لماذا ظلت المحاماة لصيقة بهموم الوطن في مغربنا، ولماذا اختار روادها أن يكونوا في خضم وبجانب الأسئلة الحارقة لعملية التغيير السياسي. لِمَ لم تحصر في الجانب التقني والقانوني البحث، و اختار لامعوها التوسع عبرها في مجالات حقوقية سياسية ومدنية ؟ لعل هذه الورقة محاولة للوقوف على بعض من أهم ما مارت به و ما أنتج داخلها من مبادئ ومواقف غذت مسارات النضال الرصين من خلال استبطان تاريخ بعض الشخصيات التي مارستها، وإن بمستويات متقاطعة أو متضاربة .. هي محاولة ليس إلا .. تحضر هذه المقولة بقوة عند الحديث عن المحاماة وتاريخ المحاماة .. هاته المهنة النبيلة التي لعبت أدوارا مركزية في مسارات النضال المدافع عن أسئلة الدمقرطة والتحديث .. لن يكون الكلام عن المحاماة فضفاضا واسعا و قابلا للتدويل .. فالأمر سيكون أشبه بفتح نافذة على التجارب الغربية والعربية الغنية والثرية بتراكمات سجلها التاريخ لرجال وشخوص نذروا أنفسهم للدفاع عن القيم الكبرى .. ولن يسعف الحيز و لا الزمن الإعلامي في طرق تلكم التجارب التاريخية بامتياز . التجربة المغربية هي المعنية بالأساس، وتراكمات هذه المهنة داخل الحياة السياسية الوطنية .. على الأقل بعد الاستقلال وما تلته من معارك بناء الدولة الحديثة والصراع المشحون بكل أنواع التوترات .. هنا كانت المحاماة وكان المحامون في صلب وأتون المواجهة، وكانوا في طليعة النخب التي آمنت بالديمقراطية وبالتغيير السياسي وبالدفاع عن منظومة وثقافة حقوق الإنسان .. بل أكثر من ذلك بلغ التسييس مداه وبرز رجال القانون و محامون أصفياء وشجعان وأقوياء شكيمة لا ديدن لهم إلا مواجهة الاستبداد الخارج من ثنايا الاستقلال والحضور في المحاكمات السياسية التي كان فيها القانون يُداس .. و لا صوت يعلو فوق «حذاء النظام» ...!! هذه هي الصورة التي علقت بأذهان الوطنيين والمناضلين.. ولم يسجل قط أي تخاذل أو مساومة أو بيع ماتش .. فالزمن، كان زمن سياسة ومبادئ ومواجهات. وجوه وطنية وتقدمية ارتبطت بهذه المهنة وأثثت مساربها بالموقف والفكرة العميقة .. الأسماء كثيرة أغلبها تربى وسط الحركة الوطنية ومنها إلى اليسار، هذا اليسار الذي كان مشتلا حقيقيا لتخريج الأطر السياسية والحقوقية والحزبية. لنتذكر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.. لنتذكر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .. وليتذكر المغرضون الذين ينتجون التفاهة هذه الأيام .. أن هذا التيار التاريخي التأم حوله وصبت فيه النخب الوطنية كل مجهوداتها الفكرية والنفسية .. وبطبيعة الحال كان المحامون هناك، وكانت لهم تلك الوظيفة المركزية والرمزية الحقيقية .. ليتذكر معتوهو السياسة في مغرب اليوم هذا الكلام.. حاولنا في هذه الورقة الاقتراب والإطلال على جزء نير من تاريخ المحاماة في المغرب الحديث، الأدوار التي لعبها الرواد في هذه المهنة، وكذا الأعطاب التي صنعها البعض، بشكل أقرب إلى جنس البورتريه ، وبنوع من الاسترجاع الأقرب إلى التوثيقية .. ليس الهدف هو الاحتفاء والانتصار للأوفياء وسط هذه المهنة، وليس المبتغى إطلاق رصاص النقد على من ركبوا عليها من أجل أهداف سياسية وإيديولوجية.. ولكن لاستعادة تاريخ مشرق ومحترم للمحاماة التي كانت لها وظيفة