غاب كل من الوزيرين الفرنسيين السابقين جون بيير شوفينمان وجاك لانغ (مدير معهد العالم العربي بباريس حاليا)، ومعهما الوزيران المغربيان: وزير الثقافة الحالي، محمد أمين الصبيحي، ووزير المالية الأسبق، محمد برادة، عن فعاليات الندوة التي احتضنتها قاعة إدريس بنعلي، زوال أول أمس الاثنين، في رحاب المعرض، والتي تمحورت حول سؤال» بعد الربيع العربي، أي مستقبل للعلاقات الثقافية الأورو-متوسطية؟» انضافت إلى هذه الغيابات أسماء مغربية وازنة أخرى، تضمنها برنامج الندوة التي ناقشت الحوار بين الثقافات والديانات في ضفتي المتوسط، انطلاقا من مشروع علاء الدين، الذي أطلقته منظمة اليونسكو في مارس 2009، والذي هو برنامج ثقافي وتربوي، يرمي إلى ربط جسور الحوار بين المسلمين واليهود في العالم العربي-الإسلامي وفي أوربا. مع ذلك، كان النقاش غنيا، حضرت ضمنه، في كل التدخلات، قيم التسامح والتعايش المميزة للمغرب. كما شكلت الرسالة التي بعثها الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك للندوة، بوصفه رئيسا للجنة رعاية مشروع علاء الدين، لحظة محورية في فعاليات اللقاء، الذي أداره وزير التعليم الأسبق رشيد بنمختار. عبر شيراك، في رسالته، عن شكره لجلالة الملك وللسلطات المغربية عن حسن استقبالهما لمشروع علاء الدين، الذي انطلق لأجل التعريف بمحرقة اليهود كما حصلت تاريخيا، لكن من غير نية إشعار الأحياء بعقدة الذنب أو تحميل الدول المسلمة مسؤولية لا ناقة لهم فيها ولا جمل. يضيف الرئيس شيراك أن المشروع انتقل، من هدفه الأول هذا، إلى هدف آخر أفسح، يتمثل في تحسين العلاقات بين الغرب العالم العربي-الإسلامي عبر تعريف كل واحد منهما بالآخر واحترام كل طرف للآخر. وأوضحت رسالة شيراك أن كلمة علاء الدين تعني، في الفرنسية والعربية والعبرية، النور، وأنها ترمز للرهان على المعرفة، وقدرة المسلمين واليهود على التفاهم المتبادل وقبول الآخر، خاصة أن الديانتين معا تدعوان إلى التسامح واحترام الآخر. وقالت الرسالة إن عدد الفاعلين في أفق التقارب بين العالمين العربي واليهودي ليس كبيرا، وأن المملكة تعتبر من بينهم. « وهو ما يجب أن نشكرها عليه، يكتب جاك شيراك. فهي تجسد بهذا قدوة للآخرين، ذلك أن الوقت قد حان لكي نستوعب أننا سنكسب جميعا إذا ما تفاهمنا أكثر واحترمنا بعضنا البعض، كيفما كانت أصولنا». وبقدر ما توقف المشاركون في الندوة على إبراز القيم المؤسسة لمشروع علاء الدين، الذي سيعرف امتداد مغربيا عبر نشر الكتب والترجمة لمعرفة الذات والتعريف بالآخر، بقدر ما حللوا المغرب المتسامح والمؤمن بالحوار تاريخيا وراهنا، متوقفين عند احتضانه وحمايته للتعدد مثلما أكد ذلك دستور البلاد الجديد. واعتبرت جل التدخلات أن معرفة الآخر تمر عبر معرفة الذات، وأن الربيع العربي من شأنه أن يفتح آفاقا رحبة للحوار مع الآخر، لكن شرط حمايته من منزلقات التشدد والانكماش على الذات. كما ركزت على أدوار الشباب في الحراك العربي والتحولات التي عرفتها منظومة القيم، مشيرين إلى أن القضية الفلسطينية تشكل عائقا موضوعيا أمام حوار الثقافات، وإلى أن حلها حلا عادلا سيعبد سبل التقارب. هل تعرف ضفتا المتوسط، حاليا وبعد الربيع العربي جنوبا وارتفاع صوت الداعين إلى لفظ الآخر شمالا، صياغة مستقبل غايته تأجيج الاختلافات والتمايزات في المجالات الثقافية والدينية...؟ أم أن صفحة الغد ستكتب بمداد يتسامى على التعارضات وينغرس في تربة التقارب؟ هو ذا السؤال الأساس الذي سعت الندوة إلى بداية الجواب عنه، لكن الإجابة الشافية لا تزال ?فيما يبدو-بحاجة إلى مزيد من الجهد الفكري والبيداغوجي من طرف «أصحاب النيات الحسنة».