لم يكن أول أيام رمضان بخنيفرة طبيعيا ولا عاديا، حيث عاشت المدينة على إيقاع مسيرة شعبية زحفت، على مسافة حوالي 25 كلم، من منتجعات أجدير نحو مقر المياه والغابات، ومنه إلى عمالة الإقليم للاحتجاج على مقتل مواطن من قبيلة آيت عمو عيسى في اشتباك مع أفراد من المياه والغابات، وقد أبى المتظاهرون إلا حمل نعش المتوفى على الأكتاف، رغم صيام رمضان والحرارة المفرطة التي انقلبت إلى أمطار رعدية، إذ رفضوا تسليم الجثة للسلطات، في حين علمت «الاتحاد الاشتراكي» بنبأ استدعاء ثلاثة عناصر من المياه والغابات شاركوا في العملية، للاستماع إلى أقوالهم من طرف الضابطة القضائية للدرك، وتم الاحتفاظ بهم رهن الاعتقال إلى حين الانتهاء من إجراءات التحقيق، وهم رئيس المنطقة الغابوية لبومزيل ، رئيس المنطقة الغابوية لأغبالو نخوان ، ورئيس المنطقة الغابوية لتلاغين ، حسب مصادرنا. وكم من محاولة قامت بها عناصر القوات العمومية لثني المتظاهرين عن التقدم نحو المدينة، غير أن كل المحاولات باءت بالفشل أمام قوة التيار الجارف الذي كان على شفا فتيل انزلاق نحو اضطرابات لم يستطع أحد التكهن بعواقبها بعدما شوهد المتظاهرون وهو يستمرون في مسيرتهم غير آبهين بالتعزيزات الأمنية التي تمت الاستعانة بها من مناطق خارج الإقليم، في حين شوهد عامل الأقليم وهو يحضر المسيرة قاطعا مسافة طويلة على قدميه إلى جانب المحتجين، بينما أكدت مصادر مختلفة حلول والي جهة مكناس تافيلالت، والي أمن جهة مكناس، والمدير الجهوي للمياه والغابات للأطلس المتوسط. وأمام بوابة عمالة الإقليم احتشد المتظاهرون في تجمهر حاشد انضم إليه عدد من سكان المدينة، وقد تم تطويق البناية بحشد من عناصر القوات العمومية والأمنية بصورة غير مسبوقة، قبل خروج عامل إقليمخنيفرة إلى المتظاهرين في محاولة لمخاطبتهم، غير أن المحتشدين رفعوا في وجهه مجموعة من الهتافات والشعارات التي بلغت في إحداها حد مطالبته بالرحيل، في حين شوهد مسؤول أمني وهو يرتدي «شريط الاستنفار» في مؤشر استعداد إلى تدخل قوات حفظ النظام بموجب الضوابط القانونية، رغم أن المظاهرة كانت سلمية ولم تتخللها أية أعمال شغب أو تخريب. وبعد دقائق معدودة من التأهب والتوتر، تدخلت القوات العمومية بالعنف لتفريق المحتشدين، وانقلب الوضع إلى جو من الكر والفر والرشق بالحجارة والمطاردة في مختلف الاتجاهات، وإلى حالة ارتباك عشوائية في حركة السير والجولان، وقد تمكنت السلطات من «استرجاع» جثة الضحية من يد المتظاهرين ونقلها نحو مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي، تحت حراسة أمنية مشددة، لإخضاعها للتشريح الطبي، في حين سجلت عدة اعتقالات في صفوف المتظاهرين، تم الإفراج عنهم جميعا قبل ساعة الإفطار، كما ظلت الأجواء على درجة من التأهب القصوى طيلة المساء والليل، وقد شوهدت عناصر مكثفة من الجيش وهي تنزل أمام مبنى عمالة الاقليم في وضعية مراقب تحسبا لأي طارئ. ويتعلق أمر القتيل بالمسمى قيد حياته عبدالرحيم أبراو، من مواليد 1984، أب لطفل ذات ثلاث سنوات