مميزة في صنع الفارق السياسي بين المحافظين والتقدميين، وظيفة الدفاع عن الديمقراطية وتكريس ثقافة حقوق الإنسان وتثبيت مداخل المواطنة الحقة. عبد الرحمن اليوسفي .. المحامي النبيل الذي التصق بسؤال الوطن رجل التصق بشكل مبكر بسؤال الوطن و حرقته، الكلام عنه صعب في الحقيقة، ناضل على كل الواجهات، قاوم وفاوض من أجل استقلال البلاد، كان من مهندسي الكفاح المسلح ومواجهة المستعمر بالسياسة والمسدس، لم تلن عريكته ولا استسلم أو ارتاح حتى خرجت فرنسا وعاد الملك إلى عرشه. رجل من طينة نادرة .. اسمه عبد الرحمن اليوسفي ، بجوار الصحافة والنضال الحزبي المباشر، كانت هناك بذلة المحاماة وحضرت المهنة، في الدفاع عن المعتقلين السياسيين، الترافع في المحاكمات السياسية الكبرى التي عرفها مغرب السيتينات والسبعينات المسمى في الأدبيات النضالية بسنوات الرصاص. كان الرجل محاميا للقضايا الوطنية والدولية، وكانت مرجعية حقوق الإنسان حاضرة في ثقافته القانونية ، إنه واحد ممن أعطوا لهذه المهنة ألقها ، عمقها ونبلها . كان محاميا بخلفية كونية تستحضر صراع الأقطاب الدولية وموقع المغرب السياسي وسط كل هذا.. التفكير الاستراتيجي منهج أصيل في سلوك الرجل .. ورغم «تخلصه» من البذلة.. ظل محاميا من موقع السياسي في القضايا الكبرى التي اخترقت جسد المغرب الأقصى، ونعني بها قضايا الدمقرطة ودولة الحق والقانون وتكريس الثقافة الحقوقية.. قولوا لنا في هذا الصدد يا أدعياء المرحلة .. ويا سياسيي الفذلكة والبهرجة والتهريج ، من أسس وأخرج وصنع السؤال الحقوقي والمنظمات الحقوقية .. ؟؟ من أقلق و أزعج وأرغم السلطة السياسية على تبني الخيار الديمقراطي التحديثي .. .. العبرة ليست بذكر الأسماء، ولكن بالتملي العميق في هذا التاريخ الوطني المجيد الذي رسمه رجال مثل سي عبد الرحمن وغيره كثير ... النقيب امحمد الشقوري: المحامون كان لهم دور مركزي في الدفاع عن المقولات الديمقراطية والحقوقية في هذه الدردشة القصيرة مع النقيب امحمد الشقوري، أحد الاعضاء المؤسسين للمنظمة المغربية لحقوق الانسان وواحد من المسؤولين الاتحاديين في حزب القوات الشعبية زمن التوترات بمدينة اسفي، وصاحب المقهى الأدبي ..نستحضر معه بعضا من تفاصيل النضال الحقوقي والسياسي والوطني الذي تماهى وتماهت معه مهنة المحاماة .. { بتركيز واقتضاب السيد النقيب ..مطلوب شيء من التأصيل التاريخي للدور الذي لعبته مهنة المحاماة بالمغرب ؟ يمكن تقسيم هذا الدور من خلال مراحل ثلاث: المرحلة الاستعمارية : وفيها كان للمحامين المغاربة دور أساسي في الحركة الوطنية وإذكاء الروح الوطنية من أجل المطالبة باستقلال المغرب، ولعب المحامون المغاربة والمحامون الأحرار الفرنسيون دورا في الدفاع عن الوطنيين المغاربة المطالبين باستقلال المغرب من الاستعمار الفرنسي ، نذكر من بين هؤلاء المحامين الأساتذة : ذ/ عبد الرحيم بوعبيد - ذ/ عبد الرحمان اليوسفي - ذ/ محمد بوستة و شارل لوكران. ولقد كان هؤلاء المحامين أثناء الدفاع عن المواطنين المغاربة يفضحون الاستعمار الفرنسي وما يقوم به من تنكيل وتعذيب للمغاربة ،ولخرق المستعمر لميثاق الأممالمتحدة. مرحلة الاستقلال : في هذه المرحلة كانت للمحامين المغاربة وظيفة بارزة في بناء أركان الدولة المغربية من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وما مشاركة هؤلاء المحامين في أغلب الحكومات بعد الاستقلال إلا دليل على حركية هذا القطاع، ولعبه دورا أساسيا في السياسة العامة للبلاد ..