بدعوة من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، زار بلادنا رئيس الأممية الاشتراكية جورج باباندريو, في هذا الحوار الحصري الذي أجرته الزميلة نرجس الرغاي ونشر في ليبراسيون المغربية ، يدعو السيد باباندريو إلى شفافية حقيقية ورد فعل موحد من جانب الاتحاد الاوربي لمواجهة الأزمة المالية العالمية. ويوضح أن اليونان لم تكن إلا »تجسيدا مرضيا عرى مشاكل الاقتصاد العالمي«. ويؤكد السيد باباندريو الذي سبق أن شغل منصب رئيس الوزراء في اليونان أنه تم إعطاء اهتمام كبير للقضايا الاقتصادية وللميزانيات... ولا نرى الأسباب العميقة للأزمة التي من شأنها أن تجعل ديمقراطيتنا أكثر قوة وليس أكثر ضعفا. في هذا الحوار يقدم السيد باباندريو كذلك وجهة نظره حول العديد من القضايا والملفات مثل الربيع العربي والصراع في سوريا ومسألة بناء الدولة الفلسطينية أو الحل السياسي المتفاوض حوله لملف الصحراء في إطار الأممالمتحدة. في سياق زيارتكم, ستحاضرون حول موضوع الأزمة المالية الدولية وحالة اليونان بشكل خاص, البلد الذي سبق أن ترأستم حكومته، هل الجواب على الأزمات المالية الأوربية يوجد فقط داخل الاتحاد الاوربي؟ ألا يطرح ذلك مسألة السيادة؟ من خلال هذه الأزمة رأينا بشكل أوسع مشاكل الأزمة الاقتصادية العالمية, وأحيل هنا على نقص الشفافية والاحتكار المالي والبترول والحاجة إلى تنظيم النظام الاقتصادي العالمي. في الواقع اليابان لم تكن سوى مؤشر مرضي عرى المشاكل التي يعانيها الاقتصاد العالمي. صحيح ان اليونان كانت تعاني من مشاكل خاصة. لكنها مشاكل استفحلت بسبب الازمة. وحل الازمة كان يجب أن يمر عبر رد فعل موحد للاتحاد الاوربي من أجل تهدئة الاسواق وأيضا إعطاء اليونان الوقت للقيام بالإصلاحات الضرورية لمواجهة الأزمة. وكما يعلم الجميع لم يتم ذلك في الواقع تم ذلك بشكل جزئي ومتأخر. فلو ان السياسات التي يقودها حاليا البنك المركزي الاوربي أو من خلال الاتحاد البنكي مثلا في ما يتعلق بإسبانيا وايطاليا، طبقت باكرا. ماكان للازمة، من وجهة نظري أن تأخذ هذه الابعاد، لأن هناك طريقة تسمح بالعمل الموحد الجماعي. وإذا خسرنا قليلا من السيادة، فمن أجل أن نكسب عبر هذا العمل المشترك. وهذا يمكن ان يكون قوة أوربا وأيضا كسب التحدي الذي يواجهها. كيف كان إحساسكم امام إغلاق التلفزيون العمومي اليوناني لأسباب مالية؟ هل مثل هذه القرارات التي تدخل في اطار تقليص الميزانية، لا تشكل تهديدا للديمقراطية؟ في الغالب نركز الاهتمام كثيرا على القضايا الاقتصادية وعلى الميزانيات. والنتيجة أننا لا نرى الاسباب العميقة للأزمة والتي تربط فعلا بإصلاحات من شأنها أن تجعل ديمقراطيتنا أكثر قوة وليس أكثر ضعفا. فلو كنا نتوفر على شفافية أكبر، ولو مارسنا حكامة جيدة ولو بذلنا جهودا أكثر من أجل دفع المواطن الى المشاركة في هذا المجهود لما كنا نعيش كل هذه المشاكل. واليوم نحن نعيش بالضبط عكس ذلك من خلال تهميش المواطن في المساهمة في هذا المجهود الجماعي. واذا كان هناك شق لا يجب ان نقوم فيه بالتقشف فهو بالفعل جانب الديمقراطية. ماهو الجواب الذي يمكن لليسار، والاشتراكية الديمقراطية أن يقدماه لمواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية؟ هناك بطبيعة الحال جواب، ولكن من أجل تطبيقه علينا أن يتمكن من العمل مجتمعين، لأن الاقتصاد ورأس المال يوجدان في مستوى العولمة. وسياساتنا مازالت في مستوى وطني. وهذا لا يطرح مشكلا بالنسبة للمحافظين على العكس تماما، خاصة وأنهم يريدون مزيدا من الوطنية وفي نفس الوقت عالم الاعمال والمال مرتاح جدا لذلك! وكلما كانت بيننا خلافات، كلما ازدادت قوة عالم المال والاعمال. وإذا كنا نريد عدالة أكبر في العالم، علينا إيجاد آليات تنظيم وضبط علي المستوى العالمي، وشفافية أكبر على المستوى المالي وفي قطاع الابناك. وهو ما يعني أيضا القضاء على الجنان الضريبية والشركات المتمركزة في المناطق الحرة. فبسبب هذه الاساليب أصبحت الثروات محتكرة من طرف قلة يمتلكون رأس المال بدل أن يستفيد منها المواطنون والمجتمعات. فلا يجب أن نصل باسم التنافسية الى نموذج تكون فيه الأجور متدنية أكثر فأكثر. والعدالة الاجتماعية معطلة الخ. فليس هذا هو النموذج الذي نريد تعميمه في مجتمعاتنا. ولهذا السبب يجب ان يكون هناك تعاون من جانب الدول الاكثر تقدما ومن جانب الاسواق الصاعدة وايضا من جانب الدول النامية. اليوم ومنذ رئاستكم للأممية الاشتراكية ماهو تصوركم للنزاعات المشتعلة في العالم العربي؟ وماهو تقييمكم للربيع العربي؟ بالتأكيد هناك رغبة عميقة في التغيير من جانب الشعب العربي والشباب على وجه الخصوص والرسالة الاساسية لهؤلاء الشباب تكمن بشكل خاص في كونهم لا يريدون أنظمة استبدادية ولا يريدون فسادا. إنهم يريدون مشاركة أكبر في الديمقراطية وفي اتخاذ القرار. ولكن من أجل الحصول على هذه الاصلاحات، التظاهر من اجل الديمقراطية خطوة أولى، في الواقع، يتعين تغيير المجتمع بشكل عام. وهو ما يسمح في السياق بإسقاط الوهم الذي يفيد بأنه لا يمكن للعالم العربي ان يتبنى الديمقراطية كنظام اساسي. في اليونان، عشنا هذه التجربة بعد سقوط ديكتاتورية العسكريين وذلك من خلال كل هذه التحولات الضرورية على مستوى ديمقراطية الدولة، وحقوق النساء.. ووثيرة هذه التحولات بطيء دائما، والإصلاحات تكون في الغالب نتيجة صراع. ومن المهم أن تتمكن القوى الإجتماعية التقدمية والديمقراطية حاليا من إنجاح هذه التحولات بطريقة سلمية، وبدون عنف، وما يجري حاليا في سوريا وما جرى في ليبيا يظهر مأساوية العنف. كيف يمكن الوصول الى السلم في سوريا؟ هل يمر بالضرورة عبر رحيل بشار الأسد؟ ما يجب ابتكاره هو حوار بين مختلف القوى السياسية حتى يمكن الوصول الى انتقال ديمقراطي، وفي الغالب الانتقال الديمقراطي يعني تغيير الزعامة، لكن ذلك لا يعني دائما أن من يخلف الزعيم يصل إلى السلطة وهو يحمل معه مبادئ الديمقراطية. كيف يمكن الوصول الى بناء الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة؟ هل الطريق مازال طويلا؟ هناك طريق طويل وراءنا. نعرف كيف يمكن تحقيق هذا الحل. داخل حركتنا الأممية الاشتراكية تمكن الفلسطينيون والإسرائيليون التقدميون من الاتفاق على الحل، نجحنا في اقناعهم بالجلوس حول طاولة واحدة وأمكن فتح نقاشات حول نقط حساسة جدا، بل تمكنا من الحصول على اتفاقات حول قضايا مصيرية مثل القدس أو قضية اللاجئين. واليوم، الرغبة السياسية من الجانبين ضرورية أكثر من أي وقت مضى بالنظر للأحداث الجارية في المنطقة. رغبة سياسية ستتجسد في حل يمكن أن يجعل من اسرائيل وفلسطين مثالا للاستقرار، حيوي بالنسبة للمنطقة. نزاع آخر لم يتم حله، ويتعلق بالنزاع في الصحراء. هل أنتم مع من يدافع عن حل سياسي داخل الأممالمتحدة؟ داخل الأممية الاشتراكية ندعو بالفعل الى حل سياسي يرتكز على الحوار وفي إطار الأممالمتحدة. تزورون المغرب بدعوة من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ,كيف تقيمون تواجد الاشتراكيين المغاربة داخل الأممية الاشتراكية التي ترأسونها؟ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب نشيط دائما، إنه عضو محترم له تاريخ طويل في المغرب ويشكل مثالا في كل المنطقة، في شمال افريقيا وبالنسبة لدول حوض المتوسط، إنه حزب نشيط جدا داخل الأممية الاشتراكية. ورئيسة الأممية الاشتراكية للنساء السيدة وفاء حجي تنتمي لهذا الحزب. وفي إطار التعاون المتوسطي الذي نقوده من خلال مختلف اللجان مثل لجنة الهجرة أو الاقتصاد أو البيئة، هناك حضور قوي للاتحاد الاشتراكي. وانتهز هذه المناسبة, لأهنيء مجددا الزعيم الجديد للاتحاد السيد ادريس لشكر على انتخابه, وأيضا على هذه المبادرة الجيدة الرامية إلى توحيد قوى اليسار. ومن خلال حزب كالاتحاد الاشتراكي، يمكن للمغرب أن يلعب دورا مهما في المرحلة الانتقالية في مجموع العالم العربي. ترجمة: م. خيرات