«إريك رولو» طبقت شهرته الآفاق كصحفي ثم كدبلومسي و محلل و كاتب. فقد انضم «رولو» اليهودي ذو الأصول المصرية (إسمه الحقيقي إيلي رفول)، إلى هيأة تحرير صحيفة «لوموند» العريقة في منتصف خمسينات القرن الماضي، بعد أن هاجر في سنة 1950 من مصر إلى باريس، خشية تداعيات الحرب العربية الإسرائيلية الأولى (1948) . و عمل لفترة وجيزة في وكالة فرانس بريس قبل أن ينضم لصحيفة «لوموند» التي كان متعاونا معها، فكلفته إدارة هذه الأخيرة بمنطقة الشرق الأوسط نظرا لإجادته اللغة العربية، رغم أنه محروم من زيارة معظم البلدان العربية بسبب أصوله اليهودية . بعد ثماني سنوات على ذلك سيستدعيه جمال عبد الناصر، الذي كان يريد تحسين علاقاته مع فرنسا الدوغولية، إلى القاهرة، لإجراء حوار معه، سيكون له تأثير كبير على مستقبله المهني و سيفتح له أبواب الدول العربية مما شكل منعطفا في مسار إريك رولو. و في مساره هذا، تنقل بين مختلف بلدان المنطقة، على إيقاع الأحداث و التطورات، مُحاورا صُناع الحدث في هذه البلدان ، مُقابلا المثقفين الأكاديميين و مُعايشا البسطاء المساكين ، مما مكنه من التعرف على النبض الحقيقي لمجتمعات المنطقة،. في مذكراته هاته «في كواليس الشرق الأوسط» يروي «إريك رولو» أحداثَ أكثر من عقدين من تاريخ المنطقة. يسرد خلالها بأسلوبه الدقيق مشاهداته و لقاءاته و قراءاته اتلك المرحلة الهامة من تاريخ الشرق الأوسط متنقلا بالقارئ من القاهرة إلى عمان و من بيروت إلى دمشق و من تل أبيب إلى القدس. و أهمية هذا الكتاب، تكمُنُ في التفاصيل الدقيقة التي يقدمها الكاتب عن بعض الشخصيات المهمة و الأحداث الفاصلة، مما يمنحنا مفاتيح لتطورات الأزمة السياسية في مختلف بلدان المنطقة. و مما يزيد الكتاب أهمية هو أن صاحبه يعالج الأحداث بموضوعية باردة ، تكشف المزايا حيثما كانت و تميط اللثام عن العيوب في أي شخص كان. لهذه الأسباب جميعها، فضلنا ترجمة هذا الكتاب ، بصورة أمينة دون زيادة أو نقصان، توخيا لمنح القارئ العربي نافذة شفافة يطل منها على خلفيات و كواليس أحداث يعتقد أنه يعرفها، فيكتشف أنه لا يعرف منها إلا اليسير. و جاءت الإبادة النازية كي تصب الماء في طاحونة الصهيونية، التي باتت عقيدة تقول بأن لا ضمان لأمن أي يهودي خارج «إرتز إسرائيل». و رغم ذلك كله، فإن حوالي الثلث فقط (حسب معظم التقديرات) من المليون الناجي من المجازر النازية هو الذي استقر بالأرض المقدسة ، بفضل المعونات المالية و المادية التي قدمتها الوكالة اليهودية، بينما استقر الباقون في دول أخرى أو اختاروا المكوث في بلدانهم الأصلية، مُظهرين بذلك أن حبهم لوطنهم لم تخدشه التجارب القاسية التي تعرضوا لها. و قد أشرفت «لجنة التوزيع المشتركة» (دجوينت ديستريبيشن كوميتي) و هي منظمة يهودية أمريكية ذات بعد عالمي،على تمويل و إقامة هؤلاء بالرغم من امتعاض زعماء الوكالة اليهودية، الذين كانوا يأملون في جلبهم لفلسطين. و كان بن غوريون يكره «لجنة التوزيع المشتركة» كُرهه للشيوعيين الذين كانوا يؤيدون عملها، واصفا إياهم ب»حشرات الشعب اليهودي». و يروي المؤرخ الإسرائيلي «طوم سيغيف» أن دافيد بن غوريون كان يتوقع في البداية أن يستقر ما