لقد كان قطاع المحامين الديمقراطيين يتبنى أغلب مطالب الطبقات الشعبية ويدافع عنها من خلال انتماء هؤلاء لأحزاب سياسية وطنية وديمقراطية . مرحلة النضال الديمقراطي : في هذه المرحلة برز قطاع المحامين كطليعة منحازة إلى الطبقات الشعبية التي عانت من التهميش و الاستغلال، ومن هضم لحقوقها السياسية والاقتصادية والثقافية، سواء من خلال انخراطه في أحزاب سياسية أو من خلال جمعيته أو مؤتمراته التي كانت ومازالت تصدر توصيات تدافع عن مختلف القضايا العادلة للشعب المغربي . أسسوا وساهموا في تكوين منظمات المجتمع المدني، الثقافية والحقوقية، ويكفي أن نذكر هنا أنهم ساهموا في تأسيس منظمات حقوقية مثل : المنظمة المغربية لحقوق الإنسان . الجمعية المغربية لحقوق الإنسان . العصبة المغربية لحقوق الإنسان . والجميع يدرك ويعرف مافعلته هاته المنظمات في الدفاع عن حقوق الإنسان من حرية الرأي والتعبير والانتماء.. إلى غير ذلك. المحاماة كان لها كذلك دور مهم في الدفاع عن المعتقلين السياسيين في كل المحاكمات السياسية التي عرفها المغرب ، و التي كان فيها المحامون يفضحون الخروقات التي كانت تنتهك فيها الحقوق القانونية والدستورية وكذلك التنديد بالأوضاع السياسية والاجتماعية التي أدت إلى تلك المحاكمات . لقد كان قطاع المحاماة ولا يزال يعتبر طليعة المجتمع التي تشارك في الحياة السياسية وتقدم تحليلات علمية للوضع السياسي في المغرب وتطالب بتبني منهج ديمقراطي،إن سياسيا .. اجتماعيا أو ثقافيا . { بلا شك كان هناك تأثير حاضر وسط التطورات الاجتماعية على مهنة المحاماة.. ؟ منذ الاستقلال وإلى الآن والمحامون المغاربة يناضلون على عدة جبهات .. على الصعيد القانوني: يطالبون بجعل النصوص القانونية تساير ما هو متعارف عليه دوليا، خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واللوائح والإعلانات الموازية التي تنص على وجوب محاكمة عادلة أمام قاض مستقل ونزيه ونصوص قانونية تكرس هذه المبادئ . لذلك فإن جل التوصيات التي تصدر عن ندوات ولقاءات ومؤتمرات المحامين ، نجدها تقدم اقتراحات ومطالب لتعديل كل نص قانوني من شأنه أن يمس بمبادئ العدالة والإنصاف سواء في قانون الشكل أو قانون الموضوع . وأن قطاع المحامين اليوم الذي يمثل كل شرائح المجتمع يتأثر بتطورات هذا المجتمع . لذلك أصبحت مهنة المحاماة متأثرة بالتغيرات التقنية والعلمية التي وصل إليها المجتمع اليوم وما على المحامي إلا أن يساير هذا التغيير و أن يندمج فيه، ويستوعب هذه التغيرات متسلحا بالعلم والثقافة و الوسائل العصرية التي راكمها هذا المجتمع . وإننا كلنا أمل في أن يخرج هذا المؤتمر بتوصيات في مستوى تطلعات المحامين المغاربة، وما ينشده الشعب المغربي من ديمقراطية وحداثة ترسخ كل المقولات الديمقراطية . محمد اليازغي المحامي .. مفكك «الألغام» السياسية .. !! * م.