلا فيما بعد حينما أبلغني الليوتنان كولونيل أمقران, و نحن في السجن المركزي, أنه كان ينتظر بيانا عن «القوات الثورية» تم تسجيله بشكل قبلي من المنتظر إذاعته من الرباط ليعلن نجاح العملية.
وبعد فترة بدأنا نسمع اتصالات الربابنة يعلنون أنهم لم يروا بعد الطائرة الملكية و فجأة سمعنا:
- تاليهو, تاليهو...
كان صوت الليوتنان دحو الذي اكتشف البوينغ الملكي في سماء تطوان
ثم سمعنا صوت قائد البوينغ الكومندان القباج يسأل:
- مقاتلات «إف 5» عرفوا بأنفسكم
و لما لم يحصل على أي جواب قال مجددا:
- - ابتعدوا, ابتعدوا إنكم تطيرون قريبا جدا من طائرتنا... إن جلالة الملك لم يطلب أي خفر ...أكرر, ابتعدوا ابتعدوا
ثم بعد هنيهة:
- ماذا يفعلون, إنهم يستعدون لإطلاق النار ...إنهم يطلقون النار علينا
أمام هذا الحدث أصيب المراقبان الجويان و النقيب العربي و أنا نفسي بالهلع, و توجهت أنظارنا جميعا نحو الليوتنان كولونيل أمقران الذي كان متوترا يفرك كفيه بعضهما ببعض
- لقد أصبنا...
و سمعنا صوتا في الخلفية يقول:
- قل لهم أن يوقفوا النار, قل لهم أن الملك أصيب و أنت أيضا
أجاب القباج:
- لا, لا أكاذيب, إنهم يسمعوننا...
و في برج المراقبة, كنا نحبس أنفاسنا و نحن نتابع صوت قائد الطائرة الملكية الذي كان ينقل لنا التطورات ثانية بثانية.
- أصيب محرك ثان, أوقف المحرك و شغل نظام إطفاء النار...لم يتبق لنا سوى محرك واحد...آمل ألا تكون لهم ذخيرة...
و في اللحظة الموالية:
- إننا نستعد للنزول الاضطراري...»مايدي, مايدي» إننا نفقد العلو
التفت الأدجودان شاف لامين إلى الليوتنان كولونيل أمقران قائلا:
- سيدي العقيد,ينبغي إعلان تدابير الإنقاذ الإستعجالية لإنقاذ الطائرة الملكية. ينبغي إبلاغ رجال المطافئ فورا و الاتصال بقاعدة سلا..
صرخ أمقران الغاضب في وجهه:
- أصمت, ليس هذا شغلك
و أمام إلحاح المراقبين من أجل التحرك, شرع يصرخ مثل مجنون:
- أسكتوا.لا أريد سماع شيء. أصمتوا, أنا قائدكم هل تسمعون؟ ليس لكم ما تقولون لي.
ركن المراقبان إلى الصمت بينما نظر إلى النقيب العربي و في نظرته قرأت نفس ما أشعر به: «لقد خدعنا...خدعنا على طول الخط»
ثم كسر صوت الليوتنان زياد الصمت السائد حين سمعناه يقول:
- فشل الاقتراب من البوينغ. طائرة الكومندان (كويرة) خارج السيطرة, نجاح الخروج بالمظلة...منطقه سوق الأربعاء..
حينها نط الليوتنان كولونيل أمقران على زر الراديو قاطعا القناة الخارجية فلم نعد نسمع شيئا بينما ظل هو محافظا على الاتصال.
لم يعد لنا شك بأن الطائرة الملكية قد سقطت. و بدت الدقائق ثقيلة بطيئة المرور.
و فجأة صاح الأدجودان شاف لامين و هو يشير بأصبعه إلى نقطة في السماء:
-أنظروا
نظرنا في اتجاه أصبعه و رأينا الطائرة الملكية تحلق على ارتفاع منخفض, و وراءها خيط كثيف من الدخان الأسود. كانت قريبة منا لدرجة أننا اعتقدنا أنها ستقوم بهبوط اضطراري في قاعدتنا.
و حيث أننا لم نعد نسمع الكومندان القباج فلم نكن نعرف نواياه. كان أمقران وحده يتابع ما يجري من خلال الراديو بيد أننا لم نر أي رد فعل على وجهه.
و مثل طائر عملاق جريح مرت البوينغ الملكية أمامنا و رأيناها تواصل تحليقها في اتجاه سلا ثم اختفت عن أنظارنا.
حينها اتصل الليوتنان كولونيل أمقران بمصلحة العمليات و أمر السرجان شاف موهاج بالإقلاع للقيام بمهمة استكشافية فوق مطار الرباط سلا, طالبا منه التحليق فوق المدرجات و إعطائه معلومات عن الطائرة الملكية.
في هذا الوقت عاد طيارو عملية «براق» إلى القاعدة و طلبوا الإذن بالهبوط. و واحدة وراء الأخرى نزلت الطائرات لا تنقص سوى طائرة كويرة.
بدا أمقران و قد تجاوزته الأحداث و طفق يرتجل ردود الفعل دون تخطيط, ثم أخذ العلبة التي جاءه بها سائقه قبل قليل, فأزال ورق الصحيفة و رأينا مسدسا بغمده.أخرج السلاح و احتفظ به في يده.
كنت في حالة توتر قصوى, مع فكرة واحدة تسود ذهني هي الترصد للحظة التي أتمكن فيها من التسلل بعيدا عن هذا المكان دون أن أفقد حياتي لأني لم أعد أشك في أن رئيسنا لن يتردد في إطلاق النار على أي واحد منا إذا ما عصى أوامره.
سمعنا الليوتنان كولونيل أمقران يصدر أوامره إلى كل من بوخالف و زياد لإعادة تسليح طائرتيهما و القيام بمهمة قصف ثانية. و فجأة رأيناه ينزع قبعة الاتصال بغضب عن رأسه و يرميها على الطاولة. كان لا يزال يحمل مسدسه مما دفعني إلى الاعتقاد بأنه قد يقدم على الانتحار, لكنه التفت إلينا و قال بصوت قوي:
- مهما حصل الآن, لا تفعلوا أي شيء, مفهوم؟ و أنت أيضا يا الوافي لا تفعل شيئا.نحن معنيون جميعا. كل شئ سيتغير الآن...لقد أخفقنا في إصابة الهدف لكن لا تقلقوا, فالجنرال أوفقير سينهي العمل في مطار الرباط سلا.اليوم يوم كبير لنا جميعا و للبلاد كافة. كل ما قمنا به قمنا به عن قناعة و وعي, تحيا الجمهورية.
التفت إلى النقيب العربي و قال له:
- العربي, لا تأتمر الآن إلا بأوامر الجنرال أوفقير أو أوامر الجنرال الصفريوي, هل تسمع؟
ثم توجه نحوي أنا و قال:
- أما أنت يا الوافي, فلا تحاول التسلل إنك محروس و مراقب...
و قبل أن يغادرنا, قال ثلاث مرات «تحيا الجمهورية» مما تركنا فاغري أفواهنا ننظر باستغراب لبعضنا البعض لا ندري ما العمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.