بين 60 و 70 بالمائة من الناجين اليهود في إسرائيل، مستبعدا ما كانوا يسمون آنذاك ب»البقايا البشرية» غير الجديرين ب»اليهودي الجديد» مواطن دولة المستقبل. و اكتشف بن غوريون، غداة الحرب، أنه قد غالى في تقديراته حول الناجين الراغبين في الهجرة إلى فلسطين. فبعد تحقيقات ميدانية، أبلغه مبعوثو الوكالة اليهودية بالموقف المتردد لمعظم الناجين. فهم لم يكونوا حقا ضد إنشاء دولة يهودية، لكنهم لا يأملون في الاستقرار بها. و خلال الشهور التي سبقت حرب 1948، قرر بن غوريون التحرك بسرعة: فضل هجرة الشباب الناجي من النازية القادر على الانضمام للهاغاناه. و قد كانوا من أوائل القتلى. فالمؤرخة الإسرائيلية ‹حنا توروك يابلونكا» تشير إلى أن 22300 مهاجر جديد، رغم جهلهم التام بأرض الاستقبال، و جهلهم المطبق بالعبرية و عدم استفادتهم من أي تكوين عسكري، تم إرسالهم من طرف بن غوريون إلى الخطوط الأولى ، و بما أنهم يشكلون ثلث المحاربين في الجبهة، فقد كان من الطبيعي أن يتلقوا خسائر فادحة نسبة إلى رفاقهم. و قد شكل هذا الموقف ترجمة للاحتقار الذي كان بعض الزعماء الصهاينة، يولونه ليهود الشتات، الذين ? حسب هؤلاء الزعماء- لم تكن لهم الشجاعة لمقاومة جلاديهم النازيين. ف»اليهودي الجديد» الذي كانوا يتخيلونه، ينبغي أن يكون قويا، شجاعا و عدوانيا حيال العدو. و بما أن هجرة الأوربيين كانت أقل بكثير مما توقع القادة الإسرائيليون، فقد التفتوا نحو الاحتياطي الكبير الذي يشكله يهود الدول العربية، الذين تدهورت أوضاعهم تدريجيا بسبب التوترات و النزاعات التي سبقت و تلت إنشاء الدولة العبرية. فأمام القومية العربية، التي كانوا يجدون صعوبة في التماهي معها، و خوفا من أن يشكل نيل هذه الدول العربية لاستقلالها خطورة على وضعيتهم الهشة، فقد كان يهود هذه الدول قلقين خصوصا من عواقب إنشاء دولة يهودية على مستقبلهم كمواطنين لدول عربية. و بسرعة كبيرة، تجاوز المهاجرون من الدول الإسلامية عدد الناجين من النازية الذين استقروا بإسرائيل. فمن مجموع 985 ألفا من اليهود الذين يسكنون الدول العربية سنة 1947 ، هاجر معظمهم، أي 670 ألفا إلى إسرائيل فيما بين سنتي 1948 و 1967. لقد كانوا إذن ضعفي أو ثلاثة أضعاف ضحايا الهتلرية الذين استقبلتهم الدولة اليهودية (250 ألف تقريبا). و قد تم تسهيل هذه المهمة في بعض الحالات، من خلال اتفاق، ضمني أو صريح، مع الحكومات العربية التي كانت تأمل في ? أو لم يكن لها أي اعتراض على ? هجرة مواطنيها اليهود، خاصة و أن الأملاك المتروكة ستستفيد منها بالضرورة البورجوازية المحلية.كما بُذلت جهود خاصة من أجل تيسير رحيل يهود المغرب و العراق، و هما الطائفتان الأكثر عددا في العالم العربي،و اللتان تقدران تباعا ب 400 ألف و 130 ألف نسمة. لم يَضَع المغرب، و قد كان حينها لا يزال تحت الحماية الفرنسية في بداية الخمسينات، أي عائق أمام المشروع الصهيوني، فتمت الهجرة بشكل سلس. و بتأثير من النفوذ الأنجلو-أمريكي، سهلت الحكومة العراقية رحيل مواطنيها اليهود. و قد طرح هؤلاء الأخيرون مشكلة: فقد كانت الطائفة اليهودية، المتجذرة في هذه البلاد منذ أكثر من عشرين قرنا، المندمجة بشكل كامل في الحياة الاجتماعية،الاقتصادية و الثقافية،و المالكة لنخبة مزدهرة تحظى بالتقدير،غير مهتمة بالصهيونية و متشككة في نواياها، مثلها في ذلك مثل باقي يهود العالم العربي. فقد كان أعضاء الطائفة يشعرون بأنهم في بيتهم في بغداد، حيث يشكلون ربع السكان و يعيشون بانسجام تام مع مواطنيهم المسلمين أو المسيحيين.