في بعض الأحيان، تعجز كل الملاحظات والتحليلات والتفسيرات عن فهم واقع اقتصادي ، اجتماعي وسياسي ، ويحضر تعليق واحد: ماذا يتبقى من إنسانية الإنسان عندما يتساوى الإنسان والحيوان ويعيشان في بيئة ملوثة وتحت سقف واحد؟ على بعد أمتار من مدينة «المال والأعمال» تتناسل مجموعة من الدواوير التي تتواجد بمجموعة من جماعات إقليم مديونة، يعيش قاطنوها قساوة الطبيعة وتهميش القائمين على الشأن المحلي، حيث لايعيش سكان دواوير لحلايبية والبقاقشة وحيمود بمنطقة عين الحلوف صراع الإنسان مع الإنسان، ولكنهم يعيشون صراع الإنسان مع الحيوان، خاصة تلك الكلاب الضالة التي تتخذ من مطرح النفايات قاعدة للهجوم على ساكنة الدواوير ليلا ونهارا، بالإضافة إلى مجموعة من الحشرات الزاحفة التي أصبحت ضيفا غير مرغوب فيه لدى الساكنة، والتي تتخذ من البرك الآسنة مرتعا لتوالدها . أما عصارة أزبال مطرح النفايات فأصبحت تؤثث فضاءات دوار لحلايبية نتيجة فشل المسؤولين عن المطرح في معالجتها رغم الملايير التي يلتهمها من ميزانية مجلس المدينة ! كما يشهد المطرح يوميا توافد مئات الأشخاص للتنقيب وسط نفاياته للبحث عن القوت اليومي الذي أصبح من المستحيل أن تجده خارج هدا الفضاء، الذي صار بالنسبة للساكنة «شرا لابد منه» ! وعلى بعد أمتار من هذا الواقع المر، تتواجد دواوير الصفيح ببلدية مديونة، التي مازال سكانها يبحثون عن الأمل الذي افتقدوه منذ 20 سنة مضت، كما أنهم لم يستسيغوا الطريقة التي سلكها مسؤولو «ليراك» سابقا في عملية اقتناء أرض على الشياع، إذ طرحوا علامات استفهام كثيرة بشأن عدم مساءلة المسؤولين السابقين، سيما اقتناء أرض مشاعة برسوم عقارية توجد بها عشرات الأسماء مقيدة ضمن المالكين على الشياع، وتركوا أحلام عشرات الأسر تتبخر منذ سنة 1989 تاريخ إبرام المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء عقد شراء على الشياع مع الورثة، وسنة 1995 تاريخ بداية الأشغال لإسكان حوالي 800 أسرة شملها الإحصاء، ولكن إلى حدود كتابة هذه السطور، لم يستطع مسؤولو العمران المكلفون بهذا الملف، حل هذا المشكل بشكل نهائي، ليجد طريقه إلى المحكمة لإنهاء ملف الشياع الذي يمكن أن يعمر عقدا من الزمن للوصول الى الحل ، وعلى ساكنة دواوير الصفيح الصبر وطول العمر بعد سنين من المعاناة. وضع مشابه يعيشه قاطنو دوار الحاج موسى والمساعدة ببلدية تيط مليل، وهو الارث الثقيل الموروث من جماعة سيدي حجاج واد حصار نتيجة التقسيم الإداري الأخير، حيث أن القاسم المشترك بينهما هو المعاناة والحرمان من أبسط البنيات التحتية ، إذ أن أول إحساس ينتابك وأنت تلج منافذه هو الإحساس بالغبن ، خاصة عند مصادفة مجموعة من الأطفال يلعبون وسط مجاري المياه الطافحة بين الأزقة وركام من الازبال المتناثرة على طول جنبات الدوار وفضائه، والتي ساهمت في ظهور مجموعة من الأمراض منها الجلدية والسل والحساسية، كما تجد أسرا تعيش في أقفاص وسط الازبال غير بعيدة عنها حيوانات تعيش في انسجام تام، لا تثير اهتمام احد :أبقار، حمير، أغنام، كلاب... كل شيء يدل على أن هذه الطبقة المعوزة تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة والعيش الكريم رغم شعارات التنمية التي ترفع بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية. فهناك من يتكدس في حيز ضيق أثناء النوم الذي غالبا ما لا يتسلل إلى الجفون بسبب المعارك التي تخوضها القطط أثناء الليل ، والتي يكون السقف مسرحا لها ! أما دواوير جماعة سيدي حجاج فإنها تفتقد إلى أبسط البنيات التحتية من طرقات والإنارة العمومية وغياب وحدات صحية وضعف الصبيب المائي وافتقاده لدى بعض ساكنة الجماعة وغياب مراكز الاستقبال من دور شباب وناد نسوي. أما سكان دوار الحاج صالح ببلدية الهراويين فإنهم يعيشون المرارة من جراء تكوين بركة مائية آسنة بفعل انجراف المياه الناتجة عن التساقطات المطرية التي كانت تستقر بالأراضي التي شيدت بها المباني التي خصصت لساكنة كاريان سنطرال، وذلك بسبب تقاعس مصالح ليدك لإيجاد الحل والغياب التام لرئيس المجلس الحضري، الشيء الذي نتج عنه انتشار الحشرات والأمراض المعدية، مما جعل الساكنة تلجأ الى أحد خطباء الجمعة بأحد المساجد، الذي جعل من الأمر درسا طالب فيه المسؤولين بضرورة الإصلاح ، خاصة جحيم الطريق التي تمر من أمام مقر البلدية التي أصبحت كابوسا يؤرق مضجع مستعمليها . إن الغاية من تشخيص هذا الواقع المريض ، هي دق ناقوس الخطر ودعوة القائمين على الشأن المحلي بالإقليم من أجل التحرك وإخراج مجموعة من المشاريع التي تمت المصادقة عليها خلال انعقاد دورات المجلس الإقليمي، إلى حيز الوجود، ووضع مخطط عملي واستراتيجي من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.