يراهن حزب العدالة و التنمية ، أكثر من أي وقت مضى ، على ازدواجية الخطاب بغرض الحفاظ على قاعدته الانتخابية في ظل فشله البين على مستوى تدبير شؤون البلاد من موقعه كقائد لحكومة تحوم حولها آلاف الأسئلة . رهان بقدر ما يؤسس له أصحاب بنكيران من خلال تجنب الوضوح في المواقف و الأفعال ، بقدر ما يضع البلاد ، مجددا ، أمام خيارات متطرفة لأشخاص زادهم الوحيد انفعالات ما وراء ثنائية الفقر و الجهل .. بالرجوع إلى مسار حزب المصباح ، و مرجعيته المؤسسة على التوظيف المباشر للدين في السياسة ، يمكن القول بأن في الأمر نوع من اللعب على المدى البعيد ، بحيث تصبح محطة الفعل من موقع السلطة مدخلا جديدا نحو تمكن كامل من مفاتيح حركية المجتمع ، خاصة في ظل نوع من الاقتناع الكامل بأن حصيلة حكومة السيد بنكيران لن تبتعد كثيرا عن وصف الكارثية في كل شيء .. القادم أسوأ ، و هذا ما يدركه السيد رئيس الحكومة و حزبه ، الأمر الذي دفع بهم إلى المرور للسرعة القصوى في ثنائية الدفاع/ الهجوم ، إذ يعمد بعض أعضاء العدالة و التنمية إلى لغة التخوين و التشكيك و تحريف الحقائق كمنطلق هجومي للوقوف في وجه كل من تسول له نفسه معارضة توجه الحكومة و اختياراتها المغرقة في الهواية و اللاشعبية من جهة ، و من جهة ثانية اعتماد آخرين ، من قادة حزب المصباح و برلمانييه و وزرائه ، على عادة التشكي و التباكي المميزة للفعل الحكومي ما بعد انتخابات نونبر 2011 للحفاظ ما أمكن على نوع من التعاطف الشعبي, و إن من باب الركون إلى الغش و التدليس و الضرب من تحت الحزام في حق الاغلبية الحكومية قبل المعارضة .. الدستور منح السيد رئيس الحكومة سلطات و صلاحيات واسعة تسمح له ، على الأقل على المستوى النظري ، بتصريف سياساته و خياراته دون أي مركب نقص ذاتي أو موضوعي . سلطات و صلاحيات لم يعد معها أمام السيد بنكيران ، في حالتنا الراهنة ، الحق في التشكي من أية عفاريت أو تماسيح تؤرق مضجعه الحكومي ، لأن دون ذلك معناه أولا الضحك على الذقون ، و ثانيا ، من باب المسؤولية ، الهروب إلى الأمام على حساب مصلحة وطن و شعب ، خاصة في حالة الصمت المطبق ، بل و التماهي الانتهازي ، مع نوع من العودة المقلقة لخطابات التكفير و الحقد و الكراهية داخل مجتمع مطوق بوضعية اقتصادية و اجتماعية جد صعبة . هل نجانب الصواب عندما نتحدث ، مرة اخرى ، عن المقامرة بمستقبل البلاد ؟ سبق و أشرنا في مقالات سابقة إلى أن أية حصيلة محدودة أو سلبية على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي قد تكون مبررة بحكم عدة عوامل داخلية و خارجية يمكن اختزالها في الازمة المالية العالمية التي لا تزال ترخي بضلالها على اقتصاديات مجموعة من الدول ، لكننا نبهنا خلال نفس المقال بأن الفشل السياسي ستكون له تبعات جد سلبية على مسارات الاصلاح ببلادنا ، لأن الامر يتعلق في العمق بمدى قدرة الشعب على تجديد الثقة في محطات و مؤسسات تدور حول نفسها بألوان متباينة . هذا الفشل بات قائما من خلال تشتت الاغلبية الحكومية و إعلان أحد أعمدتها الاساسية الانسحاب منها لأسباب متعددة لا يخفى على أحد خطورتها على مسار الانتقال نحو الممارسة الديمقراطية الحقة ببلادنا.. هذا الانسحاب ، و إن وصفه البعض بالتكتيك الرامي إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي للحكومة ، يؤكد حقيقة سقوط الأخيرة في فخ الذات حد الانسلاخ عن واقع الازمة ببلادنا . السؤال اليوم لم يعد مرتبطا بحصيلة عمل الحكومة على كافة المستويات ، بل أصبح حبيس وضعية شاذة تضع البلاد أمام احتمالات متعددة جميعها تصب في خانة المجهول ، خاصة في ظل تصاعد الخلاف بين أطراف الاغلبية الحكومية ، و لجوء حزب رئيس الحكومة إلى قاموسه الخاص للدفاع تارة عن تجربة حكومية فاشلة و تارة أخرى للبروز كضحية لعملية سياسية مغربية غير بريئة .. ما تعيشه بلادنا اليوم هو ، في العمق ، نتاج تضليل عمر لسنوات طوال بفضل الاستغلال السياسوي للدين ، و في ظل غياب أي مشروع مجتمعي لأصحاب المصباح ، وجد هؤلاء أن الواقع ، بإشكالاته المختلفة ، يحول دونهم و رهانهم على العاطفة في معالجة قضايا البلاد و العباد .. الواقع ليس كما يعتقدون ، و المواطن المغربي لا شك ينتظر الافعال و آثارها الايجابية بعد أن مل الأقوال حد التخمة ، و هو ما لا يريد السيد رئيس الحكومة إدراكه قبل فوات الأوان ، خاصة بعد مرور حوالي سنة و نصف من العبث و حلول موسم حصاد لأزمة لن تكون حتما بالعابرة . المسؤولية تقتضي قول الحقائق ، بسط المشاكل التي تعيشها بلادنا على كافة المستويات أمام المواطن بكل وضوح و شجاعة ، البحث عن حلول شجاعة للخروج من عنق الزجاجة ، و كأضعف الايمان الاعتراف بصعوبة تدبير أمور البلاد و العباد بما يترتب عن ذلك قانونا و واقعا بلغة اهل البذلة السوداء .. أحيانا عديدة يرمي السيد رئيس الحكومة و حزبه كرة الصعوبات و المشاكل في ملعب تماسيح و عفاريت غير مرئية ، و أحيانا عديدة يتمثل لي السيد رئيس الحكومة في هيأة عصفور على غصن شجرة ، يتأمل تماسيح عديدة في بركة كبيرة آسنة ، يصرخ ، يغرد ، و حين تستكين التماسيح ، في لحظة قيلولة ، و تفتح أفواهها يسارع إلى التقاط ما علق بأسنانها في صورة من صور الطبيعة الحبلى بالعجائب و العبر . العجيب في حكومتنا المغربية أنها تسابق الزمن من أجل الخروج بحصيلة عنوانها الابرز قاموس من الشتائم و المواقف و المصطلحات المبتكرة على حين غرة من الوطن ، و العبرة المرجوة من كل ما يقع أن يدرك الشعب المغربي حقيقة الفرق الشاسع بين جمالية الخطاب و قسوة الفعل في واقع لا يعقب بتاتا بالعبث.... * عضو اللجنة الادارية الوطنية للحزب