ومن المفيد الإشارة في هذا الصدد، إلى أن جهة الصحراء ستتوفر على الشرطة المحلية (الفقرة 12 من المبادرة) وهو اختصاص قلما تتوفر عليه مناطق أو جهات متعددة ذات حكم ذاتي عبر العالم. ففي إسبانيا مثلا، التي تتمتع مناطقها السبعة عشر بحكم ذاتي، لا تتوفر على شرطة محلية مستقلة إلا منطقة كاطالونيا ومنطقة الباسك بينما لا تملك شرطة من هذا النوع باقي المناطق «المستقلة» رغم تعدد صلاحياتها. ويتعين الإشارة أيضا في موضوع اختصاصات جهة الصحراء، إلى الجديد الذي حملتة الفقرة 15 من المبادرة بالسماح للجهة المذكورة بممارسة العلاقات الخارجية بالنسبة لكل القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات هذه الجهة، حيث يجوز لجهة الحكم الذاتي للصحراء، بتشاور مع الحكومة، إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات. وبفضل هذا الاختصاص، يقترب مشروع الحكم الذاتي لجهة الصحراء بالنظام الأساسي لجهتي آصور ومادير بالبرتغال (Açores-Madère ) حيث تمارس الجهتان أيضا صلاحيات في مجال التعاون الخارجي. بالنظر في اختصاصات جهة الحكم الذاتي للصحراء وفي الاختصاصات الحصرية للدولة، يلاحظ على مستوى المقارنة مع تجارب دولية أخرى، أن الاختصاصات الحصرية التي احتفظت بها دولة الدانمارك مثلا في علاقتها مع جزيرة فيروي (Féroé) المتمتعة بحكم ذاتي، تفوق بكثير الاختصاصات التي احتفظت بها الدولة المغربية في علاقتها مع جهة الصحراء, حيث لا يدخل في اختصاص جزيرة فيروي كل ما يتعلق بمجالات النقل الجوي والكنيسة وحماية المجال البحري ومراقبة الصيد والبحار والوقاية المدنية والقضاء والشرطة والسياسة الخارجية .. أما الاختصاصات التي لم تخول للجهة فقد اقر المقترح مبدأ الحلول أو التفريع حيث خولت السلطة المركزية صلاحية القيام بهذه الاختصاصات مع إبقاء امكانية مفتوحة لتفويض هذه الصلاحيات للجهة. ب - توزيع الموارد إن توزيع الموارد بين السلطة المركزية وبين مناطق أو جهات الحكم الذاتي يظل المعيار الأكثر وزنا لقياس درجة الحكم الذاتي المخول لكل مستوى من مستويات التنظيم الترابي. غير أن ضمان توزيع الموارد المالية بين السلطة المركزية والمؤسسات الجهوية لا يشكل نقطة تشابه بين جميع التجارب الدولية. وكمثال لهذا الواقع، يلاحظ أن الاستقلال المالي مازال هشا في الجهات الإيطالية والنمساوية، وهو أكثر تقدما في مناطق الحكم الذاتي في إسبانيا والبرتغال، و بالمقابل فتجربة ألمانيا وبلجيكا في التعاون الاقتصادي والمالي يبقي السند الأساسي للاستقلال المالي وتجدر الإشارة إلى أن توزيع الموارد المالية في النموذجين الفيدراليين الأخيرين تم التنصيص عليه في فصول الدستور (19). إن الموارد المالية لجهات الحكم الذاتي في التجارب المقارنة لا تتكون من المساعدات أو التحويلات التي تقدمها الدولة فحسب، وإنما تشمل كذلك الموارد الذاتية والحصص الضريبية التي تستغلها الدولة بالمجال الجهوي والتي تكون ذات طبيعة وطنية. ولم يخرج المقترح المغربي بخصوص الحكم الذاتي عن المساطر الجاري بها العمل في التجارب الدولية, إذ تطرقت الفقرة 13 من المقترح لموضوع توزيع