نظمت جمعية السفارديم الأمريكية، يوم الأحد الماضي، بنيويورك، ندوة علمية دولية حول "ألفي سنة من حياة اليهود في المغرب"، احتفاء بالهوية التعددية لإحدى جماعات السفارديم "الأقدم والأكثر دينامية" في العالم. وتعكس هذه الرحلة الملحمية، التي تمتد على مدى قرون، والمنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، العلاقة الفريدة بين المسلمين واليهود في المغرب، وتشكل نافذة على التاريخ والقيم التي يتقاسمها المسلمون واليهود في المملكة. وأكد سفير المغرب في واشنطن عزيز مكوار أن "هناك مكونا يهوديا في الثقافة المغربية ينبغي معرفته"، مبرزا "الارتباط العميق" لليهود المغاربة بوطنهم. وأضاف مكوار، في افتتاح هذا الملتقى، الذي يختتم أشغاله، مساء أول أمس الاثنين، أن "العديد من اليهود المغاربة غادروا البلاد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إلا أنهم ظلوا متمسكين بوطنهم، وأضحوا سفراء حقيقيين للمملكة في الخارج". وأوضح أن هذا "الرابط مع الوطن متميز، سيما أنه يستمر عبر الأجيال"، قائلا إنه حتى الأجيال الشابة التي لم تعش أبدا في المغرب، تظل شديدة التعلق ببلد أجدادها. واعتبر أن هذا الملتقى يحافظ على هذه الشعلة، ويخول أيضا فهم الواقع التاريخي ليهود المغرب. من جهته، قال سيرج بيردوغو، السفير المتجول لصاحب الجلالة، إن دعم جلالة الملك لهذه التظاهرة "دليل آخر على القناعة الراسخة" لجلالته، على غرار جده المغفور له جلالة الملك محمد الخامس، ووالده المغفور له الحسن الثاني، بأن "اليهود المغاربة طبعوا الهوية المغربية بشكل عميق". وتابع أن هذه المساهمة كانت "لها دلالة كبيرة جدا عبر قرون"، قائلا إن المغرب اليوم "يجتاز مسارا مفتوحا على مرحلة واعدة"، محيلا على خطاب 9 مارس الأخير، الذي أكد فيه جلالة الملك "إرادته وعزمه" على التغيير عبر وضع الخطوط الكبرى للإصلاح الدستوري بغية "تقوية الديمقراطية، وضمان الحريات، واحترام حقوق الإنسان، وإعادة الأمل، والسلم الاجتماعي، وقواعد التعايش" من أجل غد أفضل. وشدد السفير على أن جلالة الملك عمل، منذ بداية عهده، على إرساء مساواة حقيقية بين جميع المكونات التاريخية للأمة، سواء العربية، أو الأمازيغية، أو اليهودية. وفي السياق نفسه، أبرز الأستاذ دانييل شروتر من جامعة مينيسوتا، الخصوصية اليهودية للمغرب في مداخلته حول "الأمازيغ، والعرب، والسفارديم: تنوع الحياة اليهودية في التاريخ المغربي". واعتبر أن هذه الخصوصية "ترتكز على غنى التعددية الثقافية للمملكة الناتجة عن تزاوج ثلاث ثقافات تتمثل في العربية، والأمازيغية، والإسبانية، التي تعد بدورها مزيجا للتلاقي العربي – اليهودي - الأندلسي". كما أكد التركيبة القائمة بين هذه التيارات الثقافية المختلفة، التي ظلت دينامية على مدى قرون. من جانبها، تناولت صونيا الفلوس، الباحثة بالمركز الوطني للبحث العلمي في باريس، مراحل من تاريخ صنع انطلاقا من توافق نجح في الحفاظ على الحضور اليهودي بشمال إفريقيا على مدى آلاف السنين. وقالت إن "هذا الحضور طبع بكيفية جلية تاريخ اليهود المغاربة، إلى جانب تاريخ الأرض المغربية". وأوضحت