لذلك، فبعد سنتين على إنشاء إسرائيل، وضعت سلسلة من العمليات ضد المؤسسات و الشركات اليهودية في العاصمة العراقية، حدا فوريا لتردد الطائفة ، بالرغم من أن العبوات المتفجرة التي تم استخدامها كانت ضعيفة القوة و لم تصب إلا عددا قليلا نسبيا و تسببت في خسائر يسيرة. حينها شرعتبعض الجهات الصهيونية في توزيع مناشير بعد كل عملية، تدعو اليهود إلى الهجرة لإسرائيل.و اعتقلت السلطات العراقية بعد ذلك بقليل ، أعضاء شبكة إسرائيلية قامت بتنفيذ عدد من العمليات (حصل سيناريو مماثل أربع سنوات بعد ذلك في مصر، عُرف بقضية «لافون» التي أشرت إليها في الفصل السابق).كما تمت مصادرة عدد من الوثائق و كميات من المتفجرات كانت في حوزتهم.كان معظم أعضاء الشبكة يهودا من أصل عراقي عادوا سرا إلى البلاد.و تم تأكيد انتمائهم فيما بعد كأعضاء في الموساد، جهاز الاستخبارات السرية الإسرائيلي. أحدهم و يُدعى «يهودا التجار» حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، لكن تم الإفراج عنه بعد عشر سنوات،أثار فضيحة في لإسرائيل في ماي 1966 ، حين أكد علنا بأن شبكته قد نفذت عملياتها من أجل دفع اليهود إلى مغادرة العراق . و عُلم بنفس المناسبة أن الجنرالين «موشي دايان» و «إيغال ألون» و هما معا من الحزب العمالي و يحظيان بحماية بن غوريون، كانا مسؤولين عن نشاط الشبكة.و قد أحرزت العملية نجاحا كبيرا، إذ تمكنت من دفع 105 آلاف يهودي عراقي للهجرة إلى إسرائيل قبل يوليوز 1951، بينما غادر معظم العشرين ألفا المتبقية البلاد فيما بعد، الأغنياء منهم توجهوا إلى بلدان أخرى غير إسرائيل. لم يتلق أي مضايقة بسبب تصريحاته المثيرة، بل على العكس تم إدماج «يهودا التجار» في السلك الدبلوماسي، و عين في الثمانينات مستشارا ثقافيا لدى سفارة إسرائيل بلندن. لم تكن هذه الهجرة الكبيرة ليهود العراق ممكنة، بدون تعاون حكومة بغداد.و بالفعل، فقد جرت مفاوضات بين «شلومو هيلل»، و هو يهودي عراقي أيضا، و الوزير الأو ل العراقي «السويدي» أثمرت اتفاقا يتم بمقتضاه نقل المهاجرين لإسرائيل بواسطة طائرات تحمل الراية الأمريكية، لكنها في الواقع طائرات حكومية إسرائيلية. و كانت هذه الطائرات، في البداية، مُجبرة ? للتمويه على الاتفاق السري الذي أُبرم مع السلطات العراقية- على المرور عبر نيقوسيا (قبرص)، لكن و بإلحاح من الإسرائيليين، سمح المسؤولون العراقيون بالطيران المباشر في اتجاه تل أبيب، و هو ما يحول دون هروب المهاجرين اليهود إلى دول أخرى غير إسرائيل. و قد أبرم إمام اليمن، الإمام أحمد اتفاقا مماثلا مع إسرائيل مُقابل أعطيات كريمة: و هكذا تم ترحيل أكثر من 50 ألف يهودي من المملكة في رحلات جوية مباشرة إلى الدولة اليهودية، في عملية أطلق عليها إسم «البساط السحري» (بساط الريح). و تمت المفاوضات بين تل أبيب و صنعاء، مثل التي تمت