أصدرت مركز «روبرت ف. كينيدي للعدالة وحقوق الإنسان» متم الأسبوع الماضي تقريرا حول انتهاكات حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية تحت عنوان «النفق المسدود عواقب الإخفاق في مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات اللاجئين بتندوف». وشدد التقرير، الوارد في 36 صفحة، على ضرورة اشتغال أطراف النزاع ومنظمة الأممالمتحدة مع المفوض السامي لحقوق الإنسان على تسهيل إرسال بعثة عاجلة إلى المناطق الصحراوية التي يسيطر عليها المغرب ومخيمات اللاجئين. حيث يكون بإمكان هذه البعثة استقبال الشكايات وإصدار تقرير للعموم. كما يتعين على أطراف النزاع والمنظمة الأممية العمل معا في اتجاه ضم بعثة دائمة لمراقبة حقوق الإنسان وإصدار التقارير بشأنها، حيث يكون أيضا مخولا لهذه البعثة تلقي شكايات الأفراد والتحقيق في الادعاءات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان. وبلغة أكثر تشديدا، قال التقرير إنه «يتوجب على الحكومة المغربية وضع حد لثنائية العنف والفرار من العقاب، التي تمس الصحراويين، الذين يؤيدون استقلال الصحراء الغربية». وجاء فيه أنه يتعين على الحكومة المغربية: - اتخاذ خطوات آنية لوضع حد لمضايقة الصحراويين، تعنيفهم، اضطهادهم وتخويفهم، فتح تحقيق لتحديد المتورطين في الانتهاكات الماضية والمستمرة لحقوق الإنسان، ومتابعتهم ومعاقبتهم، إحداث برنامج تحري فعال والتعجيل بإيقاف رجال السلطة الذين يطالهم التحقيق في قضايا انتهاك حقوق الإنسان، ضمان الولوج الفعلي للمحاكمة العادلة وتقديم الضمانات القضائية، دون تمييز بغض النظر عن القناعات السياسية، الإفراج عن المعتقلين المتهمين خطأ بارتكاب جرائم خلال ممارستهم لحقهم في حرية التعبير والعمل الجمعوي، القيام بمجهودات أكبر لتطبيق الإصلاحات الدستورية التي ستتيح التمتع بالحقوق المدنية وحقوق الإنسان دون تمييز. وبخصوص المنهجية التي تم اعتمادها في إنجاز هذا التقرير، ذكر المركز الأمريكي أن بعثته انتقلت إلى كل من الدارالبيضاء والرباط والعيون والجزائر العاصمة ومخيمات تندوف، حيث التقت مئات الصحراويين الذي قدموا من مجموعة من المدن من بينها العيون، الداخلة، السمارة... وكشفوا لأفراد البعثة عن معلومات تتعلق بحالات الاختفاء، التعذيب، الاعتقال التعسفي، عنف رجال الأمن، التهديد، التخويف والإعدام خارج الإطار القضائي، كما توصلت البعثة بمعلومات بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان على مستوى حرية التعبير والتجمع وتأسيس الجمعيات. كما توصلت البعثة بمعلومات كتابية من منظمات المجتمع المدني ومن أفراد يمثلون يعكسون أطيافا متنوعة من الآراء، والتقت ممثلين عنها. وذكر التقرير أيضا بأن البعثة التقت في مدينة العيون بالسلطات المحلية، وممثلي بعثة المينورسو إلى جانب ممثلي المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وتم استقبال البعثة من طرف والي المنطقة في اجتماع ضم أكثر من 30 من زعماء القبائل والمسؤولين المنتخبين والوكيل العام للملك وفرع المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مدينة العيون. وعقد أفراد البعثة أيضا لقاءات مع أعضاء من البرلمان المغربي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالرباط. وفي مخيمات تندوف، استجوب أفراد البعثة اللاجئين، وزاروا مراكز الاعتقال والتقوا ممثلين عن جبهة البوليساريو. كما التقوا ممثلي المفوض السامي للاجئين والبرنامج العالمي للتغذية والهلال الأحمر الجزائري ومجموعة من الجمعيات والمنظمات التابعة للبوليساريو. وخلال توصيف التقرير لوضعية حقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية، تجرد مركز كينيدي عن الحياد الذي كان