«سعاد تساعد أمها في المطبخ و كريم يلعب الكرة» كل أبناء و بنات جيلي يتذكرون هذه الجملة الشهيرة في كتاب القراءة في صفوف الابتدائي الأولى .. هذه يا وطني أول جملة في أول درس لقنته لنا ... هكذا أردت لنا أن نكون ... مطابخ للنساء و ملاعب للرجال .. لهم الكرة بين أرجلهم ولنا السكاكين بين أيدينا .. يلعبون و يسقطون ليكسروا أحيانا و نحن نطبخ و نقلي لنذبح أحيانا أخرى..انتقلت سعاد إلى الثانوي لتكتشف أن كريم أصبح مهندسا بدروسها و هي ربة بيت.. ممرضة أو معلمة في أحسن الأحوال فمهماتها كانت كثيرة لم تسمح لها بالتحصيل الكافي لتتقلد أدوارا أكبر. لم تكن سعاد لترضى بهكذا مصير, فهي أذكى و أرقى من أن تحصر في أدوار نمطية تعتمد فيها على الحنية و الوجه الحسن ، ناضلت سعاد و رفيقاتها ... كان الدرب طويلا..محفوفا بالأشواك و كثير الألغام واجهت فيه رجالا ونساء يرفضون صورتها الجديدة, فهي خلقت من ضلع كريم وعليها أن تكون ممتنة له وتسهر على راحته, هو المهندس الناجح الذي يقضي كل يومه في العمل وقراءة الجرائد ونفث الدخان ....كان بحاجة عند عودته للبيت إن يجدها في انتظاره، مبتسمة ،مستعدة لخدمته ...تحكي له قصصا قبل النوم حتى يحظى بأحلام سعيدة...انتفضت سعاد إذن.. فضربت وسجنت واغتصبت واضطهدت ونعتت بالجنون ،والهلوسة والانحراف .... لم تستسلم المجنونة وفي غفلة من كريم ومن معدي المقررات تضاعف عدد ‹›السعادات››في الثانويات والجامعات اضطروا معه الى تنقيح الدروس و منحها أدوارا اكبر وأكثر..ليصبح لها صديقات طبيبات ومهندسات ووزيرات ...... فرحت سعاد بأدوارها الكبيرة وأمام هول الرفاهية وضخامة المسؤوليات،انشغلت سعاد عن النضال ونسيت أمر التلميذات في الوطن العميق وانصرفت إلى تلميع الأحذية وانتقاء الثياب وألوان احمر الشفاه, فالأدوار الجديدة ترغب في منظر جديد ووجه جميل وأناقة عالية ... أحبت سعاد رجلا وتزوجت غيره ..بدأت ترتاد بدل ساحة المعارك صالونات النخبة, حيث للنضال طعم الكافيار وللشعارات صوت الانخاب وحيث الجدائل والسجائر الصفراء تسر الناظرين وتحثهم على البقاء.. جابت سعاد الكون في رحلات نضالية حطت خلالها الرحال بفنادق خمس نجوم....تحقق حلم سعاد او هكذا توهمت قبل أن تستيقظ ذات تشرين الثاني على كريم بوجه ملتح وجلباب قصير .... المهندس ذو التكوين العلمي فقد صوابه وبدأ رحلة البحث عنها للنيل منها ومما صنعت, وجد لنفسه مليون مبرر للقضاء عليها ونسف انجازاتها, اقنع بها مليون ونصف رجل وامرأة ليبدأ العد التنازلي لحياة سعاد ويتقلص العدد مرة أخرى.. تنظر من حولها وكأنها في رحلة عبر الزمن لا تصدق ما تراه, سعاد واحدة في البلاط وأخرى في قبضة المرشد .....صرخت أين اختفت الأخريات ؟؟ أجابها كريم بخبث ابتلعهم الحوت يوم ركبت سفينة نوح واخترت إغراق نفسك بالهدايا وكنوز البحر .. سعاد وكما عرفناها ذات ثانوي ستعود.... هذه المرة بدروس أقوى وتجارب أمر, فمن ذاق طعم الحرية ليس كمن حلم بها. مع تغيير عميق في المسار والوجهة, ترقبوا عما قريب قبلات سعاد وكريم .