الموارد حيث خولت المناطق الصحراوية الموارد التالية: - الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيئات المختصة للجهة؛ - العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية المرصودة للجهة؛ - جزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة؛ - الموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني؛ - عائدات ممتلكات الجهة. إن تخصيص جهة الصحراء بهذه الموارد يُقرب المقترح المغربي بالنموذج الإسباني الذي حددت فيه الموارد المالية لمناطق الحكم الذاتي، بصفة عامة، طبقا لنفس المعايير، حيث نصت المادة 157 من الدستور الاسباني لسنة 1978 على الموارد المالية للجهات والتي تتجلى في الضرائب والرسوم المحلية وفي الضرائب الوطنية المستخلصة بالجهة وفي مساعدات الدولة وفي عائدات الأملاك الجهوية والقروض. ان تمكين الجهة من موارد ذاتية جعلت المقترح المغربي يذهب ابعد مما هو موصى به طبقا لتوصيات لاند بالسويد (Lund) ، تلك التوصيات التي رفضت منح الجهات اختصاص ذاتي في المجال المالي (20). ج - الرقابة إن احترام مبدأ توزيع الاختصاص بين الدولة والجهات ذات الحكم الذاتي يعد أهم سند في نجاح أنظمة الحكم الذاتي. لهذا الغرض، دأبت مختلف الدول إلى تكليف الأجهزة القضائية بها، بمراقبة مدى احترام توزيع الاختصاص بين الدولة وجهات أو مناطق الحكم الذاتي وغالبا ما تسند هذه الصلاحية للأجهزة المكلفة بمراقبة دستورية القوانين. فبالنظر إلى التجارب المقارنة التي أوكلت إلى القضاء الدستوري مهمة السهر على احترام توزيع الاختصاصات والصلاحيات بين الدولة والجهة، نجد أن المحكمة الدستورية في إسبانيا هي المختصة بالبت في المنازعات حول توزيع الاختصاصات بين الدولة والجهات، أو الجهات فيما بينها وذلك طبقا للمادة 161 من الدستور الإسباني، كما يسند، عملا بالمادة 134 من الدستور الإيطالي، للمحكمة الدستورية أيضا اختصاص النظر في النزاع بين الدولة والجهات المستقلة في مجال توزيع الاختصاصات بينها. في المغرب، تحدثت الفقرتان 22 و 23 من المقترح عن محكمة عليا جهوية تتولى، باعتبارها أعلى هيئة قضائية بجهة الحكم الذاتي للصحراء، النظر انتهائيا في تأويل قوانين الجهة، دون إخلال باختصاصات المجلس الأعلى والمجلس الدستوري للمملكة دون إغفال التشديد على وجوب احترام ومطابقة كل القوانين التشريعية والتنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن جهات الحكم الذاتي للصحراء لنظام الحكم الذاتي في الجهة، وكذا لدستور المملكة. بهذه المسطرة، يبدو أن المقترح المغربي قد اقتبس من الدستور الاسباني، وخاصة المادة 152 منه، التي حددت أعلى مسؤول عن التنظيم القضائي في تراب المناطق ذات الحكم الذاتي، في المحكمة العليا للقضاء التي تتم مساهمتها في المجال القضائي في التراب المذكور. كما نصت على نفس المسطرة أيضا المادة 95 من النظام الأساسي(statut) لمنطقة أو جهة كاطالونيا التي تنص عن كون المحكمة العليا للقضاء بكاطالونيا تعد الجهاز الوحيد الذي يوحد النظام القضائي لهذه الجهة مع اختصاصه بالسهر على وحدة وتأويل القانون بكاطالونيا (21). 