هل كان أمام حميد شباط وحزب الاستقلال منفذ آخر، في تدبير العلاقة مع التحالف الحكومي، غير الانسحاب؟ الجواب هو، كان أمام عبد الإله بنكيران منفذ آخر غير انسحاب الحليف الثاني! لأن المسؤولية اليوم، وبانسجام مع التحليل الموضوعي، لا تقع على حزب الاستقلال، بل تقع على رئيس الحكومة. المطلوب منه أن يكون له تعاقد عملي وملموس مع مكونات أغلبيته. والحال أنه منذ مقدم شباط، وهو قرار ديموقراطي للاستقلاليات والاستقلاليين، تعامل معه رئيس الحكومة، وكأنه حليف خطأ في السياسة، أو أنه شذوذ ليس مطلوبا منه أن يتعامل معه. لنعيد قراءة أو استحضار التصريحات التي تعامل بها المسؤولون في قيادة الحزب، الذي يقود الحكومة: كنا ننتظر هذا القرار، الانسحاب كان دوما واردا في الأجندة. طيب، لماذا لم يفعل رئيس الحكومة أي شيء من أجل تفادي ما كان يعرف أنه حتمي. هل هي قدرية أم جبرية سياسية. هل هو استهزاء من قدرة حليف على زعزعة البيت الحكومي؟ رئيس الحكومة لم يكن أبدا طرفا في الحوار: بفعل غرور سياسي مفاده أن «الربيع العربي ما زال كايتسارى»، وبفعل تضخم كبير في غدة الشرعية الديموقراطية. لم يقرأ رئيس الحكومة التحولات الجارية من حوله. أو أنه قرأها «بحسيفة» في نفسه. لنسلم بأن شباط خصم لرئيس الحكومة، ألا يعرف هذا الأخير أن هناك قاعدة أخلاقية قبل أن تكون سياسية، هي ألا تدفع خصمك، قبل حليفك إلى ... اليأس؟ثم ألا يفكر في المستقبل، عندما يكون عليه أن يتعامل مع حلفاء، بعد أن طبع تواجده في دائرة الحكم: من سيغامر فعلا، أن يتحالف مع من يرفض الاستماع إليه؟ من سيفكر غدا في دخول تجربة مع زعيم سياسي يتحدث، منذ سنة ونصف باسم حزبه وحده ولا يفكر في الجماعة. كما لو أن كل حلفائه موجودون فقط من أجل تأثيث المشهد؟ بنكيران يتصرف وكأنه أصبح الفاعل السياسي الوحيد اليوم في المغرب، وسيصبح الفاعل السياسي الأوحد في المغرب غدا! هي آفة تصاحب كل سياسة تتقدس باسم الدين، حيث تصبح منظومة التفكير خاضعة لمنطق السكينة وليس التحول. ليس من مصلحة بنكيران أن يقرأ من يقدم له شباط كما لو كان الشيطان في السياسة، لا بد من التعامل مع وضع من هذا النوع، وليس من مصلحته من يقدم خطوة حزب الاستقلال كما لو أنها استعداء الملك على شخصه كرئيس حكومة. هل أخطأ شباط، الذي سبق لي أن كتبت عنه ما لم يقله جرير في الفرزدق، في المطالبة بالتعديل الحكومي؟ أبدا، لقد دخل شباط على واقع سياسي سابق عليه. بمعنى أنه ورث فعلا سياسيا، سيدفع الثمن عنه في المحاسبة الديمقراطية، والحال أنه لم يكن مسؤولا عنه، وبلغة الدستور: سيربطون بين مسؤولية لم يتحملها في اختيار الوزراء والوزارات وبين المحاسبة التي سيدفع ثمنها. كان على بنكيران أن يفهم الوضع الصعب لزعيم حزب في هذه المفارقة، والتي عاشتها أحزاب أخرى، لا داعي للتشبيه، ودفعت الثمن غاليا من وحدتها وقوتها وتاريخها. لقد أضعف بنكيران نفسه كثيرا عندما رفض معالجة أمر هو في مقدرته. وأضعف نفسه، بالرغم من التقديرات التي تطلع اليوم من فم القياديين في حزبه، والتي وصلت إلى درجة من العبث جعلت أحدهم يشكك في الاتصال الهاتفي للملك مع شباط!! كما لو أننا في دائرة مسرح الظل الياباني!!! الطموح يفجر الموهبة، وعندما لا يكون لدى المسؤول السياسي طموح ما، فقلما نجد له قرارات أو أفعالا موهوبة. ورئيس الحكومة لم يكن له طموح في مستوى اللحظة، التي يعيشها المغرب، منذ أول يوم له في الحكومة، بحيث كان يحلق على مستوى منخفض للغاية، باعتقاد راسخ أن تلك سياسة للقرب. الواقع أن التاريخ الآن يحتاج إلى تحليق في الأعلى، يسير والوجهة التي ينظر إليها المغاربة، وهي وجهة عالية للغاية. كان واضحا أنه يدخل التاريخ القهقرى، en marche arriere . وتعود معه تقاليد الممارسة السياسية بتوازناتها القديمة. وسننتظر،.. المعادلة بعد عودة جلالة الملك، لكي يتبين لنا أساسات التحكيم الوارد في الفصل 42، وما إذا كان هناك وضع سياسي جعل الاختلاف داخل مؤسسة دستورية واحدة - هي هنا الحكومة - يتحول إلى اختلاف بين مؤسستين (أو مؤسسات ) دستورية!!