دهنون جرأة و صرامة.. مواقف ثابتة و ثمن باهض لتلك المواقف .. وطني حتى النخاع .. مناضل حد الموت، لا يتراجع و يعرف ماذا يريد . فتح عينيه في فاس العاصمة الروحية للمملكة على التوترات التي كانت تسم مغرب الاستعمار، هناك كان قريبا بجانب والده من الأحداث و تطورات القضية الوطنية التي كان عنوانها الكبير آنئذ هو الاستقلال و لاشيء غيره .. سي محمد كما يحب أن يناديه مناضلو الاتحاد .. لم يأت من عدم، بل كان فاعلا مركزيا و مؤثرا في مجريات الحياة السياسية طيلة خمسين سنة و ما ينيف، عرف النضال و عرفته دروب النضال. قليل من يعرف أنه حافظ لكتاب الله مذ كان عمره تسع سنوات، و له رؤية واضحة بشأن العلاقة بين الاشتراكية و الإسلام الذي هو دين المساواة في العمق كما كان يقول دائما في تصريحاته و عروضه السياسية. التحق بحزب الاستقلال سنة 1950 و هو ما يزال فتى بالكاد تطاوعه خطواته في تنكب مستقبله . ذهب الاستعمار و جاء الاستقلال، ليرحل سي محمد اليازغي إلى فرنسا قصد تعميق تكوينه الأكاديمي وسط سخونة الوضع السياسي الذي ميز مغرب الستينيات ، و هناك في عاصمة الأنوار باريس اشتغل في كلية الحقوق بجانب «فوديل» عميد الكلية و في الوقت ذاته تسجل كمحام بمحكمة الاستئناف بالعاصمة.. و من هناك إلى مكتب الأستاذ «بروكيي» واحد من المحامين المدافعين في قضية المهدي بنبركة .. ليعود بعدها إلى المغرب و يجاور الزعيم الاتحادي و المحامي أيضا المرحوم عبد الرحيم بوعبيد في مكتبه بالرباط. هكذا بدأت مسيرة اليازغي في المحاماة و لم تنته لحدود اليوم، فالرجل لا يتوقف عن الاشتغال وفق أجندة مضبوطة مؤثثة بالسؤال التقدمي و الكل لديه نضال في نضال.. مساره كمحام تقاطع مع نشاطه السياسي و الإعلامي داخل حزب الاتحاد الاشتراكي و كل ذلك شكل إطارا لشخصية سياسية متكاملة التكوين ذات حصافة و حكمة، رأيه السياسي كما الحقوقي لابد أن تأخذه بعين الاعتبار، فالرجل لا يلقي الكلام على عواهنه، يختار اللحظة المناسبة، يعرف خصومه جيدا.. ثم يدلي بدلوه في كل راهن وطني. المحامي اليازغي مر فوق و من بين كل أسلاك التوتر السياسي، كاتب افتتاحيات متميز، «ملك» التنظيم الحزبي كما تحب أن تطلق عليه الصحافة الوطنية .. و أقول الوطنية و ليس شيئا آخر .. لم ينفع معه في عز القمع، سوى إرسال طرد ملغوم يوم تنفيذ حكم الإعدام في الضابطين أمقران و كويرة .. لقد كانت تلك رسالة النظام و الجواب القاسي المضمخ بالموت و القتل .. في هذا الصدد .. قال اليازغي على أن ذلك الطرد الملغوم كان مرحلة فاصلة في حياته و شعر أن عمره انتهى في سنة 1973 و ما عدا ذلك من أيام و تاريخ .. ما عاشه بعد إرسال الطرد هو منة من الله و حياة زائدة ليس إلا .. الرجل ظل لستة عشر ساعة في غرفة العمليات، و لم يتركوه حتى يكمل نقاهته ليقتاد بعدها و هو عائد من المستشفى حيث كان يغير الضمادات.. يقتاد إلى الاعتقال في سجن سري عرف من بعد أنه كان ثكنة الجيش بثمارة .. و التهمة هذه المرة كانت محاولة اغتيال ولي العهد و محاولة الهروب من السجن . هذا المحامي التقدمي و القائد السياسي ، لا يهين خصمه و يجعل القضايا الكبرى فوق كل الحسابات الصغيرة، عندما جاءه عبد الرحيم بوعبيد و طرح عليه ما أخبره به الملك الحسن الثاني حول مشروع الجنرال فرانكو الهادف لتأسيس دويلة صحراوية تابعة لإسبانيا .. كان رد اليازغي و هو في الإقامة الإجبارية و موقفه الشخصي.. أنه