2 - انتخاب رئيس الحكومة من طرف البرلمان الجهوي يُحدث المقترح المغربي لنظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء، على منوال الضوابط الدولية بخصوص الحكم الذاتي، مؤسسات محلية بجهة الصحراء، تهم البرلمان (الفقرة 19)، والحكومة (الفقرة 20و 21) ومحاكم قضائية (فقرة 22 ? 23 ). ويسجل المشروع بشكل متقدم طريقة انتخاب رئيس الحكومة الجهوية ، حيث سيتم انتخابه من طرف البرلمان الجهوي أولا قبل أن يتم تنصيبه من طرف الملك (فقرة 20).تبرز إيجابية هذا المقتضى، ليس فقط على الصعيد الوطني , وإنما أيضا على المستوى المقارناتي، فالمقترح المغربي يعتبر متقدما بشكل كبير حتى بالنسبة لما هو معمول به في التجارب الدولية كالبرتغال مثلا، حيث يعين رئيس الحكومة الجهوية من طرف الوزير المنتدب لدى السلطة المركزية لدى الجهة، كما أن باقي أعضاء الحكومة، هم الآخرون، يعينون من طرفه باقتراح من رئيس الحكومة الجهوية (المادة 233 من الدستور البرتغالي). إن رئيس الحكومة في جهة الصحراء، بطريقة انتخابه هذه، يعد مسؤولا أمام البرلمان الجهوي كما يمارس رئيس الحكومة، من جهة أخرى، السلطة التنفيذية ويشكل حكومة الجهة ويعين الموظفين الإداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكولة إليه، بموجب نظام الحكم الذاتي (فقرة 20 و21) تكتسي طريقة انتخاب رئيس الحكومة الجهوية طبقا للمقترح المغربي، أهمية بالغة, خصوصا عند التمعن في تركيبة برلمان الحكم الذاتي للصحراء الذي يتكون من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية (23)، وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة (الفقرة 19) إن هذه التركيبة المزدوجة لبرلمان الحكم الذاتي للصحراء ومسؤولية هذا الأخير في انتخاب رئيس الحكومة الجهوية (24)، يبرهنان أن حكومة جهة الحكم الذاتي للصحراء تستجيب لمعايير الحكومة البرلمانية (25). 3 - الضمانات الدستورية للحكم الذاتي إضافة إلى احترام المعايير الدولية في مجال الحكم الذاتي وإلى اختيار رئيس الحكومة الجهوية بالانتخاب من طرف البرلمان الجهوي، سجل المقترح المغربي نقطة ايجابية ثالثة تتمثل في الضمانة الدستورية الممنوحة لنظام الحكم الذاتي وذلك قياسا لأهمية هذا المعطى في التجارب المقارنة للحكم الذاتي . في مسار الموافقة على نظام الحكم الذاتي وتفعيله، يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر ضمن استشارة ديمقراطية. فضلا عن هذا، وطبقا للفقرة 29 من المبادرة، تتم مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، وعليه فالدستور المغربي سيكون موضوع مراجعة لتضمينه نظام الحكم الذاتي وذلك بهدف منح هذا الأخير استقرارا ومكانة ضمن المنظومة القانونية للمملكة.(فقرة 29) في هذا الصدد، ينبغي إبداء ملاحظتين: الأولى من حيث الشكل والثانية من حيث المضمون. فمن حيث الشكل ينتج عن هذا المقتضى اتخاذ إجرائين. يكمن الإجراء الأول أوالخطوة الأولى في مراجعة الدستور بينما تتجلى الخطوة الثانية في إدراج نظام الحكم الذاتي داخل الوثيقة الدستورية (26) أما على مستوى المضمون، فستكون لنظام الحكم الذاتي، المُدرج في الدستور، نفس القيمة القانونية التي تكتسيها باقي الفصول الدستورية، الشيء الذي يترتب عنه أن كل تعديل أو إصلاح لنظام الحكم الذاتي يمر أولا عبر مراجعة الدستور، ماعدا في حالة نص نظام الحكم الذاتي نفسه على مسطرة أخرى خاصة بتعديله . وهنا تجدر الإشارة إلى أن النموذج الاسباني مثلا عالج مسألة تعديل الآنظمة الأساسية للحكم الذاتي من خلال ما هو مسطر بالدستور (27) ومن خلال ما هو منصوص عليه بالأنظمة الخاصة للحكم الذاتي (28). بينما نصت في نفس الإطار، المادتان 2 و 4 من الميثاق الأوربي للحكم الذاتي، تفضيل الاعتماد على الدستور لتقنين كيفية ومسطرة تعديل الأنظمة الأساسية للحكم الذاتي لأن تعديل الوثيقة الدستورية يتطلب على الأقل حدا معينا من الإجماع، خصوصا مع العلم أن الهدف الأساسي وراء هذا يكمن في ضمان استقرار الذي يبقى وحده الضامن لسكينة ومستقبل السكان المعنيين بالحكم الذاتي (29). إن ما أشار إليه مقترح الحكم الذاتي لجهة الصحراء بخصوص إدماج نظام الحكم الذاتي داخل الوثيقة الدستورية مع ما يتبع ذلك من إجراءات خاصة في حالة تعديله، يجعل أن المقترح المغربي يرقى إلى صف أهم التجارب الدولية المميزة في مجال الحكم الذاتي مع تجاوزه أحيانا لما أخذت به البعض منها، كفرنسا مثلا التي لم يتطلب إقرارها لنظام أساسي لكورسيكا سوى تغييرات طفيفة على مستوى وثيقتها الدستورية. 30 II- التوفيق بين الحكم الذاتي ووحدة الدولة على غرار التجارب الجهوية أوتجارب الحكم الذاتي بالبلدان الموحدة البسيطة، لم يغفل المشروع المغربي الإشارة إلى أهمية وضرورة التوفيق بين وحدة الدولة ومنح حكم ذاتي للصحراء المغربية. ولهذا السبب خص المقترح تمثيل الدولة بالجهة بوضعية خاصة وذلك للسهر على وحدة البلاد من جهة، والرفع من مستوى الحكم الذاتي لجهة الصحراء من جهة ثانية. أ- تمثيل الدولة بالجهة طبقا للفقرة 16 من المبادرة، يزاول مندوب للحكومة اختصاصات الدولة في جهة الحكم الذاتي للصحراء المنصوص عليها في الفقرة 14 الخاصة بالاختصاصات الحصرية التي تحتفظ بها الدولة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تمثيل الدولة بجهة الصحراء لا يقتصر على ممثل أو مندوب الحكومة فقط، وإنما أسندت مهمة تمثيل الدولة أيضا لرئيس الحكومة الجهوية طبقا للفقرة 20 من المبادرة, إذ يطالب هذا الأخير بالتعبير عن رمزية وحدة البلاد من خلال مهمة التمثيلية العادية على مستوى الجهة, بينما تعود التمثيلية الحصرية للدولة داخل جهة الصحراء لمندوب الحكومة. إن المقترح المغربي بتنصيصه على هذا التمثيل المزدوج يكون قد اخذ بما هو معمول به باسبانيا مثلا، التي نص دستورها في مادته 152 على أن رئيس الحكومة المستقلة يعتبر في آن واحد المسؤول عن قيادة المجلس الحكومي المستقل وعن التمثيل العادي للدولة بالجهة. وقد ضُمنت مسألة تمثيل الدولة بالجهة أو الجهات ذات الحكم الذاتي في كل التجارب الدولية مع اختلاف إسم الشخصية المكلفة بتمثيل الدولة داخل الجهة. فقد تراوحت التسميات المذكورة بين «مندوب» في ايطاليا (31) والدنمارك (32) إلى «وزير الجمهورية» في البرتغال (33) إلى «مفوض الحكومة» في إسبانيا (34). أما القاعدة العامة بخصوص تعيين الشخصية المكلفة بتمثيل الدولة داخل الجهة، فهي تتمثل في منح رئيس الدولة هذه الصلاحية. ورغم الاختلاف الطفيف بين صلاحيات ممثل الدولة في الجهة عبر مختلف التجارب الدولية، فإن مهمة هذا الأخير تقوم أساسا على التنسيق بين المصالح الجهوية ومصالح الدولة داخل التراب الجهوي. ب- التضمين الدستوري للشكل الموحد للدولة وللحكم الذاتي إن منح الصحراء وضع الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب كدولة موحدة، طرح مصير شكل هذه الأخيرة فيما بعد للمصادقة على مبادرة الحكم الذاتي لجهة الصحراء. وهنا من المفيد الإشارة، كما يذهب إلى ذلك كلسن، إلى أن الحكم الذاتي هو لا مركزية موسعة في إطار دولة موحدة (H.Kelsen 1979 ) ) 35 ويترتب عن هذا، التضمين الدستوري للمقتضيين معا: مقتضى الشكل الموحد للدولة ومقتضى ثان يهم نظام الحكم الذاتي . فبالنظر إلى التجارب المقارنة، يلاحظ أن الشكل الموحد للدولة والحكم الذاتي الممنوح لجهة أو أكثر منها، حظيا بضمانات دستورية ولا يشار إلى واحدة إلا والأخرى بجانبها، كما هو الحال مثلا بالنسبة لإيطاليا وإسبانيا والبرتغال. فرغم نص الدستور البرتغالي لسنة 1976 على تمتع جهات آصور ومادير بحكم ذاتي فإن مبدأ وحدة الدولة حظي بدوره بتشديد في الدستور, خصوصا مع اعتبار الشكل الموحد للدولة من بين المسائل التي لا يمكن مراجعتها دستوريا، (المادة 288 من الدستور البرتغالي). أما القضاء الدستوري الاسباني فهو الآخر ذهب في نفس الاتجاه حيث أكدت المحكمة الدستورية الاسبانية في أول حكم وهي تبت في مسالة الحكم الذاتي سنة 1981 ما يلي « قبل كل شيء وبشكل واضح يتأتى أن الحكم الذاتي يحيل إلى سلطة محدودة وعليه فالحكم الذاتي ليس بالسيادة......إن كل تنظيم ترابي محلي حائز لوضعية الحكم الذاتي لا يمكن أن يأخذ معناه الحقيقي إلا في ظل وحدة الدولة وليس العكس كما تؤكد على ذلك المادة 2 من الدستور الاسباني». إن المحكمة الدستورية تكون بقرارها هذا قد أكدت أن الحكم الذاتي لا يعني النقيض لوحدة الدولة. وفي نفس الإطار، أكد الدستور الدنماركي لسنة 1948 في مادته الأولى على أن سكان جزيرة فيروي (Féroé)يمارسون صلاحياتهم الممنوحة لهم بموجب الحكم الذاتي في ظل وحدة المملكة. بالنسبة للمغرب، إن تنظيم العلاقة بين الحكم الذاتي والسلطة المركزية بالمغرب لا يمكن أن يخرج عما تمت الإشارة إليه، سابقا، في القانون المنظم للجهة من خلال مادته الثانية ,حيث إن تأسيس الجهة والتنظيم الجهوي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يمس بوحدة الوطن والوحدة الترابية للمملكة، ولا أن يخالف ما نص عليه تصدير دستور 2011 ، الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الدستور، من أن «...المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير، تؤكد وتلتزم بما يلي...» إن منح الحكم الذاتي لجهة الصحراء يتم في إطار وحدة الدولة وسيادتها الكاملة. إلا أنه بصفة موازية لمبدأ وحدة الدولة، فإن إقرار الجهوية الموسعة ودسترتها في الباب التاسع من دستور 2011، يُفضي إلى التفكير في مستويات متباينة لوضعية جهات المغرب: حكم ذاتي متقدم لجهة الصحراء وجهوية موسعة متقدمة لباقي الجهات المغربية، وهو الأمر المتداول في التجارب المقارنة للدول الموحدة الآخذة بالحكم الذاتي لجهة أو أكثر من جهاتها أو مناطقها. III- تباين مستويات الحكم الذاتي إن منح الأقاليم الصحراوية نظام حكم ذاتي صاحبه نقاش حول مدى توسيع هذا النظام لباقي جهات المملكة، ثم ما مدى حجمه بالنسبة لجهة الصحراء نفسها بالنظر إلى التجارب المقارنة التي تحيلنا في مجال الحكم الذاتي إلى حلول مختلفة تبعا بالظروف والمراحل التاريخية لكل دولة. إن الظروف التاريخية لكل بلد تبقى هي المتحكم الرئيسي في المسار العام لكل نظام حكم ذاتي، فمنها من تدفع باتجاه نظام جهوي لكل الأقاليم ومنها من تدفع بمنح حكم محلي لجهة دون أخرى و منها من تلجأ إلى إقرار حكم محلي للجميع, لكن بإقرار تمايز بين جهة وأخرى. أما بخصوص حالة المغرب، فإن لجهة الصحراء وضعية خاصة تتمثل في أن منح حكم ذاتي لها يأتي في إطار إيجاد حل وتسوية لصراع أو نزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو، كما أنه من المفروض أن ترقى باقي الجهات المغربية إلى مستوى أحسن من خلال إحاطتها بموارد مالية أهم وباختصاصات أشمل وأوسع (المسعودي أمينة، 2008).بالتالي، فإن اختلاف ظروف جهة الصحراء مقارنة مع باقي الجهات المغربية تدفع إلى تكريس مستويين متباينين: حكم ذاتي لجهة الصحراء طبقا للمبادرة التي تقدم بها المغرب في سنة 2007 وجهوية موسعة لباقي جهات المملكة عملا بتقرير اللجنة الاستشارية للجهوية لسنة 2010 وتبعا للدستور المغربي لسنة 2011، على الأخص في بابه المعنون بالجهات والجماعات الترابية الأخرى. ويحضر هذا المستوى المتباين من «الجهوية» أو الحكم الذاتي في جل التجارب المقارنة حيث يتأكد من سردها أن الحكم الذاتي لا يوجد على نمط واحد. ففي البرتغال مثلا، لجزر آصور Azores وماضير Madeira وضعية تختلف عن وضعية باقي الجهات البرتغالية، كما منح حكما ذاتيا لجهات الغال والايكوس وايرلندا الشمالية في المملكة المتحدة دون الجهات الأخرى وكانت مناطق كاطالونيا والباسك سباقة في وضعية الحكم الذاتي عن باقي المناطق الإسبانية (إيليسيو آخا، 1999، ص 24) . كما يجد اختلاف أشكال الحكم الذاتي صدى له في الدساتير المقارنة التي تخصص لكل وضع إطاره القانوني. فالجهات الإيطالية تخضع لنظام قانوني مختلف، جهات ساردينيا وسيسيليا تعتبر جهات خاصة, حيث تم منحها هذا الوضع الخاص بعد الحرب العالمية الثانية بينما تعتبر باقي الجهات الخمسة عشر جهات عادية، حيث منحت وضعا عاديا خلال عقد السبعينات. كما أن الدنمارك المقسمة إلى 14 وحدة (Comtés) مُنحت جزيرة فيروي Féroé وضع «جزيرة مستقلة» مند سنة1948 بينما تحظى جزيرة كرينلاند Groenland بوضع « منطقة خاصة» منذ سنة 1979. كما ميز الدستور البرتغالي لسنة 1976 بين جزر آصور وماضير التي خصص لها الباب السابع المعنون ب «الجهات المستقلة» وهي الجهات التي توفرت على أنظمة للحكم الذاتي مند سنتي 1976 و 1980 ، بينما كانت باقي الجهات الإدارية موضوع باب لاحق في نفس الوثيقة الدستورية. أما باسبانيا، حيث قسمت البلاد إلى 17 مجموعة مستقلة، فقد نص الدستور الإسباني على طريقتين مختلفتين لاكتساب وضعية الحكم الذاتي: طريقة سريعة وطريقة بطيئة. يُفضي المسار الأول إلى إحداث مجموعات مستقلة ذات وضع خاص من الدرجة الأولى ويخص الثاني يخص مجموعات مستقلة من الدرجة الثانية (كوندي، 1980 ). يتعلق الأمر بالنسبة للمسار أو الأسلوب الأول بكل من مناطق الباسك وكاطالونيا وغالسيا خلال الجمهورية الاسبانية الثانية بينما التحقت المناطق الأخرى بالحكم الذاتي لاحقا. بمعنى آخر أن الدستور الاسباني نص على طريقتين الأولى سريعة منصوص عليها بالمادة 151 أما الطريقة البطيئة فكانت موضوع المواد 143 و148 (Royo J.P. 2003 ) بنفس المنوال، توجد مستويات متباينة من ال»الجهوية» في أمريكا اللاتينية، وبالأخص في المكسيك وكواتيمالا والبيرو. لذا، وبالنظر إلى تعدد مسارات اللجوء إلى الحكم الذاتي واختلاف ضروراته ومحدداته، فإن مسار الإصلاح الجاري اليوم سينتهي بالمغرب أيضا إلى تبني نظام جهوي متمايز يمتد من جهوية موسعة إلى حكم ذاتي لجهة الصحراء. ففي انتظار نجاح التفاوض حول المبادرة المغربية بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء، وبعد التقرير الذي أعدته اللجنة الاستشارية للجهوية المرفوع للملك في أواخر سنة 2010، خصص الدستور المغربي لسنة 2011 بابا تاسعا مكونا من 12 فصلا (من 135 إلى 146) للجهات والجماعات الترابية الأخرى. يؤسس هذا الباب لجهوية متقدمة ذات جوهر ديمقراطي وذات توجه تنموي وذات « نقلة نوعية في مسار الديمقراطية المحلية» (خطاب العرش في 30 يوليوز 2009) كما ستوضح مقتضيات القانون التنظيمي المنصوص عليه في الفصل 146 من الدستور جميع التدابير المتعلقة بطريقة وأسلوب انتخاب أعضاء المجالس الجهوية وكذا باختصاصات الجهة الذاتية منها والمشتركة والمنقولة. إن إرساء دعائم الجهوية والموسعة والحكامة الترابية بجميع مناطق المملكة، وفي صدارتها الأقاليم الجنوبية، «سيشكل دعما قويا لمبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي ونهائي للنزاع المفتعل حول صحرائنا، وذلك من خلال تفاوض جاد، مبني على روح التوافق والواقعية، وفي إطار المنظمة الأممية، وبالتعاون مع أمينها العام، ومبعوثه الشخصي» (خطاب العرش في 30 يوليوز 2011) إن إنهاء قضية الصحراء سيكون له وقع كبير على التنظيم المحلي وعلى تمويل الجهة, ومن خلالها تطور باقي جهات المملكة (42) وكيفما كان حجم اللامركزية أو الحكم الذاتي، فإن المسار سيبقى مفتوحا للتطور والتطعيم وذلك لإيجاد الصبغة الملائمة للتوفيق بين وحدة الوطن والتعددية والتعدد السوسيو ثقافي. كما سيشكل منح الحكم الذاتي لجهة الصحراء مدخلا لمغرب يقوم على جهات مغاربية ,خصوصا وأن وحدة المغرب العربي حاضرة في جميع النصوص الأساسية للدول المغاربية , كما أن العمل على بناء الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي يعد من بين المبادئ الأساسية التي التزم بها المغرب وأكد عليها في تصدير دستوره لسنة 2011. انتهى