مفترضا فيه، وتعمد الإشارة إلى السيادة المغربية على المناطق الصحراوية بكلمة «احتلال» دون الاكتفاء حتى بالتوصيف الأممي الذي يشير إلى الأقاليم الصحراوية «كمنطقة متنازع عليها». كما استعان محررو التقرير بمراجع غير محايدة لتقديم بعض الإحصائيات مثل «اعتقال وتعذيب أكثر من 300 صحراوي في سجون سرية وحرمانهم من الاستشارة القانونية. وتم في السنوات الأولى من الاحتلال تفجير العديد من مخيمات المدنيين الصحراويين. وتم تجميع الناجين وإجبارهم على الإقامة في مناطق تمت عسكرتها بشكل كبير. وتم حرمان الأسر من الحصول على معلومات بخصوص مصير أقاربهم كما ظلوا في أغلب الأحيان عرضة للمراقبة الأمنية. ولقد أدت هذه التنقيلات الجماعية إلى تشتيت الأسر وتدمير الأسلوب التقليدي لحياة الصحراويين الرحل.» حيث يلاحظ أن التقرير استند في سرد هذه الوضعية إلى ما ورد في كتاب أصدره الإسبانيان كارلوس مارتين بيريستان وإيلواسا غونزاليس هيدالغو سنة 2012 تحت عنوان «واحة الذاكرة: الذاكرة التاريخية وانتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء الغربية». وتحدث التقرير عن خرق الحق في الحياة في الأقاليم الصحراوية رغم أنه منصوص عليه في الدستور المغربي، مذكرا بحالة سعيد دمبرن الذي أشار التقرير إلى أنه توفي بسبب طلق ناري من رجل أمن، وصدر في حق هذا الأخير إثر ذلك حكم بالسجن 15 سنة. وسجل التقرير أيضا وجود حالات اختفاء قسري لأفراد صحراويين، كما هو الحال بالنسبة لخمسة عشر شابا ذكرت أسرهم أن عناصر الدرك الملكي هي التي اعتقلتهم وأخذتهم إلى أحد مراكز الاعتقال قرب مدينة أكادير. وأضاف التقرير أن مسؤولين مغاربة أخبروا بعثة مركز كينيدي بأن أولئك الأشخاص ماتوا «غرقا في البحر» في إشارة إلى محاولتهم الهجرة السرية في اتجاه جزر الكناري. واسترسل التقرير في جرد العديد من الانتهاكات الحقوقية نقلا عن شهادات بعض الصحراويين، بما في ذلك المس بالسلامة الفردية للأشخاص، والحق في الحرية، والاعتقالات التعسفية، والحق في حرية التعبير وحرية التجمع وحرية تأسيس الجمعيات وحرية التنقل، واضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان. وضمن التقرير كل ما أسماه بالانتهاكات المغربية لحقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية في سبع عشرة صفحة، وفي المقابل بالكاد أفرد لوضعية حقوق الإنسان في مخيمات تندوف ثلاث صفحات، جاء فيها توصيف لطبيعة المخيمات المقسمة إلى خمسة مراكز هي السمارة، العيون، 27 فبراير، أوسرد، والداخلة، ويقيم فيها 125 ألف صحراويا على الأقل. وأضاف التقرير أن أفراد البعثة لم يمكثوا هناك أكثر من يومين بسبب الصعوبات اللوجيستية للولوج والتواصل داخل المخيمات، وخلص إلى أن المدة القصيرة التي قضتها البعثة في المخيمات جعلت من المستحيل تقديم تقييم شامل لوضعية حقوق الإنسان. وزارت البعثة ثلاثة مراكز اعتقال في المخيمات، واتضح لها أنها تفتقد للمرافق الصحية وأسرتها لا تكفي المعتقلين كما أن سجلات السجن تتم بطريقة بدائية. وكشف المعتقلون للبعثة بأنهم تعرضوا للضرب من طرف السلطات، ولا يستفيدون من كميات كافية من الطعام. ولاحظ أفراد البعثة أن مركز اعتقال خاص بالأطفال يتوفر على مرافق دراسية بما فيها مكتبة وقاعة كمبيوتر، غير أن المركز يتم استغلاله من طرف الأطفال الموجودين في المعتقل والأطفال المنتزعين من أسرهم في إطار نظام الحماية. ولم يلاحظ أفراد البعثة وجود أي طفل أو امرأة ضمن المعتقلين خلال فترة الزيارة. وأضاف التقرير أنه رغم الجهود الدولية التي تم بذلها من أجل توفير وسائل العيش الضرورية للاجئين داخل المخيمات، إلا أن ذلك لم ينعكس على ظروف العيش الراهنة، مما انعكس سلبا على حالتهم الصحية والنفسية، كما