«الشباب والالتزام بين الخيبة والأمل» هو عنوان الكتاب الجديد الذي أصدره مؤخرا الباحثان ادريس الكراوي (أستاذ الاقتصاد) ونورالدين أفاية ( أستاذ الفلسفة الحديثة). ويندرج هذا المؤلف ضمن اهتمامات الباحثين المتعلقة بالأسئلة الكبرى التي تطرح على المجتمع المغربي من خلال شبابه. فبعد كتاب « مغرب الشباب»( 2006) تؤكد التحولات المتسارعة للمجتمع المغربي، والأحداث الاحتجاجية والسياسية الأخيرة صدْقية الأطروحة التي يدافع عنها الباحثان، والتي مفادها أنّ المجتمع الذي يفكر، بالجدية السياسية الضرورية، في شبابه- و نسائه أيضا- هو ذلك المجتمع الذي يرتقي إلى مستوى طرح الأسئلة الكبرى عن ذاته، وتاريخه، وقيمه، واختياراته المستقبلية، و البناء عليها، سيما في سياق تهتز فيه المقولات التقليدية بحكم التنامي المضطرد للمجالات الحضرية، وبروز ظواهر من الفصام والتمزق الوجودي بسبب تحديث مادي ناقص، وحداثة مشوهة ، و غياب مشروع ثقافي وتعليمي يستجيب، حقا، لمقتضيات التأسيس لمجتمع ديمقراطي يعترف بكلّ فئاته، وفي طليعتهم الشباب. يرى المؤلفان أن المغرب شهد في العقد الأخير نشاطا لافتا لتنظيمات المجتمع المدني، و ظهور فاعلين جدد، وحركات شبابية، ونسائية، وتجمعات مهنية، وأشكال جديدة للتضامن تحل محل الانهيار التدريجي للإحساس الإنساني بالتضامن بسبب اجتياح قيم الاستهلاك المتوحشة. و هو ما أدّى إلى إطلاق حركات احتجاج ، وانتفاضات، وإلى صيغ مبتكرة من المطالب، ساعدت على تأجيجها أحداث تونس ومصر سنة 2011، وحركة 20 فبراير التي دفعت إلى الواجهة فاعلين شباب في غالبيتهم، مدعومين بأشواق و تطلعات، ووسائل تواصل جديدة، ومنظمات حقوقية وسياسية. وتؤكد تعبيرات وأشكال حضور الشباب في المجال العام على تطلعات مجتمع بأكمله و دعوة أصحاب القرار إلى الإنصات إلى حقوقه الإنسانية الأساسية، وإلى نزوع واضح نحو العدالة ، واحترام الكرامة والاعتراف. ويعتبر ادريس الكراوي ونورالدين أفاية أن الاهتمام بالشباب المغربي، اليوم، من طرف كل مستويات صانعي القرار، يستلزم اختيارا تاريخيا واستراتيجيا، إن لم يتطلب مشروعا مجتمعيا جديا قادر على تعبئة الشباب، وخلق شروط إدماجهم في المؤسسات، واعتبارهم فاعلين رئيسيين في توطين قيم المجتمع الديمقراطي. يتوزّع كتاب « الشباب والالتزام بين الخيبة والأمل» إلى قسمين؛ يتناول القسم الأول سؤال الشباب في العلوم الاجتماعية، والآليات المنتجة للإقصاء ، والإطار الفكري والسياسي لقضايا الالتزام و التنمية، وضرورات توسيع دائرة الحريات، والمناقشات الجارية حول أدوار شبكات التواصل الاجتماعي والأنترنيت في تعبيرات الشباب عن المعاني الجديدة للالتزام؛ أما القسم الثاني فهو عبارة عن بحث استقصائي، ميداني شمل 200 شابا مغربيا وأجنبيا حول تصوراتهم للالتزام السياسي والمدني، اليوم، وعلاقته بالتنمية، وموقفهم من التحديات الكبرى التي تواجههم. وذلك ضمن منظور يبرز توزع الشباب بين أسباب الخيبة التي تستولي عليهم بسبب الصعوبات الكبرى التي يواجهها هذا الجيل، وبين ضرورات التعلق بالتفاؤل المطلوب لإثبات الذات وانتزاع الاعتراف السياسي والمجتمعي بهم.