صدر في الآونة الأخيرة للباحث محمد الحيرش، أستاذ التداوليات وتحليل الخطاب في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، كتاب في موضوع : النص وآليات الفهم في علوم القرآن : دراسة في ضوء التأويليات المعاصرة» ، دار الكتاب الجديد ، بيروت، 2013. وقد تناول الباحث في مؤلفه هذا (يقع في 392 صفحة) إشكالا محوريا تمثل عنده في دراسة أوجه الاتصال والانفصال التي تقوم بين قضايا التفسير والتأويل في علوم القرآن ونظائرها في عدد من التصورات الهيرمينوطيقية (التأويلية) المعاصرة. ولبسط هذا الإشكال طور المؤلف جملة من الوسائل القرائية التي سمحت له بعقد مواجهة حوارية بين أسئلة التأويلية القرآنية (علوم القرآن)، وأسئلة التأويليات المعاصرة . وهي مواجهة تأطرت ضمن شروط تواصلية ومعرفية أتاحت إمكان التقريب« بين التأويليتين ، وأفضت إلى إنضاج بعض من أسباب تفاهمهما (intercompréhension)وإفادة إحداهما من الأخرى. وقد تم له ذلك من دون أن يجعل من هذه التأويلية أو تلك أصلا قرائيا بالنسبة إلى الأخرى، أو مرجعا تأسيسيا تبنى عليه وتصاغ أنظارها وآلياتها الفهمية من خلاله ، فما رامه الباحث وركز عليه هو أن تجد فاعلية التأويل نفسها وقد اغتنت من جراء ما تتيحه المواجهة بين التأويليتين من إمكانات واسعة من الإفادة والاغتناء. وبهذا تأتي أهمية كتاب « النص وآليات الفهم في علوم القرآن « من كون الفكرة الأساس التي يدافع عنها تقع في أفق حواري يجمع بين ما ينطوي عليه تراث تأويلي محدد من جوانب الغزارة والتكوثر التي يشهد عليها تعدد الأنظار التأويلية إلى النص القرآني ، وتنوع الاجتهادات التفسيرية المقترنة به، وبين ما هو متاح في حداثة تأويلية من مكاسب وتصورات ساهمت في تنسيب الحقائق التأويلية ، وتشعيب السبل والمسالك المعرفية الهادية إليها.