من عمره وزوجته حامل في أسابيعها الأخيرة، أصيب بطلق ناري في مواجهة مع أفراد من المياه والغابات بأجدير، ليلة الثلاثاء/ الأربعاء 9 /10 يوليوز 2013، وقيل إنه كان وقتها يهم بالهرب لحظة ضبطه صحبة أشخاص آخرين يقومون بقطع أخشاب شجر أرز، وبينما لم يفت المتتبعين الحديث عن موقع «بومزيل» الذي عثر فيه على جثة الضحية وبُعده عن قبيلة المعني بالأمر بأزيد من 20 كلم، أكدت مصادر متطابقة عثور السكان بجانب الجثة على سبع خرطوشات، منها خمسة مطاطية واثنتان ناريتان. وبخصوص سيناريو الواقعة أفادت مصادر مسؤولة من مصالح المياه والغابات ل«الاتحاد الاشتراكي» أنه في إطار محاربة الجنح والمخالفات الغابوية، والتصدي لمظاهر النهب الذي تتعرض له الثروة الغابوية، تم إشعار رئيس مركز المحافظة وتنمية الموارد الغابوية لأجدير، في حدود الساعة 23 : 45 دقيقة من يوم الثلاثاء 9 يوليوز 2013 في شأن عملية قطع جائر لأشجار أرز ب«بومزيل»، فرع بوسادرة، ليتم الاتصال بالغابويين الثلاثة المشار إليهم، هؤلاء الذين انتقلوا على الفور لمسرح الحادث، وبالضبط القطعة الغابوية 144، كما ورد في تقرير خاص حصلت «الاتحاد الاشتراكي» على نسخة منه. وبمجرد وصول الأفراد الغابويين الثلاثة، ضبطوا 10 أشخاص بصدد استغلال شجرة أرز، ما جعلهم يقعون في مواجهة عنيفة استعملت فيها مقالع يدوية وحجارة، تلته طلقة نارية من سلاح ناري، حسب مصادر المياه والغابات، الوضع الذي لم يجد أمامه الغابويون من خيار غير الهرب، إلا أن المخالفين أصروا على مطاردتهم، ما حمل الغابويين الثلاثة إلى إطلاق عيارات نارية في الهواء، عددها 12 طلقة، منها خرطوشات مطاطية وأخرى رصاصية، بهدف تخويف المخالفين، وساعتها، يقول الغابويون الثلاثة بأنهم غادروا مسرح الحادث في سبيل حماية أرواحهم وسلامتهم البدنية، بينما اكتفى مصدر مسؤول من المياه والغابات بعدم التعليق إلى حين الإعلان عن تقرير التشريح الطبي، مصرا على براءة المتهمين من دم الضحية، وإلا لماذا، حسب رأيه، لم يتم الإعلان عن حالة الوفاة الغامضة إلا بعد مضي أزيد من ثماني ساعات عن الحادث؟. مصادر المياه والغابات لم يفتها التذكير بأحداث دموية شهدتها منطقة الحادث، وبعمليات العثور على أخشاب مهربة وأسلحة نارية من صنع محلي بحوزة مهربين ومخالفين، ولعل هجوم الرابع من غشت 2010 على فرقة من المياه والغابات كانت الأعنف من نوعها، وكان طبيعيا في ظل ما حدث أن يسود الحديث بقوة حول عناصر حزبوية اختلط عليها «الاستغلال الغابوي بالاستغلال الانتخابوي»، وبينهم شخص يهدد في كل مرة ب «الثورة» كلما تمت مساءلة مخالفين من المنطقة، في حماية منه وتشجيع سافر لهؤلاء المخالفين، وفي تأجيج الأجواء التي ستؤدي حتما إلى المزيد من الأزمات، وإلى تناسل المافيات الغابوية التي تغتني على حساب السكان الفقراء المحيطين بالغابات الذين تدفعهم ظروفهم الاجتماعية الى استنزاف ثرواتهم الغابوية، أو السقوط قتلى كما هو نموذج المواطن عبدالرحيم أبراو الذي تنتظر روحه فتح ما يمكن من التحقيقات لتحديد المسؤوليات.