قال الامام علي رضي الله عنه «اعلم أن لكل فضيلة رأسا. ولكل أدب ينبوعا ..ورأس الفضائل وينبوع الأدب هو العقل الذي جعله تعالى للدين أصلا وللدنيا عمادا، فأوجب التكليف لكماله وجعل الدنيا مدبرة بأحكامه ..وألف به بين خلقه مع اختلاف همهم ومآدبهم..» وجاء في الحديث الشريف «...فخياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام إن فقهوا...» البخاري. أن تكون منتميا لطائفة دينية أو سياسية أو إثنية أو لغوية، أمر في الحقل الاجتماعي مفهوم واخضعه السوسيولوجيون والخبراء في العلوم السياسية للدراسة والتمحيص، بما يترتب على ذلك من تصنيفات معتمدة تسهل فهم مسار وهوية وفلسفة أية طائفة وتوجهاتها ومدى انخراطها من عدمه في النسيج المجتمعي والفكري المشترك مع شعب / أو دولة ما. وبقراءة في التاريخ الانساني وما يهمنا هنا شعوب الشرق الاوسط والخليج وشمال افريقيا، فسنجد التباسات وتجاذبات إيجابية وسلبية شابت وتشوب المشهد الطائفي إن صح التعبير باعتماد المعنيين بالأمور العامة من جهة وأمور طائفة ما من جهة أخرى ، على توظيفات سياسوية استغلالية لبعض الاهتمامات والقناعات والثقافات والافكار والايمانيات العامة المشتركة داخل مجتمع ما إما من طرف طائفة ما وفرضها على الأمة، أو من طرف الحاكمين باعتماد عصبية طائفية أو عدة طوائف ضدا على باقي مكونات المجتمع في إطار تكريس وتركيز وتقوية المؤسسات أو الافراد الذين يحكمون ويتحكمون في إدارة الدولة أو منظومة حكم أو نسيج ما ؟؟..... فهل يمكن لنا أن نطرح سؤال تداخل مفهوم الطائفة مع مفهوم الحزب السياسي لهيأة النقابية والمذهبية ...؟وبتعبير أكثر بساطة ..هل تشبعت بعض العقليات المنتظمة في تجمعات مهيكلة وفق ضوابط حديثة معاصرة بأفكار وممارسات وأهداف النهج الطائفي الضيق والسلبي ؟ ولنولد أسئلة أخرى ..ماذا يعني جعل سياسة الافراد أو المجموعات أمرا من أمور الدين من خالفها خالف الدين في أصوله وفروعه ؟؟؟ وماذا يعني أن يوظف السياسي المنتمي لهيأة معينة الدين ليصل به الى عقول الناس المؤمنين بهدف تجنيدهم لتمرير قراراته ومبادراته وسياساته بعلة أن كلامه منزل منزلة الكتاب والسنة مما يفترض اتباعه وتقديسه ؟ وماذا يعني عندما يتحول الحزب - أو الاحزاب - الى طائفة - أو مجموعة طوائف - تخضع الاخرين وتصنفهم وتحكم عليهم بمعيار خاص بهم، ومن لم ينطبق عليه عُدَّ من المرفوضين والاولى محاربته ومواجهته ولو بالتحالف مع الادنى منه من حيث المخالفة والاختلاف . ولنسق استفهاما آخر :هل يمكن ديموقراطيا وحقوقيا استساغة وقبول أن يؤسس حزب لكل طائفة أو مجموعة ...من العيساوية أو الحمدوشية أو التيجانية أو الدرقاوية أو يصل الامر الى تخندق» الشرفاء» في أحزاب خاصة كل واحد بحزبه ومرجعياته ؟مثل الادارسة والعلويين و... وماذا إن تحولت كل قبيلة الى حزب ...؟ ونخلص الى طرح قضية اسمها الوطن والامة/الشعب .. كيف سيكون شكله وما هو مصيره ؟. إن المحافظة على الخصوصيات الثقافية والفكرية والتنظيمية والمذهبية وتطويرها وعقلنة عملها ..