تشاء الصدف مجددا، ومنذ عام 1993، أن يتزامن عيد ميلاد الأمن الوطني بخنيفرة مع نفس اليوم الذي توفي فيه مصطفى حمزاوي، بمخفر للشرطة بذات المدينة، حيث نزل المعطلون من مختلف مدن المملكة لتخليد الذكرى 20 ل«شهيدهم» وسط إجراءات أمنية مشددة، وفي هذا الإطار، عاشت خنيفرة، بعد زوال يوم الخميس 16 ماي 2013، على إيقاع حالة استنفار وتأهب وسط مختلف السلطات المحلية والإقليمية والأمنية بشتى تلاوينها، السرية منها والعلنية، وأعوان السلطة، إلى درجة «عسكرة» عدة نقاط من المدينة بصورة مكثفة ، حيث اختار المعطلون التجمع بساحة 20 غشت، تحت شعار «الحقيقة كل الحقيقة في اغتيال الشهيد مصطفى حمزاوي ومحاكمة الجناة»، وقد حمل المشاركون في هذه التظاهرة لافتات ويافطات، كما أبدعوا نعشا رمزيا لمصطفى حمزاوي حملوه على أكتافهم على طول المسيرة التي ختموا بها مهرجانهم الخطابي ووضعوه بملتقى طرقي بقلب المدينة، بعد منعهم من الاتجاه به إلى باب المقر المركزي للأمن الوطني. المسيرة المنظمة بمسقط رأس مصطفى حمزاوي شاركت فيها عشرات الفروع من عدة مدن مغربية، حيث ردد الجميع سلسلة من الشعارات والهتافات المنددة بالسياسة الممنهجة في مجال التشغيل، وبالانتهاكات الجسيمة التي أودت بحياة مصطفى حمزاوي ومعطلين غيره، قبل أن تفتتح التظاهرة بمهرجان خطابي حضرته هيئات سياسية ونقابية وشبيبية وحقوقية وطلابية، وحركات أمازيغية وشباب 20 فبراير، كما حضره ممثلون عن الكونفدرالية العامة للشغل الإسبانية والتنسيقية النقابية المتوسطية، حيث شارك الجميع بكلمات تناولت في مجملها تحديات العولمة وأوضاع حقوق الإنسان، وسياسات التفقير والإقصاء الاجتماعي ومظاهر الرشوة والفساد وغلاء المعيشة، والنهب الذي تتعرض له الثروات المحلية والوطنية، وكذلك الأساليب القمعية والاعتقالات والتدخلات العنيفة في المظاهرات السلمية، زائد المحاكمات الجائرة و«العسكرة» المسلطة على رقاب المعطلين وجمعيتهم الممنوعة من حقها في التنظيم. بينما شدد عدد من المتدخلين على تضامنهم مع نضالات المعطلين العادلة والمشروعة في سبيل انتزاع حقهم في الشغل والاعتراف القانوني بحقهم في التنظيم، وفتح حوارات جادة ومسؤولة مع فروع الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين، مع إدانة سياسة الآذان الصماء، والمطالبة بمحاسبة ومعاقبة المتورطين في قضية وفاة مصطفى حمزاوي، وبالاعلان عن مكان قبره الذي لايزال مجهولا منذ ما قبل 20 سنة رغم رفع البلاد لعدة مبادرات من قبيل الإنصاف والمصالحة والدستور الجديد وسيادة الحق والقانون ودعم المجهودات الهادفة إلى الحماية من التعذيب. المهرجان الخطابي أعقبته مسيرة حاشدة شعبية، انخرط فيها المئات من المواطنات والمواطنين، وفعاليات مختلفة من المجتمع المدني، حيث جابت عدة شوارع رئيسية بالمدينة في اتجاه ساحة المسيرة المحاذية لعمالة الإقليم، قبل تغيير مسارها، بشكل سلمي وحضاري، من الطريق المؤدية إلى مقر المنطقة الإقليمية للأمن الوطني، قصد وضع النعش الرمزي لمصطفى حمزاوي ككل سنة في رمزية تقليدية غنية بالإشارات والدلالات، مع تجديد مطلب المعطلين بمحاكمة المتهمين في قضية تعذيب ووفاة حمزاوي، وتميز الحدث بخلوه من أي تدخل أو قمع، حيث سجل المراقبون سلمية المسيرة، والتي لم يسمح بمثلها منذ سنوات، وعكس سنة 2006 التي تم فيها اعتراض المتظاهرين من طرف القوات العمومية ومنعهم من تنفيذ مسيرتهم، وكان الرأي العام الوطني قد سجل، قبل أربع سنوات، حجم التدخل العنيف الذي قامت به القوات العمومية ضد تجمع المعطلين بخنيفرة، وخلف العديد من الإصابات والإغماءات. ومن جهة أخرى أكد مسؤول بالمكتب التنفيذي للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب ل»الاتحاد الاشتراكي» أن الترتيبات جارية لعقد الجمعية لمؤتمرها الوطني ال 11 خلال شهر يونيو المقبل. وتزامنا مع المهرجان الخطابي للجمعية ، أبى معطلو التنسيق المحلي بخنيفرة، والمنضوون تحت لواء ثلاث مجموعات (المجموعة المحلية للمجازين المعطلين ومجموعة الحرية ومجموعة الشهيد) إلا تخليد ذكرى مصطفى حمزاوي في محطة نضالية متميزة توجت بمسيرة سلمية، ردد خلال المشاركون فيها سلسلة من الشعارات والهتافات القوية، وقد حملوا بدورهم نعشا رمزيا لمصطفى حمزاوي في سبيل تأكيد وفائهم المستمر لروح شهيدهم، وساروا بهذا النعش باتجاه المقر المركزي للأمن الوطني غير أنهم لم يتمكنوا بسبب الطوق الأمني المكثف ليكتفي معطلو التنسيق المحلي بإلقاء كلمتهم بقلب حصار أمني مشدد، والعودة إلى «قاعدتهم سالمين» بنقطة الانطلاق في أفق استئناف معاركهم اليومية من أجل حقهم في الشغل والكرامة والعيش الكريم. ويذكر أن مصطفى حمزاوي كان قد تعرض لاختطاف من الشارع خلال منتصف ماي 1993، ولم يعلم أحد من زملائه أو أفراد أسرته بأي شيء عن خبره إلى أن جاءهم نبأ وفاته في ضيافة الشرطة، وحاول المتهمون حينها نفض أيديهم من الورطة بالادعاء أن الضحية «انتحر»، وللتعجيل بتطويق الأزمة، تم ترجيح كفة اللجوء إلى خيار القمع من خلال إنزال قوي للقوات العمومية بمحيط المستشفى الإقليمي، حيث توجد جثة المتوفى بمستودع أمواته، مما أدى إلى وقوع اشتباكات ومواجهات وسجلت عدة اعتقالات ومحاكمات في صفوف الشباب والتلاميذ، ولم يكن متوقعا أن تختفي جثة المتوفى المذكور، بناء على تعليمات قضائية أعطيت لأجل التخلص منها بأية طريقة ودفنها بمكان لايزال مجهولا.