{ في أي خانة يمكن تصنيف داء السل اليوم؟ الصحة بمفهومها العام لم تعد كما هي معرّفة من قبل منظمة الصحة العالمية، أي كل ما يتعلق بالصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية، الآن اصبح التعريف يمر من المحددات الخاصة بالصحة، هذه المحددات تقضي بأن يكون الشخص في صحة جيدة، تتوفر لديه وسائل النظافة، تغذية متوازنة وجيدة، مرتاح جسمانيا مقابل انخفاض درجة القلق والتوتر. هذه المحددات كلها تؤثر على مسببات داء السل وتساهم في تفشيه، وتضعف مناعة جسم الانسان. وبالتالي فإن هذا المرض أصبح اليوم مؤشرا للتنمية، أي مؤشرا لدرجة الفقر، لضعف القوة الشرائية للمواطنين، للاكتظاظ في السكن والسكن غير اللائق، لسوء التغذية وسوء النظافة، ومؤشرا على سوء الحكامة القطاعية في المركز كما جهويا. لهذا في سنة 2000 كان من بين الاهداف التي أسست عليها أهداف الألفية، الهدف السادس من أصل 8 اهداف، وهو محاربة داء السل والوصول إلى 50 حالة لكل مائة الف نسمة في المغرب، بينما اليوم وحسب الاحصائيات الرسمية لسنة 2010 ، يتم تسجيل 82 حالة لكل مائة ألف نسمة، وللوصل إلى هذا الهدف يجب على الأقل تقليص المنحنى بنحو 6 في المائة في السنة. { هل تتوفرون على أية أرقام حول نسب الإصابة بشكل محدد ؟ كنا خلال السنوات الفارطة، نسجل انحدارا جد بطيء يتراوح ما بين 2 و 3 في المائة، بينما اليوم نسجل العكس، إذ أن الارقام هي مستقرة في جهات ومرتفعة في جهات أخرى، منها الدارالبيضاء، مع العلم بأن هناك تضاربا في الارقام بين تلك المسجلة ميدانيا على مستوى هذه المدينة وبين الأرقام الرسمية. { ما السبب في ذلك ؟ ربما ذلك راجع لوجود مشكل ما يجب تداركه وإعادة النظر في كيفية احتساب وتسجيل الحالات، إذ يجب تحيين النظام الذي أحدث منذ سنة 1991 ووقع تحيينه منذ حوالي 8 او 10 سنوات، واليوم اصبح من المستعجل إعادة النظر في هذا النظام لتفادي تضارب الارقام وكيفية تأويلها محليا، جهويا ومركزيا. { من خلال عملكم الميداني، إلى ماذا ترجعون أسباب استمرار حضور داء السل بهذا الارتفاع ؟ يجب التأكيد على أن وزارة الصحة ليست الوحيدة المسؤولة عن الوقاية من داء السل، هي مسؤولة عن التشخيص، والفحص المبكر، والتشخيص بشكل عام، والعلاج مع تتبع المرضى وتقييم مايقع، ومسؤولة عن توفير الموارد البشرية وتهييئها من أطباء متخصصين، ممرضين ومختصين في الاحصائيات والتوعية الصحية، لأن كل هذه المحاور مرتبطة ببعضها البعض. هناك إشكال آخر مرتبط بالحكامة وتدبير برنامج داء السل، فمنذ انطلاق البرنامج الوطني في سنة 1991 ، كان يقع تقييم سنوي من طرف الاطباء المختصين في كل الجهات والاقاليم، وتحديد البؤر والنقاط التي تعرف مشكلا للتركيز عليها، في حين أنه اليوم لاتنفذ هذه المقاربة بالشكل المطلوب، فالمركز لديه برنامج ويشتغل على توصيات محلية وبالتنسيق مع منظمات، لكن إسقاطات القرارات وكيفية تنفيذها بالاقاليم لا تتم بالكيفية المطلوبة. والحال انه في اطار الاستراتيجية الوطنية للجهوية المتقدمة ، سيتم منح الجهات الحق في التكفل بكل القضايا الخاصة بها انطلاقا من خصوصياتها، ومنها الشأن الصحي، وبالتالي وجب توفير امكانيات الاشتغال للمسؤول الجهوي لتحقيق الاهداف المرجوة، وخلق ديناميكية للعمل، وهو للأسف ما لايتم بالشكل المطلوب. نقطة أخرى تتعلق بالهامش الذي منحه الدستور الجديد لتنظيمات المجتمع المدني، وهنا تجب الاشارة إلى أن هناك جمعيتين على الاقل تشتغلان في مجال داء السل، ومنها جمعية الإنقاذ من السل والامراض التنفسية في الدارالبيضاء، والتي لها وزنها وقيمتها وحضورها، لكن تشتغل بدون تنسيق مع المركز والمسؤولين الجهويين، والفاعلين المحليين من أطباء متخصصين وممرضين، وهو ما ينعكس على النتائج المرجوة. { ما الذي يمثله لكم اليوم العالمي لداء السل؟ اليوم العالمي هو محطة لتقييم مدى اشتغالنا في الوقاية من داء السل، هذا الداء الذي يعد مؤشرا لصحة الجهاز التنفسي ،لأن الكل معرض لجرثومة كوخ، لكن مقاومة أجسامنا هي التي تبين صحة هذا الجسم من ذاك، إذ ان صاحب المناعة القوية نادرا ما يصاب، لكن المدخن للسجائر والنرجيلة والمدمن على الكحول، والجسد الذي لا يرتاح صاحبه ويشقى بشكل كبير ولا يمارس الرياضة، لا مناعة له، وهو معرض لكل أنواع الأمراض ومن بينها داء السل، أخذا بعين الاعتبار كذلك جودة الهواء. فداء السل مرتبط بنمط العيش، وصحة الإنسان، وجهازه التنفسي، ومرتبط بالبرنامج الصحي، وهنا تجب الإشارة إلى دور المجالس الجماعية والمنتخبين وباقي المتدخلين في قطاعات أخرى من قبيل السكن والتعمير، هذا الأخير الذي يجب محاربة الاكتظاظ به. { أين تحددون الاكراهات ؟ نقر كجمعية بأن هناك نقصا في الموارد البشرية وخاصة في هذا التخصص لاعتبارات متعددة، منها اختيار الأطباء لهذا التخصص، وهو أمر مشروع، فلكل الحق في اختيار التخصص الذي يريد، ثم هناك توزيع الأطباء، إذ لايمكن تعيين طبيب في منطقة معينة دون توفره على وسائل الاشتغال، وبالتالي وجب توفير البنيات التحتية أقلها الماء والكهرباء لتطعيم آليات العمل ...الخ، ثم هناك مشكل الممرضين نظرا لعدوى المرض، وبالتالي فعدد كبير يرفض القيام بهذا التخصص، مما يستوجب معه تحفيز المهنيين والعاملين جراء الاخطار المعرضين لها في علاقة بداء السل، ووجب اعتماد مقاربة شمولية لأنه مرتبط بكل المؤشرات التي تطرقنا إليها. كما نشدد على مسألة أساسية وهي المرتبطة بضرورة القيام بأبحاث ميدانية، وهنا نؤكد بأن جمعيتنا تقوم بأبحاث في هذا المجال بالنظر إلى تركيبتها القيمة، ولديها شراكات عالمية مع منظمات دولية مختصة في داء السل. * (رئيسة جمعية الإنقاذ من السل والأمراض التنفسية)