تتابع النقابة الوطنية للصحافة المغربية، بقلق بالغ، تصاعد النزاع بين طرف أساسي في الحكومة والمسؤولين عن الوسائل السمعية البصرية العمومية، والذي أوصل الأمور إلى آفاق مسدودة لا تخدم بتاتا المصلحة الوطنية والإصلاحات المنتظرة في هذا القطاع، من أجل تفعيل المبادئ الواردة في الدستور، والاستجابة للمطالب التي عبر عنها المهنيون وفئات واسعة من المجتمع، بحتمية المواكبة الناجعة لسياق المرحلة السياسية. وتعتبر النقابة أن أجواء التوتر التي تضاعفت في الأسابيع الأخيرة، سواء داخل البرلمان أو بين وزارة الاتصال والمسؤولين عن هذا القطاع، تنذر بتفاقم الأزمة، وتهدد بشكل واضح مصير هذه المؤسسات وشروط التفاهم الضرورية، للتقدم في معالجة مختلف الإشكالات التي يطرحها تطوير المجال السمعي البصري العمومي ببلادنا. وتشير النقابة في هذا الصدد، إلى أن التصريحات التي أدلى بها أحد نواب حزب العدالة والتنمية في مجلس النواب، تجاه القناة الثانية، والتي وصف فيها ربورتاجا صحافيا بأنه فعل «إجرامي»، يعتبر تحريضا غير مقبول من طرف سياسي ، ضد وسيلة إعلام وضد صحافيين، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال إطلاق مثل هذه النعوت عليهم، كيفما كان الاختلاف مع الخط التحريري للقناة المذكورة. لذلك تدعو النقابة مسؤولي هذا الحزب، وكذا الفرق البرلمانية، إلى وضع حد لمثل هذه التهجمات، والالتزام بضوابط منطقية ومعقولة في نقد وسائل الإعلام العمومية، و الاحتكام، إذا اقتضى الحال، إلى المؤسسات المختصة في مراقبتها ومحاسبتها، مثل الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري. كما تنبه النقابة إلى خطورة الوضع المالي لوسائل الإعلام العمومية السمعية البصرية، نتيجةاجراءات تحكمية اتخذتها الحكومة للاقتصاص من الميزانية، كرد فعل عقابي عن سجال دفاتر التحملات، التي شاب إعدادها تسرع وارتباك، سواء في عدم استشارة المهنيين، بل حتى في التفاهم عليها داخل الحكومة، مما ادى الى اختلالات عميقة أدت الى وضع اصبح يهدد استمرار اداء القنوات والمحطات العمومية لدورها ووظيفتها وتهديد لاستقلاليتها في تناقض واضح مع الالتزامات المسطرة في دفاتر التحملات. وتسجل في هذا الصدد، التراجع المهول في نسب المشاهدة للقناتين الأولى والثانية، لأسباب عديدة، منها أساسا، إعادة تقديم برامج سبق أن تم بثها أو بسبب ضعف الميزانيات المخصصة لبرامج خارجية، مما يجعلها غير قادرة على تقديم منتوج جيد وخوض غمار المنافسة، مع قنوات اجنبية، ترتكز في العديد من المرات، على خطاب المغالطة في قضايا مصيرية بالنسبة لبلادنا. إن مختلف هذه الأوضاع، والتطورات السلبية التي يعرفها القطاع، تؤثر بشكل جلي على جودة الخدمات وعلى إمكانيات التقدم في مبدأ تحقيق المرفق العام، كما هو منتظر من القناتين ومن محطة «ميدي سات تفي»، المعزولة في المنطقة الحرة بطنجة، و التي تظل وضعيتها غير واضحة. لذلك، تؤكد النقابة أن على كل طرف تحمل مسؤوليته تجاه هذا الوضع، سواء تعلق الأمر بالحكومة أو بمسؤولي وسائل الإعلام العمومية السمعية البصرية أو بالبرلمان أو بالهيأة العليا للاتصال السمعي البصري. ونذكر في هذا الشأن مسؤولي الإعلام العمومي، بمطالبنا ومقترحاتنا التي طرحناها منذ سنوات، والمتعلقة بضرورة تقديم خدمة عمومية راقية ومضمون جيد، عبر تطوير آليات الحكامة والشفافية والاستقلالية، وتغليب المهنية، في مختلف وسائل الإعلام العمومية. كما تعتبر أيضا أن هذه المطالب، التي شكلت إطارا مشتركا لعدد من الهيآت الحقوقية والنقابية والثقافية للدفاع عن المرفق العام في هذا القطاع، والتخلي عن الطابع الرسمي له، يفرض على المسؤولين المباشرين على القنوات والمحطات، التابعة للدولة، التقدم في الإصلاحات الضرورية طبقا لما يخوله لهم القانون. وتجدد النقابة هنا، دعوتها إلى تبني آليات إصلاح جدية، تؤدي إلى الاستقلالية المهنية لوسائل الإعلام العمومية، وإلى احترام التعددية السياسية وحق الاختلاف في الآراء، وضمان التنوع في المقاربات ووجهات النظر، وإلى انضاج شروط الجودة والترفيه والتربية الراقية والحداثة الثقافية، وذلك في إطار احترام مبادئ الدستور والقوانين المؤطرة للقطاع، وكذا الاستجابة لمطالب المهنيين والقوى الديمقراطية، الرافضة لأي هيمنة او احتكار، مهما كان مصدرهما، او لونهما السياسي ومرجعيتهما الايديولوجية.