انعكس ذلك أيضا على انتشار الأمية في أوساط اللاجئين حيث تم تسجيل 95 بالمائة من الأمية في أوساط النساء. وختم التقرير بالإشارة إلى أن ممثلين عن الحكومة طلبوا من أفراد البعثة الاطلاع على حالة مصطفى ولد سيدي مولود وابن عمه الشاعر الصحراوي علال الناجم، وعلى الجرائم المرتكبة في حقهم من طرف البوليساريو. غير أن المعنيين بالأمر وأفراد أسرهما، يضيف التقرير، تخلفوا عن الموعد الذي كان متفقا حوله لعقد لقاء معهم. وفي سياق متصل، وكعادتها كل سنة، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقاريرها حول حقوق الإنسان في مختلف بقاع العالم. و من هذه التقارير تقرير خاص بالمغرب و آخر خاص ب«الصحراء . والملاحظ أن التقرير يحمل في ثناياه بصمات التقرير الأخير الذي أصدره مركز «روبرت ف. كينيدي للعدالة وحقوق الإنسان». فبعد المقدمة التقليدية حول المغرب ومؤسساته، و تداعيات الربيع العربي على البلد و الإصلاحات الدستورية التي شهدتها الساحة السياسية، يوجز التقرير، استنادا إلى «مصادر مختلفة» بعض الخروقات حول حقوق الإنسان في المغرب على غرار «استعمال الشرطة للعنف المفرط تجاه المظاهرات السلمية مما تسبب في مئات الجرحى، و التعذيب و خروقات أخرى من طرف قوات الأمن مثل الاعتقال غير المُبلغ عنه و سوء أحوال السجون و نقص حرية التعبير و حرية التجمع و انتهاك حق ممارسة التدين و نقص استقلالية القضاء و التمييز حُيال النساء و الفتيات والاتجار في البشر و تشغيل الأطفال خاصة في القطاع غير المهيكل. فعلى عكس سنة 2011 لم يُشر التقرير إلى أي انتهاكات حول قيام الحكومة أو ممثليها بأي مس بالسلامة الجسدية للأفراد، مضيفا أن الحكومة تقول إنها تحترم القانون في كل الحالات و أنه لم يحصل أي اختفاء خلال هذه السنة. و بخصوص حالات الاختفاء التي جرت في السبعينيات و الثمانينيات، فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أنشأته و مولته الحكومة، يواصل تحقيقاته فيما يخص الاختفاء القسري فيما قدم تعويضات خلال العام 2012 بلغت 43 مليون درهم لفائدة 345 فردا من ضحايا الاعتقال، كما يواصل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في البحث في طلبات التعويض و خاصة من الصحراء. و في المقابل تعبر مجموعات حقوق الإنسان، التي تمثل الصحراويين عن قلقها من بطء عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان فيما يخص الملفات المتعلقة بالضحايا الصحراويين و تتهم إحدى هذه الجمعيات الحكومة المغربية و المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالإخفاق في توضيح مصير 114 حالة اختفاء و بخصوص ممارسة التعذيب، فإنه بالرغم من نفي الحكومة لممارسة التعذيب، فإن تقارير عديدة موثوقة تؤكد تعرض السجناء و المعتقلين لمثل هذه الممارسات. و من هذه التقارير تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي قال إن ممارسات التعذيب و الحط من الكرامة لا زالت سارية في العديد من السجون التي زارها. و في تقرير المقرر الأممي الخاص حول التعذيب «خوان منديز» جاء أن ممارسة التعذيب الجسدي و النفسي يتم حيال المعتقلين خاصة المنتمين لحركة 20 فبراير و مجموعات المعطلين. كما تعاني السجون و مراكز الاعتقال من شروط متدنية و لا تحترم المواصفات الدولية. إذ أن السجناء يعانون من الاكتظاظ و سوء التغذية و انعدام الرعاية الصحية و مُحاباة بعض السجناء على حساب الآخرين و الاعتداءات الجنسية و انتشار المخدرات. و بخصوص الاعتقالات التحكمية، التي يحظرها الدستور، فقد ذكرت بعض التقارير أنها حصلت مع ذلك من طرف الأجهزة الأمنية. و منها اعتقال بعض الأشخاص و استنطاقهم لعدة ساعات قبل الإفراج عنهم بدون متابعة. و بالرغم من أن الحكومة