مع بغداد، دون استشارة الطائفة اليهودية، التي يعود تواجدها في هذا «اليمن السعيد» إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام... و هكذا أصبحت إسرائيل أرض استقبال ليهود الدول العربية، الذين باتوا يشكلون أكثر من نصف السكان اليهود في الدولة الجديدة، و ليس الملاذ الرئيسي لضحايا النازية، كما جرت العادة في تقديمها لتبرير إنشاء الدولة. و هو ما لم يمنع الحكومة الإسرائيلية من استلام الجزء الأكبر من التعويضات الألمانية المخصصة لضحايا النازية. و تبين أن مصير هؤلاء الأخيرين لم يكن بالأمر الجيد، فقد انفجرت خلال صيف 2007 فضيحة مدوية، بالكشف عن 250 ألف مُسن من الضحايا، نصفهم يعيش في العوز، يعاني من سوء التغذية و من نقص العلاج و من هشاشة السكن أو من الإعاقة. و كان ثمانون ألفا من هؤلاء ? دون احتساب اليهود الروس الذين فروا أيضا من الاضطهاد النازي ? يعيشون تحت عتبة الفقر، بينما كان يموت 35 منهم في المتوسط يوميا. حينها اتهمت الصحف الإسرائيلية الحكومات المتعاقبة بإهمالهم، خاصة بن غوريون الذي صادر - دون استشارتهم - جزءا مهما من الأموال الألمانية المخصصة لهم، بدعوى «مصلحة الدولة». و ظلت المسألة مطروحة: أين ذهب مبلغ المليار و 850 مليون دولار المخصص للناجين من المجازر النازية ،الذي صرفته البنوك السويسرية في سنة 2000؟ حينها اتخذت حكومة أولمرت قرار الرفع من قيمة المخصصات المدفوعة للناجين الأكثر فقرا : 21 دولارا للأشخاص الذين يفوق سنهم سبعين عاما و 36 دولارا للثمانينيين ، مما رفع المخصصات سنة 2011 إلى 52 و 76 دولارا تباعا في أحسن الحالات.و أمام هذا الوضع تظاهر الناجون حاملين نجمة داوود الصفراء فوق بيجامات مقلمة ، تذكيرا بلباس المساجين في معسكرات التجميع، أو مرتدين قُمصانا مكتوبا عليها : «إعذرونا لأننا لانزال على قيد الحياة» أو «إسمحوا لنا بالموت بكرامة»، مما أجبر الحكومة على الرفع من هاته المخصصات. خلال تحقيق قمت به سنة 1965 ، أردت أن أعرف المزيد حول مصير اليهود المنحدرين من الدول العربية (سفاراديم أو مزراحيم). تأثرت كثيرا بوضعهم، خاصة أن الكثير من أعضاء عائلتي كانوا من ضمنهم. فقد كان هؤلاء «السود» (شاهوريم بالعبرية) كما كانوا يُلقبون، و المختلفون بشكل واضح عن «البيض» الأشكناز، يمثلون الضحايا العرضيين لإنشاء الدولة الإسرائيلية . فبتجولي في الأحياء التي يقطنونها، لاحظت كيف كانوا مكدسين في أكواخ، لا يتكلمون اليديش و لا العبرية، بل العربية بالنسبة لمعظمهم، و كانوا يهيئون الوجبات التقليدية لبلدانهم الأصلية، ينصتون للموسيقى الشرقية المبثوثة بصوت عال. و بدأت المطاعم «العربية» ، حيث تقدم الوجبات السورية-اللبنانية أو المصرية، تنبت في القدس و يافا و حيفا و تل أبيب. كل شيء كان يفرق بين المزراحيم و المهاجرين الأوربيين: اللغة، و العبادة، و التقاليد و الثقافة و العقليات. فيما ظل الزواج «المختلط» بين السفارديم و الأشكنازيم (أقل من 10 بالمائة سنة 1962) ظاهرة هامشية. فقد كان الحذر و النفور المتبادلان و الأحكام المسبقة تسوس العلاقات بين التشكيلين الرئيسيين للساكنة الإسرائيلية. و قد كتب «أندري شوراقي»، المؤرخ الذي شغل منصب