في كل سنة، تشد الآلاف من جثامين المهاجرين المغاربيين الذين كانوا يعيشون فرنسا الرحال صوب بلدانهم الأصلية، ليرسموا بذلك مسارا جديدا لموسم الهجرة... وهذه المرة نحو الجنوب وتحت التراب. وحسب تقرير نشره موقع «بي بي سي»، فإن أسر أولئك المهاجرين تصر على دفن موتاها في وطنهم الأصلي، دون أن يثنيها عن ذلك التكلفة الكبيرة للنقل والمساطر الإدارية المعقدة، والوقت. وتساءل الموقع إن كانت هذه الخطوة إشارة على عدم الاندماج التام في المجتمع الفرنسي. الهوس الفرنسي، يقول ذات الموقع البريطاني، بقيم الجمهورية ورفض فسح المجال للقضايا الدينية، ولو في إجراءات الدفن، يجعل الكثير من المهاجرين يتركون وصايا بنقل جثامينهم إلى بلدانهم الأصلية، ليدفنوا بطريقة إسلامية ووسط المسلمين. هذا الإصرار هو الذي جعل المهاجر عبد الله حديد ينشئ مقاولة تنشط في هذا المجال أطلق عليها تسمية «الواجب»، في إشارة إلى أنه لا يقوم إلا بالواجب تجاه موتى المسلمين، حيث يقوم، بمجرد تلقيه اتصالا من ذوي الفقيد، بالاتصال بالمصالح الطبية والسلطات الإدارية المحلية والشرطة ثم المصالح القنصلية، قبل أن يقوم باقتناء تذكرة الطائرة والنعش. يقول حديد في تصريح لل «بي بي سي»: «يمكن أن أقول إن 70 بالمائة من الأسر تحرص على ترحيل جثامين موتاها إلى المغرب والجزائر. وأحيانا يقوم أهل الميت في قراهم الأصلية هم الذين يتطوعون لجمع حوالي 2500 أورو، تكاليف ترحيل الجثمان». ووفق صاحب المقاولة، فإن ثمة سببان رئيسان تدفعان الأسر المغاربية المهاجرة لدفن موتاها في بلدانها الأصلية. وإن كان السبب الأول متمثلا في ارتباط الأسرة بالوطن الأم، فإن السبب الثاني مرده بالأساس إلى غياب مقابر خاصة بالمسلمين في فرنسا، وهو ما يعني أنه عندما يتعلق الأمر بالمقابر، ترفض مجالس البلديات، التي تشرف على تدبير شؤون المقابر، وضع أي اعتبارات خاصة لمختلف المعتقدات الدينية. ورغم أن مسلمي فرنسا دأبوا منذ سنوات من الاستفادة من مربع خاص بهم داخل المقابر الفرنسية، إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون سوى مبادرة لتسهيل الأمور، ولا علاقة له بتصريح رسمي، كما أن القبور داخلها لا توجه نحو القبلة، كما هو الشأن بالنسبة لمقابر المسلمين، وهو ما يجعل الكثيرين ينفرون من هذا الخيار. العائق الآخر الذي يجعل مسلمي فرنسا يفضلون الدفن في بلدانهم الأصلية هو كون القبور الفرنسية ليست سوى مراقد مؤقتة، إذ بعد فترات تتراوح بين 30 و50 سنة، يتم جمع ما تبقى من رفات الموتى ووضعهم في قبر جماعي، الأمر الذي يعتبره مسلمو فرنسا مسا بحرمة الموتى. يقول عميد المسجد الكبير لباريس، دليل أبو بكر: «فرنسا تضم اليوم ستة ملايين مسلم. يدفعون الضرائب، ويدلون بأصواتهم في الانتخابات، ويشاركون في الحكومة المحلية. فلماذا لا يتم الإنصات إلى آرائهن بخصوص الطريقة التي يدفنون بها؟»