الفلوس، "أنه جرى في عهد الدولة العلوية إيجاد التوازن بعد مسار طويل"، حيث أضحى اليهود، في عهد المغفور لهما الملك محمد الخامس، والملك الحسن الثاني، وحاليا في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، جزءا لا يتجزأ من الهوية المغربية. واعتبر المدير التنفيذي للجمعية الأمريكية لليهود السفارديم، ستانلي أورمان، أن رفض أب الأمة المغفور له الملك محمد الخامس، القرار العنصري ضد اليهود المفروض من طرف نظام فيشي يعد "عملا أخلاقيا شجاعا"، مشيرا إلى أن العمل الشجاع الآخر يتمثل في قول صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في رسالة موجهة لمؤتمر إطلاق "مشروع علاء الدين"، بخصوص حادث المحرقة اليهودية، أن "قراءتنا هذه تنكب على تمحيص ونبش أحد الجروح التي تختزنها ذاكرتنا الجماعية، والتي عملنا على إلحاقها بإحدى الوقائع التاريخية الأكثر إيلاما ضمن فصول التراث الكوني". وأتاحت هذه التجارب الفريدة لهذه الجالية، التحرر وممارسة تعاليمها الدينية بكل حرية وانفتاح، بفضل حماية الملوك العلويين وتسامح المجتمع المغربي المسلم. وأوضح رئيس الجمعية الأمريكية لليهود السفارديم، دافيد دانغور، أن "هدف جمعيتنا هو دعم وتعزيز التاريخ الثقافي والروحي والتقاليد المجتمعية لطوائف السفارديم، سيما المغربية، إلى جانب تعزيز تموقعها". وتنعقد هذه الندوة التي تختتم تظاهرة افتتحت في بداية أكتوبر الماضي، بهدف تثمين تراث مشترك ذي مظاهر متنوعة (التاريخية والدينية والثقافية)، نتيجة التعايش بين ثقافات وأديان مختلفة. وستتناول هذه الندوة العلمية، التي ينشطها شخصيات وجامعيون مرموقون، والتي ستعرف تكريم الأستاذ حاييم زفراني، المؤرخ والمتخصص في اليهود السفارديم، مواضيع مختلفة، من بينها "يهود المغرب منذ القدم إلى العصر الحالي"، و"تطور حياة اليهود"، و"اليهود المغاربة والفنون"، و"المغرب ويهوده: الذاكرتان التاريخية والاجتماعية"، و"مساهمة الحاخامات المغاربة في الفكر اليهودي العالمي"، ومساهمة الجالية اليهودية المغربية"، و"اليهود في المغرب حاليا: الحفاظ على الصلات". وخلصت نائبة رئيس الجمعية الأمريكية لليهود السفارديم، فلورانس أمزلاغ تاتيستشيف، إلى أن "هذه الندوة العلمية تعد شاهدا على الحضور القوي للجالية اليهودية المغربية في الولاياتالمتحدة. فاليهود المغاربة يحملون أينما وجدوا شغف ثقافتهم وهويتهم المغربية، ويظلون أوفياء لها رغم التحولات التي يعرفها العالم". وخلال هذه الندوة، أبرز الحاخام بنشيمول، عن هيئة السفارديم بمانهاتان، الحرية التي تتمتع بها الطائفة اليهودية بالمغرب، بلد التسامح والتعايش بين مختلف الطوائف الدينية في احترام متبادل. وذكر بالعناية السامية التي أولاها على الدوام ملوك المغرب للطائفة اليهودية المغربية، مشيرا إلى أن المملكة تعد نموذجا ومثالا يحتذى، مبرزا إسهام أمير المؤمنين في حماية التراث المقدس لدى كل المغاربة. ورفع الحاخام بنشيمول دعوات بالنصر والتمكين لجلالة الملك محمد السادس، والرحمة والمغفرة لجلالة المغفور لهما الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما.