بعد مرور سنتين على اندلاع الانتفاضات الشعبية التي هزت الشرق الأوسط، أصبح الذين يتحدثون عن «»ربيع عربي«« قلة، واختفى الأمل الكبير في بزوغ شرق أوسط جديد: حرب أهلية دامية في سوريا، صعود قوي للحركات الإسلامية بمناسبة الانتخابات الحرة، أزمات سياسية واقتصادية خانقة أكثر فأكثر من مصر وتونس، عدم استقرار متصاعد في العراق. مخاوف حول مستقبل الأردن ولبنان، تهديدات بالحرب على إيران بسبب برنامجها النووي. الصورة تزداد قتامة إذا أضفنا إليها منطقة الشرق وضواحيها العربية (افغانستان وشمال افريقيا بما فيها منطقة الساحل وجنوب السودان)، وليبيا تعيش عدم استقرار متزايد، وتنظيم القاعدة انخرط في حرب في الساحل، ولا أحد يستطيع توقع ما سيقع في افغانستان بعد انسحاب الولاياتالمتحدة وحلفائها الأطلسيين سنة 2014. ونستمر في ارتكاب نفس الخطأ، نعتقد مع بداية الثورة بأن الحرية والعدالة انتصرتا على الديكتاتورية والظلم، ولكن التاريخ علمنا بأن ما يتبع لا ينبئ عموما بالأفضل, فالثورة لا تسقط فقط نظاما قمعيا، بل تدمر كذلك النظام القديم وتفتح الطريق لصراع عنيف ودام من أجل السلطة، من أجل إرساء نظام جديد - مسلسل يؤثر كذلك على السياسة الخارجية والداخلية. وليست هناك أية قوة مستعدة ولا قادرة على إرساء تطبيق نظام إقليمي جديد ولا حتى تصور لنظام لبعض أطرافه، والفوضى تهديد دائم بكل ما يحمل من المخاطر والتهديدات للسلم في العالم. وإلى جانب الفقر والتخلف والقمع وارتفاع النمو الديمغرافي والحقد الديني والعرقي ووجود شعوب بدون دول (الأكراد، الفلسطينيون) فإن الحدود في المنطقة تبقى غير مستقرة، والعديد من هذه الحدود صنعتها القوى الاستعمارية - بريطانيا وفرنسا - بعد الحرب العالمية الثانية، وأغلبها ليست لها شرعية قوية باستثناء إيران ومصر. بعض الدول (إيران، العربية السعودية وحتى دول قطر, الصغيرة والغنية) تطمح لأن تصبح قوى إٍقليمية وهو ما يزيد الوضع استفحالا. كل هذه التناقضات تنفجر حاليا في سوريا، حيث يواجه السكان كارثة انسانية بينما العالم أجمع عاجزا، وحتى الآن متحفظا على التدخل، وإذا ما تم استعمال أسلحة يجب أن يكون محدودا سيكون أمرا لا مفر منه، ورغم أن هذا التدخل يجب أن يكون محدودا, فإن الجميع يحاول تفاديه لأن الرهانات كبيرة: ليس فقط لأن ذلك سيعني حربا أهلية مدمرة وآلاما إنسانية كبيرة، بل كذلك سيعني نظاما إقليميا جديدا لكل منطقة الشرق الأوسط. وأي تدخل عسكري سيؤدي إلى مواجهة مع العسكريين السوريين (المدعومين من روسيا والصين)ولكن أيضا مع إيران الشيعية وحزب الله , دراعها في لبنان، إضافة الى أن لا أحد بإمكانه ضمان ألا يؤدي التدخل بسرعة إلى حرب جديدة مع اسرائيل، فمخاطر التحرك وعدم التحرك كبيرة جدا. والكارثة الإنسانية ستستمر لا محالة في سوريا حتى انهيار نظام بشار الأسد، وبعدها ستنقسم البلاد لا محالة وفق تقاطعات عرقية ودينية، وتفكك سوريا قد يؤدي الى بلقنة الشرق الأوسط واندلاع بؤر عنف جديدة، والدول المجاورة مثل لبنان والعراق والأردن لن تستطيع البقاء بعيدا عن تفكك سوريا، نفس الأمر بالنسبة للأكراد في سوريا وبالنسبة للفلسطينيين أو بالنسبة للمسيحيين وللدروز وللأقليات المسلمة الأقل عددا؟و ماذا عن العلويين (العمود الفقري لنظام الأسد) الذين قد يواجهون مصيرا رهيبا بغض النظر عن التقسيم المحتمل للبلاد؟ الأسئلة التي تبقى بلا جواب كثيرة، وعلينا ألا نفقد الأمل في الاتفاقات الموقعة بالطرق الدبلوماسية. ولكن بكل واقعية فرص النجاح تتضاءل كل يوم. منطقة الشرق الأوسط برمتها تتحرك، وإقامة نظام جديد مستقر سيكون بجاحة لكثير من الوقت. وحتى ذلك الوقت تبقى المنطقة خطيرة جدا ليس فقط داخليا, بل أيضا خطيرة بالنسبة للجيران (بما فيها أوربا) وفي العالم. وزير الخارجية ونائب المستشار الألماني الأسبق