تقول إنه ليس لديها أي معتقل سياسي و أن جميع المعتقلين هم كذلك لجرائم اقترفوها و تدخل في نطاق القانون الجنائي، إلا أن بعض الجمعيات الصحراوية و الناشيطين الأمازيغ يؤكدون أن الحكومة تعتقل أشخاصا بسبب نشاطهم السياسي أو معتقداتهم. و بخصوص حرية التجمع التي يفرض القانون الحصول على ترخيص مسبق من وزارة الداخلية قبل القيام به، تشتكي بعض المنظمات غير الحكومية من أن السلطات لا تمنح هذا الترخيص في الوقت الملائم لتثبيط الجهة المنظمة.. و سجل التقرير فيما يخص حرية التنقل و السفر للخارج أن هذا الحق يتم احترامه عموما. كما سجل أن الحكومة المغربية تواصل منح الصحراويين وثائق السفر فيما تشجع عودة الصحراويين إلى بلدهم إذا ما اعترفوا بسلطة الحكومة على الصحراء. و تتعاون الحكومة المغربية مع المفوضية العليا للاجئين و مختلف المنظمات الإنسانية من أجل تقديم الرعاية و الحماية للاجئين. و بخصوص الحقوق السياسية للمواطنين تحدث التقرير عن هذا الحق من خلال الانتخابات عن طريق الاقتراع العام لاختيار ممثليهم في البرلمان أو في المجالس المحلية. و أشار التقرير إلى التعديلات الدستورية الجديدة التي منحت رئيس الحكومة عدة اختصاصات جديدة كانت في السابق ضمن اختصاصات الملك و قد خول القانون للمجلس الوطني لحقوق الإنسان صلاحية الإشراف و تسهيل عمل المراقبين المحليين و الدوليين للانتخابات. وقد أجمعت أغلب الأحزاب و المراقبين على أن الانتخابات التشريعية جرت بشكل حر و نزيه و شفاف. و بخصوص الأحزاب السياسية فقد تم تسهيل عملية إنشاء و تسجيل الأحزاب السياسية في البلاد، شريطة ألا تعارض النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو الوحدة الترابية للبلاد. و رغم أن الدستور يمنع أي تمييز في الجنس أو العرق أو الأصل أو الوضع الاجتماعي أو المعتقد إلا أن هناك حالات تمييز في كل من هذه المعايير. كما أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها حول حقوق الإنسان في الصحراء ، قدمت فيه على عادتها موجزا تاريخيا حول المنطقة و التطورات السياسية التي عرفتها، ذاكرة أن المغرب يبسط سيادته عليها و أن تسعة برلمانيين يمثلون جهات الصحراء في البرلمان المغربي بمجلسيه. و فيما يتعلق بخصوصية المشاكل التي تعرفها حقوق الإنسان في الصحراء - يقول التقرير- إنها تلك المتعلقة بمنع الحكومة المغربية لدعاة الاستقلال (الانفصال) يقول التقرير إنه على عكس السنة السابقة ((2011، فإنه لم يحصل أي حادثة مست حياة فرد من الأفراد بهذه المنطقة. كما لم يسجل أي اختفاء أو اختطاف لأسباب سياسية. و يقدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان تعويضات، بما فيها المساعدة المالية و الرعاية الصحية للصحراويين الذين اعتقلوا أو أفراد أسر الذين اختفوا خلال السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي. و خلال هذه السنة ((2012 أوصت شعبة العيون للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بتقديم 141 رخصة طاكسي و 108 منزلا و 81 منصب شغل في وزارتي العدل و الداخلية لفائدة ضحايا الاختفاء القسري أو أقربائهم. كما يواصل المجلس الوطني لحقوق الإنسان تحرياته و تحقيقاته في الشكايات المتعلقة باختفاء آخرين. تتحدث تقارير موثوق بها عن ممارسة التعذيب خاصة حيال دعاة الاستقلال. و قدم التقرير مثلا على ذلك ما تعرضت له أميناتو حيدر بعد لقائها مع المبعوث الأممي «كريستوفر روس»، حيث تعرضت للضرب و هو ما أدانه مركز روبيرت كينيدي للعدالة و حقوق الإنسان و منظمات حقوقية أخرى و يواصل التقرير أن «دعاة الاستقلال يزعمون أن السلطات المغربية تلفق لهم التهم». أما باقي التقرير فقد نسخ ما قاله بالتقريب في التقرير المتعلق بالمغرب.