الحديث عن الانتخابات السابقة لأوانها, هو حديث في الدول التي تعرف ديمقراطية حقيقية تتصارع فيها الأحزاب بطريقة شفافة وتنافسية، يتم فيها استعمال وسائل مشروعة بين الفرقاء السياسيين في نفس مقاييس المساواة بينهم. الحديث عن انتخابات سابقة في ظروف تحكمها آليات أخرى غير آليات التنافس السياسي الشريف، كاستعمال الدين في السياسة واستعمال المال الحرام في السياسة يجعل كل حديث عن الانتخابات دون توفر الحد الأدنى من ضمان عدم استعمال هاتين الوسيلتين اللتين تفسدان العملية الانتخابية, هو حديث غير شفاف وغير واضح. الحكومة اليوم قبل أن تتكلم عن انتخابات سابقة لأوانها، يجب أن تقدم للشعب المغربي والفاعلين السياسيين ما هي الآليات القانونية والسياسية التي من شأنها أن تجعل هذه الانتخابات معبرا حقيقيا عن الرأي العام وعن الإرادة الشعبية لجميع المواطنين. وما يدفع إلى هذا الاحتزاز، ما عرفته الانتخابات الجزئية الأخيرة التي تبادلت فيها الأحزاب المكونة للحكومة تهماً باستعمال وسائل غير مشروعة لفوز هذا الحزب أو ذاك في هذه الدائرة أو تلك. لهذا مطلوب من الحكومة الآن قبل أن تتكلم عن انتخابات سابقة لأوانها، وبما أنها ترفع شعار الاصلاح، عليها أن تقدم القوانين التي من شأنها أن تصلح العملية الانتخابية وتطهرها، حتى يمكن للمغاربة أن يسترجعوا ثقتهم في الانتخابات، ويقبلوا على التصويت والمشاركة فيها حتى لا تبقى نسبة المشاركة في الانتخابات أقل من 20%، كما هو حال جميع الانتخابات السابقة. من جهة أخرى، الحديث عن الانتخابات السابقة لأوانها في الأنظمة الديمقراطية هو إعلان واعتراف بأزمة سياسية تعرفها الأحزاب المشكلة للحكومة في علاقتها مع الأغلبية البرلمانية، التي تساند تلك الحكومة. لهذا في الدول الديمقراطية تلجأ الحكومات لانتخابات سابقة لأوانها، لأنها تفقد أغلبيتها في البرلمان التي تعتبر دعمها التشريعي الذي بواسطته تنفذ سياستها كحكومة منبثقة من البرلمان. السؤال الذي على الحكومة المغربية أن تجيب عنه اليوم هو، هل فقدت أغلبيتها البرلمانية دون أن يعلم المغاربة بذلك، وإلا لماذا تطالب بإجراء انتخابات سابقة لأوانها، لهذا هذه التصريحات اعترافاً بالأزمة السياسية التي تعرفها الحكومة ليس مع المعارضة، ولكن مع الأغلبية المكونة لها. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الموقف الذي يتعين على الحكومة أن تتخذه، ليس هو الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها، وإنما عليها أن تقدم استقالتها وتعلن عن أنها عاجزة عن تدبير الشأن العام مع أنها تتوفر على أغلبية مريحة في البرلمان. أما من الناحية الدستورية، فإن الانتخابات السابقة لأوانها لا تكون ممكنة دستورياً، إلا بعد حل البرلمان، وأن دستور 2011، في إطار الاختصاصات الكبيرة التي أصبح يمارسها رئيس الحكومة، والتي كانت اختصاصا خاصا للملك في الدساتير السابقة، له الحق كذلك في المطالبة بحل البرلمان، طبقا للفصل 104 من الدستور. ويتبين من كل ما سبق، أن القرار السياسي والدستوري والقانوني هو بيد الحكومة وأغلبيتها، وهو ما يثير ويؤكد مرة أخرى، أن هذه الحكومة عاجزة عن خلق وإبداع الحلول للمشاكل التي يعرفها المغرب. ويمكن أن نقارن الوضعية الاقتصادية والمالية والاجتماعية اليوم مع الوضعية الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تولى فيها الاتحاد رئاسة حكومة التناوب، والذي استطاع أن يبدع الحلول للوضعية الخطيرة التي وقف عليها المرحوم الحسن الثاني.