اختتمت مساء السبت فعاليات مهرجان فاس للموسيقى العريقة في دورته التاسعة عشرة .. على إيقاع فاس الأندلسية، حيث حفلت الدورة بالعديد من الأمسيات التي كشفت، أيضا عن الغنى الموسيقي المغربي وانفتاحه على ثقافات العالم شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا. في هذا السياق فرقم 19 يدفعنا للحديث عن فكرة تنظيم المهرجان بفاس التي عاشت سنة 1990حراكا شعبيا تولدت عنه ثورة على جميع المستويات انبثقت عنها تقسيم العاصمة العلمية الى ثلاثة عمالات، فاسالمدينة، ازواغة مولاي يعقوب، فاس الجديد دار ادبيبغ، مما خلق فريقا قويا للعمل للخروج بولاية فاس إلى التنمية والتطور وخلق مشاريع كبيرة لرد الاعتبار للمدينة، كما أن هذا التطور الإداري، صاحبه تطور ثقافي من خلال العديد من الجمعيات الثقافية والعلمية والتنشيطية والموسيقية، حيث انطلق النقاش حول البحث عن وسيلة أو تظاهرة فنية من خلالها يمكن مسح أثار الحراك الاجتماعي التي عاشته العاصمة العلمية فاس، وفي جلسة جمعت والي فاس محمد اضريف و الفنان المقتدر الطيب الصديقي و مصطفى بنبراهيم.. طرحت الفكرة على الفنان المحترم الطيب الصديقي الذي فكر في مهرجان للموسيقى الروحية العالمية تكون انطلاقته من فاس ليصبح عالميا. وبالفعل تمت بلورة الفكرة ليضع الفنان الصديقي برنامجا للمهرجان.. من هنا كان ميلاد هذا المهرجان الروحي الذي يعمل من أجل التسامح وتوحيد الديانات ليكون البينة التي تولد عنها العديد من المهرجانات في مختلف دول العالم. في هذا الصدد يقول أول مدير المهرجان العالمي للموسيقى الروحية لفاس الدكتور فوزي الصقلي «الرسالة كانت روحية ربانية لقد وضعت استراتيجية وبرنامجا لمجموعة أنشطة ثقافية من شأنها تحقيق تنمية شاملة ترتوي من رحيق التاريخ، قادرة على إنتاج مشروع حضاري يستلهم من الماضي وينتج المستقبل» ، بينما يقول محمد القباج، رئيس جمعية فاس سايس، «عندما انطلقنا في التنظيم الفعلي لمهرجان فاس للموسيقى العريقة كان الهدف هو جعل العاصمة العلمية للمملكة برصيدها الثقافي والروحي والعلمي تسوق على المستوى الوطني والإسلامي والدولي كمركز للسلام والحوار والإبداع. كنا نتوخى من خلال المهرجان تكريم الثقافات الشرق بالغرب في سياق البحث عن الحكمة» لهذا لا يمكن الحديث عن مهرجان فاس للموسيقى العريقة العالمية دون الحديث عن فضاءاته وجمهوره المتنوع، إن على مستوى الفنانين والمفكرين والحكواتيين والراقصين.. ورجال الأعمال، الأساتذة، الطلبة، العاملين والمتقاعدين .. الذين حضروا للعاصمة العلمية من بعيد، من باقي أنحاء العالم ليستمتعوا ببرامج المهرجان، البعض منهم يبحث عن لحظة روحانية خاصة في«الليالي الصوفية»، فيما يكتشف الآخرون ثقافات العالم من خلال« ليل المدينة العتيقة» أو العروض الموسيقية المبرمجة على الهامش في ساحة بوجلود. وبالنسبة للذين يودون المشاركة في الندوات الفكرية التي تعقد حول ما يجري في عالمنا الحالي، فإن منتدى «إضفاء الروح على العولمة» فرصة لا ينبغي تفويتها. الحديث عن المهرجان يدفع إلى الوقوف عند باب بوجلود، تقع هذه الساحة الشعبية عند مدخل المدينة العتيقة، وهي تستقبل حتى يومنا هذا العديد من التجار المتجولين تبلغ مساحتها حوالي 28.000 مربع وتعتبر من أبرز المعالم التاريخية التي تضمنها المدينة القديمة بفاس . في هذه الساحة التي تتسع لحوالي 20.000 متفرج تقام الحفلات الموسيقية المبرمجة على هامش المهرجان في كل مساء. وأيضا عن باب الماكينة، فهي باب تاريخية شيدت سنة 1886في عهد مولاي الحسن لتصبح فيما بعد المدخل الرئيسي للقصر الملكيو وهي تفضي إلى ساحتين تحملان اسم «المشور»، حيث تقام الاحتفالات الرسمية وتحتضن باب الماكينة الحفلات الموسيقية التي تقدم كل مساء. وكذا متحف البطحاء، القصر القديم الذي شيده مولاي الحسن (1873 - 1894)، وتم توسيعه من طرف مولاي عبد العزيز.. في هذا المكان الباذخ كانت تقام الاجتماعات الملكية خلال إقامة السلطان فيه بالصيف و في سنة 1915تحول إلى متحف للفنون والآثار التقليدية لمدينة فاس وتم تصنيفه معلمة تاريخية سنة 1925، وفي أحد صحون هذا القصر وتحت شجرة البلوط العريقة تعقد لقاءات فاس الصباحية وتقدم الحفلات الموسيقية لما بعد الزوال. ثم دار أعديل التي شيدت في القرن الثامن عشر وكانت في أول الأمر مقاما لوالي فاس في عهد مولاي حفيظ، ثم صارت في ملك الدولة وضم بدءا من القرن 19خزينة الدولة وبعد ترميمها أصبح معهدا للموسيقى التقليدية الموروثة عن أندلس القرون الوسطى، و بهذا الفضاء الغني بتاريخه الفني تقام بعض «ليالي المدينة العتيقة»، وأيضا دار المقري القصر الذي يقع على مرتفع في حي واد الصوافين. وقد بني هذا القصر في مطلع القرن العشرين على يد إدريس المقري محتسب مدينة فاس و أخ الصدر الأعظم الحاج محمد، وفيه يقع معهد حرف البناء التقليدية المخصص لتكوين العاملين في مجال إعادة تأهيل التراث المعماري. في هذا القصر ستقام الحفلات الموسيقية المبرمجة في إطار «ليالي المدينة العتيقة». وأخيرا دار التازي التي بنيت (1900) واتخذت مقرا للإقامة، ثم بعد الاستقلال كانت إقامة للحاكمين ثم بعد ذلك إقامة للباشا حتى آخر سنة 1986، و هو التاريخ الذي اتخذته فيه جمعية فاس سايس مقرا لها، هناك تقام «السهرات الصوفية» و الحفلات الموسيقية الليلية، بعد انتهاء الحفلات الموسيقية المسائية التي تقدم في باب الماكينة والجمهور في البهو جالس على الزرابي الفسيحة.