وحماية الأنسجة المكونة للمجتمع أمر منطقي ومطلوب لكن دون أن ينبني على أفكار تبخيس الغير وتعظيم الذات وتسفيه الاخر، وتثمين النفس وبالسعي نحو إقصاء وقمع ومحو الآخر أو إخضاعه وتذليله. إن وجود الفكر الإقصائي الضيق وغياب الإيمان بالحق بالتعددية وأهمية التوافق السياسي والتنوع الاجتماعي والثقافي في إطار تكاملي. كما أن طغيان النظرة والمصالح الضيقين وخدمة أجندات خاصة بحزب أو هيأة أو مؤسسة ما في إغفال غير عقلاني وغير علمي بوجود أو احتمال وجود أجندات متعددة تسعى لتحقيق نفس الاهداف بطرق ومنهجية وفلسفة عمل مغايرة له ، يشكل صفعة وإدانة للنخب السياسية بالحكم والاغلبية والمعارضة على السواء.. شاركوا في تدبير الشأن العام أم لا ..يعملون من خلال المؤسسات ووفقا للقوانين المعمول بها أم لا ؟؟؟؟ كما أن طغيان الهوية والايديولوجية الخاصة بجعلها محورا لكل شيء وما عداها فهو الى زوال وبطلان، مما يولد ممارسة سياسة الاستبداد وحب الهيمنة والتسلط ولو بالخطب المدبجة التي لا تقدم أية خدمة ذات فائدة بقدر ما تنتج طائفية سياسوية بغلاف حزبي ديني أو إيديولوجي ليبرالي أو يساري معتدل أو متطرف. فمن سيقدم في هذه الحالة هل الامة /شعبا ودولة والمصلحة العامة ..أم الحزب ككيان عصري ديموقراطي منفتح ؟ أم الحزب الطائفة ؟ أم الطائفة الحزب ؟ في مواجهة الآخرين ... إن المتتبع العادي سيقف على حقيقة غريبة وبئيسة في عصر العلوم والتكنولوجيات الحديثة والتطور العلمي الرائد ،تتجسد في ان العديد ممن يتبنى أفكارا تبدو نيرة وحداثية أو إصلاحية ثورية أو شرعية متنورة في كل بلداننا من الخليج حتى المغرب، هم أقرب في ممارساتهم الى سلوكات طائفية إن لم نقل شرعوا في مأسسة طوائفهم التي تزيد النيران اتقادا والاوطان أزمات ....فهل الانتماء الى حزب ما أو عقيدة ما معناه امتلاك للحقائق والمعارف أم أنه من أجل البحث عن أفضل الافكار والاقتراحات والبرامج الاقرب الى إقرار الحقائق الفعلية في إطار من التكامل والتلاقح والتناصح والتدافع البناء والديموقراطي .. وليس الحقائق الخاصة بمجموعة دون الناس كافة حيث نكون أمام تناقض غريب يتلبس البعض بلبوس انفصام في الشخصية وتداخل في الافكار وضبابية في المسارات . إن مجتمعاتنا في حاجة الى أن تمارس نقدا ذاتيا وتقييما موضوعيا لاختلالاتها البارزة في المشهد الرسمي والحزبي وبالمجتمع المدني، لعلنا نغير ونصحح أنفسنا قبل أن ندعو الى تغيير مجتمعاتنا ولنا في تجارب من تقدم علينا بالغرب والشرق والعديد من البقاع عبرة لنعمل بإرادة جماعية دون إقصاء ولا تبخيس ولا طائفية ...من أجل بناء المجتمع والدولة على الأسس التي نتوافق عليها جميعا والتي تحقق ما نتمناه لشعوبنا من رخاء وكرامة وحريات وحقوق وعدالة رائدة بدل إشعال معارك طواحين الهواء التي تسمع الناس الضجيج ولا تقدم لهم الطحين -...ونختم بقولة للإمام علي كرم الله وجهه « قال رضي الله عنه : من ينصب نفسه للناس إماماً ..فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ..وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه !!»