مستشار لدى الوزير الأول لشؤون الطوائف: «و قد بلغت الأحكام المسبقة العنصرية درجة أن مسؤولين كبار لم يكونوا يترددون في الحديث علنا عن «الانحطاط الفيزيولوجي» أو «التخلف العقلي» أو «العيوب الوراثية» للمزراحيم. كما أن «بياليك»، الشاعر الصهيوني الكبير قال أنه «لا يحب العرب لأنهم يشبهون كثيرا لليهود الشرقيين»، هل قال ذلك حقا أم لُفق له ،على كل حال فإن النكتة تعكس الصور النمطية التي كانت تعوق الوحدة الوطنية. كما تعكس النكتة التالية شعور الاستلاب الذي كان مسيطرا على اليهودي الشرقي، فقد قال مهاجر عراقي «في الشتات كنت يهوديا، و في إسرائيل أصبحت سفارديا». و في الخمسينات و الستينات ،شجب بعض قادة الحركة السفاردية «الإبادة الثقافية» التي يتعرض لها اليهود الشرقيون في إسرائيل، حيث كان كل ما ينتجه هؤلاء في الميادين المختلفة، خاصة الأدبية و الفنية، يتعرض للتغييب بشكل مُمنهج. فباعتبار أن العربي هو العدو، كان من الطبيعي السعي غريزيا لإلغاء موروث «اليهود العرب». و قد كان نسيم رجوان، الكاتب الشهير باللغة العربية، الذي كانت مؤلفاته تُنشر باللغة العربية قبل أن تتم ترجمتها إلى العبرية، يحدثني بحنين عن بلده الأصلي العراق قائلا: «حين يتكلم الإسرائيليون عن تربية الشرقيين فهم يعبرون في الواقع عن رغبتهم في تغريبهم». و قد تأكدت من ذلك خلال حوارين أجريتهما في الستينات مع ثلاث شخصيات من الصف الأول : فقد قال لي «بنحاس سابير»وزير المالية حينها : «إسرائيل تنتمي لأوربا ثقافيا و اقتصاديا و سياسيا، رغم موقعها الجغرافي في الشرق الأوسط»، أما «دافيد بن غوريون» فقد كان أكثر جذرية حين قال : «لا نريد لمواطنينا أن يتحولوا إلى عرب.علينا مكافحة الروح الشرقية التي تفسد الناس و المجتمعات» فيما لم يجد «شيمون بيريس» أحد الأعضاء البنغوريونيين و الرئيس المقبل للدولة، أي حرج في التصريح خلال حوار معه، سنة 1965: « يذهب السفارديم حتى الانتحار من أجل إرضائك، و يذهبون حتى قتلك إذا اختلفت معهم في الرأي...». و كان هؤلاء الثلاثة يعلمون أنني من السفارديم. هذه التصريحات ضمن تصريحات أخرى ذات الجوهر العنصري، تعكس الرأي السائد آنذاك لدى المؤسسة الاشكنازية الحاكمة. و احتجاجا ضد التمييز الذي يتعرضون له، شن اليهود الشرقيون سنة 1959 مظاهرات في عدة مدن، خاصة في وادي صليب، بضاحية حيفا. و قد اكتسى هذا الغضب شكله السياسي في السبعينات مع «الفهود السود»، و هي حركة احتجاجية وُلدت في قلب الأحياء الفقيرة التي يسود فيها الجنوح. و قد وصل أحد قادة هذه الحركة «شارلي بيتون» إلى الكنيست (البرلمان الإسرائيلي.م)، بينما انخرط نائب آخر هو «شالوم كوهين»، الصحفي الشهير و المناضل الحقوقي،في تعبئة المزراحيم على قاعدة مواطنة حصرا لا طائفية. و قد كان «كوهين»، ذو الأصول المصرية و الذي يتحدث العربية بطلاقة، مع «يوري أفنيري»، واحدا من رواد حركة السلام المؤيدة لإنشاء دولة فلسطينية. كما أن «جوزيف الغازي» و هو يهودي و مستعرب مصري فقد كان دليلا ثمينا لي في الأوساط الشرقية ،و خلال تحقيقاتي في إسرائيل،حيث كان كثيرا ما يرافقني، تعلمت الكثير بفضله. الحلقة المقبلة: التوراة التي لا غنى عنها (3)