مادام الحسن الثاني رحمه الله اختار الوطنية سنسير معه في الوطنية، و لا يهم أن نبقى في السجن أو تبقى مقراتنا مغلقة، فهذه هي مبادؤنا و قيمنا .. هكذا تحدث القائد للقائد .. أو المحامي للمحامي . سي محمد .. سباح ماهر وسط أقصى الأمواج السياسية، لا يهمه إن كان وحده في موقف أو قضية.. التاريخ هو الفيصل و الوطن للجميع . ثقافته الديمقراطية و تشبعه بالقيم الوطنية الأصيلة جعلت منه سياسيا بارزا و محاميا لامعا .. كما أن العذاب الذي عاشه من أجل الدفاع عن الفكرة التقدمية جعل منه ذاك المحامي الصلب الذي لا يتوارى أمام أي ضغط . ادريس لشكر .. سليل القادة الاتحاديين م.د النضال في دمه.. كما الحزب. خرج من حي شعبي بالعاصمة، قادته الأقدار وهو ما يزال في سن اليفاعة إلى لقاء أساتذة متشبعين بالخلفية الوطنية والفكر التقدمي. تعرفه حواري ودروب الرباط ويعرفها هو الآخر. يدرك جيدا تفاصيل الحياة الشعبية للمغاربة.. بدأ مناضلا في الخلايا التلاميذية وبعدها في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.. أي الأيام الجميلة التاريخية لهذا الاتحاد. بصمته كانت واضحة في النضال الطلابي، جايل العديد من الأسماء التي لعبت دورا متميزا في النضال الديمقراطي والسياسي لمغرب السبعينات والثمانينات. ادريس لشكر، وهو يراكم داخل تنظيمات حزب الاتحاد الاشتراكي، اختار أن يكون محاميا بجانب الكبار الذين سبقوه على هذه الطريق، فالبذلة والمرافعة كما القانون .. أخذوه أخذا. الذين يعرفونه جيدا، يدركون صلابته وقدرته على مواجهة كل المتغيرات، ذاكرة تنظيمية تحتفظ بكل التفاصيل..! هكذا كان و ما يزال، لم تكن المحاماة عنده مجرد ترف ووسيلة للترقي الاجتماعي، بل كانت واجهة من واجهات النضال والصراع بغية التغيير السياسي، وهو لم يختلف في ذلك عن بقية المحامين أو المناضلين الذين انتموا لحزب القوات الشعبية . شرس في مساجلاته السياسية ومدافع متنمر عن قناعاته في كل ما يرتبط بأسئلة الوطن وتحولاته . يعرف متى و كيف يرد على خصومه ويتابع سيره نحو أهدافه الاستراتيجية . هو محام متمرس.. نفعه في ذلك تكوينه القانوني الدقيق ومصاحبته لكبار المحامين الاتحاديين الذين نحتوا أسماءهم في «بالماريس» المحاماة و تاريخ المحاماة المغربية. عندما حاولوا قتل سي محمد اليازغي، كان مع شبيبة الحزب بقرب الرجل في المستشفى، وعندما احتاج اليازغي إلى الدم، كان لشكر وبقية الشلة مستعدين للقيام بالواجب وإنقاذ حياة قائد اتحادي، بل لبس ولبسوا وزرة الممرضين ومكثوا بقرب سرير سي محمد في مداومة نضالية.. لا يفهمها بعض شباب اليوم بالتأكيد. ادريس القانوني والحقوقي، حضر كل المحطات السياسية والحزبية التي رافقت نضالات الاتحاد الاشتراكي و صراعه من أجل بناء و تكريس دولة الحق والقانون التي حلم بها ساسة القرن الماضي, لشكر حتى وهو برلماني ضمن الفريق الاتحادي سابقا و الاشتراكي حاليا، لم يكن برلمانيا عاديا وبسيطا، كانت لعلعاته في قبة البرلمان يفهمها صناع القرار، مداخلاته ونقط نظامه تكون دائما في الصميم .. المنجز التشريعي في حكومة التناوب وما تلاها بعد الخروج عن المنهجية الديمقراطية ما يزال هناك.. لعلها النضالية التي ميزت مساره حتى قبل أن يصبح الكاتب الأول لحزب يساري تاريخي. أفكاره و آراؤه التي يعلنها جرت عليه الكثير من الهجومات وبالمدفعية الثقيلة التي توظف صحافة الأجندات، لكن الرجل كان يواجهها بابتسامة .. فيها ما فيها .. و لا يتراجع، يترك الفكرة لكي تنضج وتكبر وتجد لها أرجلا تحركها على أرض الواقع السياسي المعقد في حياة سياسية وطنية مليئة بالألغام . ويذكر الجميع أنه كان أول من هاجم مشروع الحزب الأغلبي و «أكرم» وفادته ناعتا إياه ب «الوافد الجديد» .. استقلال القضاء عقيدة مركزية في تمثلاته لدولة الحق و دولة القانون، لا يتخلى عن صداقاته بسهولة، و لا ينسى أصدقاءه، حتى و هو وسط لجة وعواصف المؤتمر الأخير، كان يجد وقتا للمساندة وتأسيس لجان الدعم وعقد الندوات الصحفية وكشف الثقوب القانونية وتشريح أعطاب الاعتقال الاحتياطي و الدخول إلى عكاشة والحضور إلى الجنازة .. عمق إنساني .. حتى و هو على رأس القيادة ، لم يسلم من حراب الخصوم و سهام «الإخوان» ، قد تختلف معه، لكن يدفعك إلى احترام تصوره .. ليس استئصاليا، دينامية و حيوية في تحريك الآسن و إصلاح المعطوب في مداخل و مخارج الماكينة التنظيمية ، لا يركن إلى الجمود ومقتنع بأن التحديث يجب أن يقع في الحزب، و هذا يقتضي التغيير، و التغيير له كلفة .. يحتاج إلى قرارات مؤلمة .. وذاك ما كان وسيكون. الأجندة عامرة عند ادريس لشكر والطريق واضحة لديه، وعوائق الانتباه عنده أمور ثانوية في التنفيذ و التفعيل لأية استراتيجية داخلية أو خارجية. هذا هو المحامي ادريس لشكر, الكاتب الأول الحالي و القائد المنتخب داخل الاتحاد الاشتراكي. مهام ثقيلة تنتظر ولايته، معركته التي هي معركة التقدميين و الحداثيين ما تزال في بداياتها .. الظرف تجاوز الاستبداد الدولتي الذي كان، إلى استبداد موشوم وموسوم بالرجعية والظلامية والمحافظة العتيقة .. إنه فعلا ظرف دقيق يجتازه المغرب الأقصى حاليا . وادريس كعادته سيكون في الوقت المناسب و المكان المناسب مع القيادة السياسية وبقية المناضلين الأصفياء ... معطيات عن هيئة المحامين تأسيس أول نقابة للمحامين بالرباط 10 يناير 1924 عرف المغرب نظام المحاماة بشكله الحالي سنة 1924 بعد صدور ظهير 10 يناير 1924 ،الذي نظم مزاولة مهنة المحاماة وهيئة المحامين وتأسست أول نقابة للمحامين بالرباط سنة 1926. وعلى نهج المبادئ التي انطلق منها أول مجلس لهيئة المحامين بالرباط سنة 1959 وعلى رأسه النقيب شارل برينو. وفي تناغم بين التغيرات المهنية والمجتمعية وضمان الاستمرارية، دأبت هيئة المحامين بالرباط على الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للمحامين المنتمين لها، دون إغفال لدورها المركزي في العمل من أجل تحقيق العدالة ضمن دولة الحق والقانون. ويكفي هيئة المحامين بالرباط شرفا أن تضم لائحة نقباء، فقهاء قانون من عيار الأساتذة النقباء : الأستاذ النقيب جاك فالي 1961-1963 الأستاذ النقيب ألبير العطار 1965-1963 الأستاذ النقيب محمد بوستة(1967-1965/1967-1969) الأستاذ النقيب محمد البوحميدي(1971-1969) الأستاذ النقيب ادريس عبده المراكشي(1973-1971) الأستاذ النقيب عبد الرحمان بن عمرو(1973-1975) الأستاذ النقيب عباس الفاسي الفهري(1977-1975) الأستاذ النقيب أحمد الشاوي(1979-1977) الأستاذ النقيب محمد الصديقي(1982-1980) الأستاذ النقيب عبد الجليل بنسليمان(1985-1983) الأستاذ النقيب محمد بن عبد الهادي القباب(1986-1988) الأستاذ النقيب رشيد لحلو(1991-1989) الأستاذ النقيب عمر فرج(1993-1992) الأستاذ النقيب محمد علي السملالي(1994-1996) الأستاذ النقيب عبد الحميد القاسمي(1999-1997) الأستاذ النقيب الطيب بن لمقدم(1999-1999) الأستاذ النقيب عبد الرحيم بن بركة(2002-2000) الأستاذ النقيب محمد أقديم(2003-2005) الأستاذ النقيب محمد زيان(2008-2006) الأستاذ النقيب محمد أقديم(2009-2011) كما ساهمت في تأسيس وتطوير جمعية هيئات المحامين بالمغرب، ماديا ومعنويا. وأصدرت مجلة «رسالة المحاماة» منذ سنة 1986 للمساهمة في نشر الفكر القانوني، وفي هذا المنحى، لن يفوتنا التذكير بالمساهمة البناءة والقديرة لزملائنا الأحياء منهم والأموات الذين عملوا جميعهم في ترسيخ التقاليد والأعراف وضمان الحماية للأسس التي ارتكزت عليها مهنة المحاماة. وتعمل الهيئة على توفير شروط ممارسة مهنية خلاقة وملتزمة بأخلاقيات المهنة المتعارف عليها دوليا ووطنيا، وذلك عبر الالتزام بتكوين الملتحقين بها على أسس نظرية وعملية تحقق التلازم الضروري بين الكفاءة القانونية والمهنية والأخلاقيات المهنية. وعبر توفير شروط تكوين المنتسبين على التكنولوجيات الحديثة، حتى يسايروا وقع التطور العالمي في عالمنا المفتوح يوما بعد يوم وأكثر فأكثر، وتوفير مكتبة تشكل موقعا للبحث والتنقيب لكل المهتمين بالشأن القانوني والمهني. كما يشكل الاجتماعي والثقافي ورشا مستمرا، لتحقيق الظروف المثلى لاستفادة المنتسبين وعائلاتهم من الأنشطة الاجتماعية والرياضية والثقافية. وتعمل الهيئة على نسج شراكات مع الجمعيات والهيئات العاملة في كل المجالات المرتبطة بالحق والقانون يتشكل مجلس الهيئة من 20 عضوا. عدد المحامين بالهيئة 1240 محاميا رسميا و 267 محاميا متمرنا. يشتغل بمدينة الرباط 821 محاميا رسميا. يشتغل بمدينة تمارة والصخيرات 96 محاميا رسميا. يشتغل بمدينة سلا 214 محاميا رسميا. يشتغل بمدينة الخميسات 91 محاميا رسميا. يشتغل بمدينة تيفلت 11 محاميا رسميا. يشتغل بمدينة الرماني 7 محامين رسميين. أحمد بنجلون, المحامي والابن الشرعي للسؤال التقدمي في المغرب .. «عبد المومن» الذي قرر صعود الجبل ذات قمع م .د في زمن ليس ككل الأزمنة, نزل رأسه في منطقة بالشرق المغربي, احتفظت دائما بألقها النضالي ..المنطقة اسمها «عين بني مطهر «، انتمى إليها رجل مغربي بسيط كان يعيش أيام الله العادية ..هذا الرجل ليس سوى والد عمر وأحمد بنجلون, اللذان سيكون لهما شأو وشأن تقدمي كبير في سنوات الرصاص المغربية .... أحمد بن محمد وهو الذي يعنينا هنا ..آخر العنقود في أسرة بنجلون ، لم يكن يعرف ماتخبئه له تصاريف الزمن ولامكر الوقت .نشأ وعينه على عمر الأخ الألمعي النابض حيوية ووطنية ،ولما اشتد العود وأوغر في الصلابة ووسط تلك الظروف التي عاشها المغرب السياسي في الستينيات من القرن الفائت ، اختار أحمد الرحيل حيث «تغيير الأجواء «والابتعاد كثيرا عن حكم لم يؤمن بعد بالديمقراطية وثقافة الأغلبية ..مطلقا اليد لجلاديه كي يعيثوا قتلا وتنكيلا في المعارضين . في أجواء ما تزال «حالمة «بالثورة والتغيير عن طريق البندقية والصعود الى الجبل, أو كما يسميها سي محمد اليازغي البلانكية ، خرج أحمد بنجلون وفي ذهنه فكرة الدراسة ،سافر الى الجزائر وتسجل في كلية الطب ..لكن المبضع والمشرط لم ينسجما مع يديه ،قرر التحول في العاصمة الجزائرية الى كلية الحقوق, حيث سيظهر فيه الانجذاب المبكر نحو القانون ..أليس هو من يعشق دولة الحق والقانون ودافع ويدافع عنها إلى حدود اليوم ؟؟ رياح السياسة لا تكاد تهدأ ، والمحامي فيه كما التخصص القانوني تأجلا ليفسحا المجال للسؤال الثوري وقصصه التي ستنتهي به عند الجلاد فيما بعد ، هكذا سافر بعد أن مر بباريس لردح قليل من الزمن ، سافر على سوريا ومنها الى معسكر الزبداني لأخذ تمرين وتكوين عميق في كيفية حمل السلاح ومواجهة الأنظمة الاستبدادية ..ترى هل كانت هذه الوصفة الثورية صالحة للمغاربة ؟؟؟؟ ما علينا.. أحمد المناضل والحقوقي التزم بهذا الاختيار للنهاية ، وأدى عليه الثمن بفاتورة كبيرة ثقيلة ولم يتراجع ..الشجاعة والمواجهة لم يأت بها من «خلا» كما يقول المغربي ،انه من سلالة ذلك العظيم الذي اسمه عمر . بقي الرجل بعد تواتر الأحداث السياسية في المغرب ملاحقا من طرف المخابرات المغربية مع ثلة من المناضلين ،ولم تسنح الفرصة لزبانية أوفقير الا في مدريد مع المقاوم سعيد بونعيلات, حيث تم نقله الى المعتقل السري سيىء الذكر «دار المقري « ، وهناك ذاق أشد أنواع العذاب والتنكيل وأبشعها على الإطلاق ..يقول أحمد بنفسه «لقد كنا في الجحيم «.. كانوا يسألونه عن اسمه ، فيرد أحمد بنجلون ، لكن الجلادين وتقاريرهم الاستعلاماتية تقول انه «عبد المومن « ، وبين بنجلون وعبد المومن سافر الرجل في غياهب الجحيم الذي ذكره بنفسه ولم يصفه قط إلا لبعض المقربين من مناضلي الصف الديمقراطي . اختطاف ، تعذيب ، سجن وتحويل على محاكمة مراكش التي سيق فيها الاتحاديون متهمين بالمؤامرة ومحاولة قلب نظام الحكم ، أحمد كان ينتظر حكما بالإعدام ، لكن الرياح تجري بما لاتشتهيه الوقت الاستبدادية يومئذ ، الأحداث الانقلابية ربما كانت وشكلت منعطفا لانقاذ جيد بنجلون من حبل المشنقة, وليتحول الحكم إلى عشر سنوات نافذة نالها الرجل ..فقط لأنه اختلف مع الجلاد ، والجميع يعرف مامعنى أن تكون على النقيض مما كان يخطط له أوفقير ومن معه في سبعينيات القتل والفظاعات وهمجية نظام مازال لم يعرف رأسه من رجليه ؟؟؟ عبد المومن, وهو الاسم الحركي لبنجلون ، ظل وفيا لارتباطه بالحق ومبادىء العدالة ، قرر وضدا على كل التوقعات ممارسة المحاماة والانتماء الى أفقها التقدمي والوطني ، وهو في ذلك لم يحد عمن سبقوه في تلك الطريق النضالية الصعبة والشاقة ، أخوه أولا والقادة الوطنيون لحزب القوات الشعبية من قبل ومن بعد . هذا هو أحمد بنجلون, محام نظيف زاهد في الحياة ، لم يتغير ولم يتبدل ، ساهم بقسط وافر في بناء أطروحة النضال الديمقراطي ..فالاختلاف لم يكن أبدا عائقا ولا مثبطا في مواصلة نصرة الفكرة التاريخية لليسار التي ألهبت وعينا الجماعي وأنقذت الكثير من البشر من بهيميته السياسية .. شافاك الله سي أحمد ورعى روحك النبيلة ، المحامي فيك وقيم المحاماة راسخة وتقاطعها مع النضال الوطني والتقدمي ، أمر لم يكن ذات نضال بصعب عليك ..المجد والفخر للبطن التي حملتك وولدتك أنت وعمر ......