رغم كل الحملات الإعلامية المتواصلة، التي تقوم بها وسائل الإعلام للتوعية و التنبيه من أخطار التدخين ومضاعفاته الصحية والنفسية على الشباب والنساء والرجال، يتبين بأن أغلب المدخنين لا يعيرونها أي اهتمام، وبأن تأثيرها عليهم من أجل دفعهم للإقلاع عن هذه العادة السيئة هو جد ضعيف. وهنا أطرح بعض الأسئلة على المتدخلين في مجال التحسيس بمخاطر التدخين: ما هي المقاربة الإعلامية الناجعة للحد من تزايد عدد المدخنين في بلادنا ؟ هل يجب إضافة مقاربات أخرى لمخاطر التدخين، إلى جانب المقاربة الطبية والنفسية ؟ هل المدخن، رغم معرفته بأخطار التدخين، يقوم بإهلاك صحته وصحة أسرته وصحة الأشخاص المجاورين له في لحظة التدخين عمدا ؟ هل الدولة تقوم بواجبها للحد من عدد المدخنين في بلادنا ؟ للإجابة عن هذه الأسئلة لابد من التذكير بأن العلاقة بين المدخن والسيجارة تصبح، مع تقادم الإدمان، علاقة وثيقة، ولايمكن كسرها إلا باستعمال جميع الأدوات المتاحة، من توعية طبية ونفسية، واجتماعية، وإعلامية، وزجرية بالنسبة للمدخنين الذين ينفثون السم الدخاني بين زملائهم في العمل، أو في أماكن عمومية، أو في المقاهي، أو في الأماكن المغلقة . وبالطبع فمسؤولية الحد من تفشي ظاهرة وآفة التدخين بين شبابنا ، تقع على جميع المواطنين، ضمنهم رجال التعليم، الذين يعتبرون القدوة بالنسبة للتلاميذ والطلبة، كما تقع المسؤولية كذلك على المؤسسات التعليمية، من المستوى الابتدائي وإلى غاية الجامعي، وذلك من خلال بسطها لبرامج وأنشطة تربوية لمكافحة التدخين . كما لا يخفى الدور الذي يجب أن تقوم به الاندية الرياضية، والثقافية، والاجتماعية، في التحسيس بالكلفة الباهظة على الصحة الجسدية والنفسية، والاجتماعية للتدخين. أما بالنسبة لشق السياسة العمومية لمكافحة أخطار التدخين، فلا بد من تفعيل المساطر التنظيمية للبرنامج الوطني لمحاربة التدخين، مع صياغة برنامج مندمج يرتكز على أهداف محددة يجب بلوغها في ظرف زمني محدد، بالإضافة إلى منع بيع السجائر للأطفال أقل من 18 سنة، والعمل على المنع الفعلي للتدخين في الأماكن العمومية، والأماكن المغلقة، ومنع إشهار السجائر. هذا وينبغي التذكير بأن السيجارة تحتوي على أكثر من 4000 مادة كيماوية ضارة للصحة، من بينها 50 مادة مسببة للسرطان، بالإضافة إلى النيكوتين التي تعتبر مخدرا ينجم عنه الإدمان. ويؤثر التدخين على الجهاز التنفسي للمدخن، ويسبب الالتهاب المزمن للرئة، والانتفاخ القصبي الرئوي ، والأمراض القلبية والشرايينية، الجلطة القلبية، السكتة الدماغية، الأمراض الشرايينية الدماغية، السرطان الرئوي، سرطان الفم، سرطان الحنجرة، سرطان المثانة، سرطان المريء، وعدة سرطانات أخرى. كما تشير الأبحاث إلى أن التدخين لمدة تفوق عشر سنوات يقلص الأمل في الحياة، كما يسبب الشيخوخة الجلدية مع التجاعيد الوجهية التي تظهر مبكرا في جسم المدخن، فضلا عن تأثير التدخين على المرأة الحامل والجنين ونمو الطفل. و تشير الإحصائيات إلى أن التدخين يعد السبب الأول في الوفيات التي يمكن تفاديها، حسب إحصائيات المنظمة العالمية للصحة. ومن بين الوفيات الناجمة عن التدخين تشير الإحصائيات كذلك إلى أن 48 في المئة، هي ناجمة عن السرطانات، و 20 في المئة ناجمة عن الأمراض القلبية الشرايينية، و 19 في المئة من الأمراض الصدرية، و 13 في المئة من الأسباب أخرى .كما أن استهلاك 20 سيجارة في اليوم يضاعف خطر الإصابة بالمرض الشراييني القلبي بثلاث مرات، مع احتمال الإصابة بالجلطة القلبية والموت المفاجئ. وفي الختام يجب التأكيد على أن التدخين هو بمثابة انتحار بطيء للمدخن، ونقص لجودة الحياة، ويمكن للمدخن ، إذا توفر على إرادة قوية، أن يقلع عن التدخين، ويتفادى بأقل الأضرار مخاطره .