أصدر «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، الذي يضم فقهاء السنة التابعين سياسيا لقطر والسعودية، والضالعين في المخطط الدولي الذي يسعى تحت المظلة الأمريكية إلى حماية الأنظمة الخليجية من أي تغيير ديمقراطي، وإلى الحفاظ على المصالح الغربية في المنطقة مع الحلفاء الجدد للغرب وإسرائيل، إسلاميي التيار الإخواني، أصدر بيانا للدفاع عن حكم الإخوان في مصر ضدّ موجة الاحتجاج الشعبي التي تعمّ الشارع المصري، وقد جاء في البيان :» إن الشعب المصري، أعطى أغلبيته بإرادته الحرة للرئيس مرسي واختاره رئيسا له بحكم الدستور لمدة أربع سنوات، وبذلك أصبح من (أولي الأمر) الذين تجب طاعاتهم». وهي عبارة تحمل تناقضا كبيرا بين مرجعيتين مختلفتين لا يجوز التوفيق أو الخلط بينهما، المرجعية الدينية الفقهية التراثية القائمة على مفاهيم «الطاعة» و»أولي الأمر»، والمرجعية الديمقراطية الحديثة القائمة على مفاهيم «التعاقد الاجتماعي» و»الانتخاب» و»التصويت» و»المواطنة»، والتي لا تتضمن مفهوم «الطاعة» ولا تعرفه. لم تتأخر مؤسسة الأزهر، المرتبطة بوجدان الشعب المصري وتاريخه، في الردّ على بيان الاتحاد المذكور، حيث أصدر علماؤها بيانا قالوا فيه «إن المعارضة السلمية لولي الأمر جائزة ومباحة شرعا»، مشدّدين على أنه «لا يجوز تكفير أحد من المعارضين لخلافه مع الحاكم». وهو موقف اجتهادي يستلهم قيم عصرنا ويقرأ الدين ويفهمه على ضوء مبادئ الديمقراطية العصرية، مما يجعلنا أمام موقفين لتيارين ينتميان معا لفئة فقهاء الدين، لا يمكن لأي منهما أن يزايد على الآخر بالعقيدة أو يتهم الآخر ب»الكفر» أو العداء للدين، كما يتم التعامل عادة مع التيار الحداثي الديمقراطي. «علماء» البترول الذين سكتوا عن الثورة المصرية عند اندلاعها، منتظرين ما ستسفر عنه مفاوضات الإخوان مع العسكر، قبل أن يلتحقوا بها ويتسلقوا منابر الخطابة لسرقة الحلم المصري، ما فتئوا يؤكدون بمواقفهم ما تنبأنا به قبل عام ونصف، عندما لاحظنا سعي الإخوان في كل من مصر وتونس والمغرب إلى اختزال الديمقراطية في صناديق الاقتراع، لتبرير التدابير التي ينوون اتخاذها بعد نجاحهم في الانتخابات، والتي يعلمون أنها لن تكون تدابير ديمقراطية، حيث أوضحنا الأسس القيمية للديمقراطية ومبادئها الراسخة، وقلنا إن الديمقراطية تتضمن حقوق الأغلبية كما تتضمن حقوق الأقليات التي لا يجوز هضمها باسم الأغلبية العددية، وقلنا آنذاك إن الديمقراطية بمعناها التقني الاختزالي تتحول إلى دكتاتورية الأغلبية العددية وليس إلى نظام ديمقراطي يضمن العدل والمساواة على أساس المواطنة، كما أوضحنا بتفصيل في أزيد من خمس مقالات بأن المفهوم الاختزالي للديمقراطية لن يؤدي إلى الاستقرار بل إلى مزيد من الاضطرابات، ليس لأن الناس لا يعترفون بصناديق الاقتراع، بل لأنهم لن يقبلوا تكريس استبداد جديد باسم الانتخابات أو باستعمال الدين، وهو ما يدل دلالة قاطعة على أن الديمقراطية هي كرامة الإنسان المواطن قبل أن تكون أرقاما وأعدادا أو عمليات تقنية. المفهوم الاختزالي للديمقراطية هو الذي أوقع «الإخوان» المصريين في الأخطاء تلو الأخطاء، وهم يعتقدون أنهم بالهروب إلى الأمام وبتهريب الوثيقة الدستورية التي وضعوها على مقاسهم في غياب مكونات الأمة الأخرى، ، يمكن أن يفرضوا على الشعب بكامله الأمر الواقع. ومن الغريب أن «الإخوان» عوض أن يراجعوا أخطاءهم حفاظا على استقرار البلاد وسعيا إلى إنجاح تجربتهم في الحكم، فضلوا التعبير عن «استغرابهم» من أن ينخرط في الدعوة إلى التظاهر «بعض المثقفين والإعلاميين والسياسيين ممن يعول عليهم في الوقوف مع الحق ومناصرته»، وهو دليل كاف على خطأ «الإخوان» لو كانوا يعقلون. سيظل الشعب المصري يبحث عن الديمقراطية والحكم العادل إلى أن يجدهما بلا شك، لأن إرادة الشعوب لا تقهر، وعندئذ سيدرك الإسلام السياسي بأن الديمقراطية غير ممكنة بدون أسسها القيمية الكونية.