نظمت جمعية السفارديم الأمريكية، الأحد 15 ماي بنيويورك، ندوة علمية دولية حول "ألفي سنة من حياة اليهود في المغرب" احتفاء بالهوية التعددية لإحدى جماعات السفارديم "الأقدم والأكثر دينامية" في العالم. وتعكس هذه الرحلة الملحمية التي تمتد على مدى قرون، والمنظمة تحت رعاية الملك محمد السادس، العلاقة الفريدة بين المسلمين واليهود في المغرب وتشكل نافذة على التاريخ والقيم التي يتقاسمها المسلمون واليهود في المملكة.
وأكد سفير المغرب في واشنطن عزيز مكوار أن "هناك مكونا يهوديا في الثقافة المغربية ينبغي معرفته"، مبرزا "الارتباط العميق" لليهود المغاربة بوطنهم.
وأضاف مكوار في افتتاح هذا الملتقى، الذي يختتم أشغاله مساء الإثنين، أن "العديد من اليهود المغاربة غادروا البلاد في ستينات وسبعينات القرن الماضي إلا أنهم ظلوا متمسكين بوطنهم، وأضحوا سفراء حقيقيين للمملكة في الخارج".
وأوضح أن هذا "الرابط مع الوطن متميز، لا سيما أنه يستمر عبر الأجيال"، قائلا إنه حتى الأجيال الشابة التي لم تعش أبدا في المغرب تظل شديدة التعلق ببلد أجدادها.
واعتبر أن هذا الملتقى يحافظ على هذه الشعلة ويخول أيضا فهم الواقع التاريخي ليهود المغرب.
من جهته، قال سيرج بيردوغو السفير المتجول للملك محمد السادس ،إن دعم الملك لهذه التظاهرة "دليل آخر على القناعة الراسخة" للملك محمد السادس، على غرار جده الملك الراحل محمد الخامس، ووالده الملك الراحل الحسن الثاني، بأن "اليهود المغاربة طبعوا الهوية المغربية بشكل عميق".
وتابع أن هذه المساهمة كانت "لها دلالة كبيرة جدا عبر القرون"، قائلا إن المغرب اليوم "يجتاز مسارا مفتوحا على مرحلة واعدة"، محيلا على خطاب 9 مارس الأخير الذي أكد فيه الملك "ارادته وعزمه" على التغيير عبر وضع الخطوط الكبرى للإصلاح الدستوري بغية "تقوية الديمقراطية، وضمان الحريات، واحترام حقوق الإنسان، وإعادة الأمل، والسلم الاجتماعي، وقواعد التعايش" من أجل غد أفضل.
وشدد السفير على أن الملك عمل ، منذ بداية عهده، على إرساء مساواة حقيقية بين جميع المكونات التاريخية للأمة، سواء العربية، أو الأمازيغية، أو اليهودية.
وفي نفس السياق ، أبرز الأستاذ دانييل شروتر من جامعة مينيسوتا الخصوصية اليهودية للمغرب في مداخلته حول "الأمازيغ، والعرب، والسفارديم: تنوع الحياة اليهودية في التاريخ المغربي".
واعتبر أن هذ الخصوصية "ترتكز على غنى التعددية الثقافية للمملكة الناتجة عن تزاوج ثلاث ثقافات تتمثل في العربية، والأمازيغية، والإسبانية التي تعد بدورها مزيجا للتلاقي العربي-اليهودي-الأندلسي".
كما أكد على التركيبة القائمة بين هذه التيارات الثقافية المختلفة التي ظلت دينامية على مدى القرون.
ومن جانبها تناولت صونيا الفلوس، الباحثة بالمركز الوطني للبحث العلمي في باريس، مراحل من تاريخ صنع انطلاقا من توافق نجح في الحفاظ على الحضور اليهودي بشمال إفريقيا على مدى آلاف السنين.
وقالت إن "هذا الحضور طبع بكيفية جلية تاريخ اليهود المغاربة، إلى جانب تاريخ الأرض المغربية".
وأوضحت الفلوس، "أنه تم في عهد الدولة العلوية إيجاد التوازن بعد مسار طويل"، حيث أضحى اليهود، في الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، وحاليا في عهد الملك محمد السادس، جزء لا يتجزأ من الهوية المغربية.
واعتبر المدير التنفيذي للجمعية الأمريكية لليهود السفارديم، السيد ستانلي أورمان، أن رفض أب الأمة الملك الراحل محمد الخامس، القرار العنصري ضد اليهود المفروض من طرف نظام فيشي يعد "عملا أخلاقيا شجاعا"، مشيرا إلى أن العمل الشجاع الآخر يتمثل في قول الملك محمد السادس، في رسالة موجهة لمؤتمر إطلاق "مشروع علاء الدين"، بخصوص حادث المحرقة اليهودية، أن "قراءتنا هذه تنكب على تمحيص ونبش أحد الجروح التي تختزنها ذاكرتنا الجماعية، والتي عملنا على إلحاقها بأحد الوقائع التاريخية الأكثر إيلاما ضمن فصول التراث الكوني".
وقد أتاحت هذه التجارب الفريدة لهذه الجالية، التحرر وممارسة تعاليمها الدينية بكل حرية وانفتاح، وذلك بفضل حماية الملوك العلويين وتسامح المجتمع المغربي المسلم.
وأوضح رئيس الجمعية الأمريكية لليهود السفارديم، دافيد دانغور، أن "هدف جمعيتنا هو دعم وتعزيز التاريخ الثقافي والروحي والتقاليد المجتمعية لطوائف السفارديم، لاسيما المغربية، إلى جانب تعزيز تموقعها".
وتنعقد هذه الندوة التي تختتم تظاهرة افتتحت في بداية أكتوبر الماضي، بهدف تثمين ثراث مشترك ذي مظاهر متنوعة (التاريخية والدينية والثقافية)، نتيجة التعايش بين ثقافات وأديان مختلفة.
وستتناول هذه الندوة العلمية، التي تنشطها شخصيات وجامعيون مرموقون، والتي ستعرف تكريم الأستاذ حاييم زفراني، المؤرخ والمتخصص في اليهود السفارديم، مواضيع مختلفة، من بينها "يهود المغرب منذ القدم إلى العصر الحالي"، و"تطور حياة اليهود"، و"اليهود المغاربة والفنون"، و"المغرب ويهوده: الذاكرتان التاريخية والاجتماعية"، و"مساهمة الحاخامات المغاربة في الفكر اليهودي العالمي"، ومساهمة الجالية اليهودية المغربية"، و"اليهود في المغرب حاليا: الحفاظ على الصلات".
وخلصت نائبة رئيس الجمعية الأمريكية لليهود السفارديم، فلورانس أمزلاغ تاتيستشيف، إلى أن "هذه الندوة العلمية تعد شاهدا على الحضور القوي للجالية اليهودية المغربية في الولاياتالمتحدة. فاليهود المغاربة يحملون أينما تواجدوا شغف ثقافتهم وهويتهم المغربية، ويظلون أوفياء لها بالرغم من التحولات التي يعرفها العالم ".