قال إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بالرغم من أن الدستور قد وضع إطار مؤسساتيا يقوم على عدة مبادئ واضحة من أجل تكريس استقلال السلطة القضائية، وذلك بدسترة القضاء كسلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية، نلاحظ أن الحكومة متمسكة بتبعية السلطة القضائية لها من خلال الممارسات التحكمية على أرض الواقع لوزير العدل والحريات. وأضاف لشكر في كلمة له خلال ندوة وطنية نظمها قطاع المحامين الاتحاديين حول "استقلال السلطة القضائية دعامة لإصلاح منظومة العدالة" ، يوم السبت الماضي بالمقر المركزي للحزب بالرباط، بالرغم من المبادئ الدستورية الضامنة لاستقلال السلطة القضائية، فإن الممارسة والتطبيق يشهدان على تدخل صارخ في الأعمال ذات الصبغة القضائية ،تمارسه وزارة العدل والحريات، المتمسكة برئاسة النيابة العامة هذا التمسك القائم بالواقع وليس القانون. وفي السياق ذاته سجل لشكر أن سنة قد مرت على تنصيب الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة، وعوض أن تكون هذه السنة مليئة بالأفكار والمقترحات، نلاحظ أن الحكومة ممثلة في وزير العدل والحريات، تستعمل جولات إقليمية شبيه بالجولات السياحية من أجل استعراض العضلات عبر التخويف والوعيد، وأساليب الترهيب التي أصبحت العملة المتداولة في ذلك. وأبرز الكاتب الأول للاتحاد بنفس المناسبة، أن إصلاح منظومة العدالة لم يكن وليد اللحظة أو فرضته متغيرات سياسية واجتماعية حديثة العهد، بل هو محطة من مسلسل شرع فيه المغرب منذ الاستقلال وتعمق أيضا مع حكومة التناوب، المرحلة التي تميزت ببداية إرادة سياسية في تغيير الأوضاع المجتمعية من أجل بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات. وذكر لشكر أيضا أن الخطب الملكية السامية قد شكلت مرجعا هاما وتتضمن العديد من المبادئ والأهداف المتعلقة بإصلاح القضاء وهذا ما تأكد من خلال الخطابين الملكيين الساميين المؤرخين على التوالي 8 أكتوبر و 9 مارس 2011 اللذين يشكلان نقلة نوعية متقدمة في مسار إصلاح منظومة العدالة بالمغرب. وأوضح لشكر كذلك أن مطلب إصلاح العدالة واستقلال السلطة القضائية كان دائما مطلبا لكل القوى الديمقراطية منذ الاستقلال، وانخرط الاتحاد الاشتراكي في ذلك عبر محطات نضالية عديدة بارزة في التاريخ السياسي المعاصر من أجل بناء المغرب الجديد، وتكريسا لدور الحزب التاريخي في ورش الإصلاحات، ثمن الاتحاد تثبيت ذ. عبد الواحد الراضي في منصب وزير العدل للإشراف على إصلاح عميق لورش القضاء. ومن جهته أكد ذ جلال الطاهر منسق قطاع المحامين الاتحاديين، في بداية هذه الندوة على أن استقلال القضاء وإصلاحه وتأهيله وتحصينه ليس وليد اليوم أو اكتشافا جديدا، مسجلا أنه من خلال قراءة في التراث والأدبيات الحقوقية، الصادرة منذ الاستقلال، عن مؤتمرات الأحزاب، وبيانات المحامين خاصة جمعية هيئات المحامين ومنظمات حقوق الإنسان وبقية مكونات المجتمع المدني، تتأكد هذه الحقيقة. وسجل الطاهر في ذات الندوة التي حضرها عدد كبير من المحامين المنتمين لعدد من المدن المغربية ونقباء وحقوقيون، وجمعويون، تراخي السلطة التنفيذية والتشريعية في تحمل مسؤوليتها في تفعيل المقتضيات الدستورية المتقدمة، في مجال السلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة. ومن جانبه جزم النقيب حسن وهبي بأن تحقيق مطلب القوى الحية في الوطن المتجسد في استقلال القضاء والاعتراف به كسلطة مستقلة إلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية، بأنه بداية للخوف والمتاعب، منبها في هذا السياق الى أن الإقرار بسلطة القضاء المستقلة إنما هو من قبيل العديد من الحقوق والمكاسب التي تحفل بها دساتير العالم والمواثيق والمعاهدات، بينما يأبى الواقع في العديد من البلدان والحالات، ونحن منها، إلا أن تكون مجرد حبر على ورق إذا لم توفر لها الإرادات الحقيقية والضمانات الفعلية. وفي ذات السياق ذكر النقيب وهبي أن منظومة العدالة منذ البداية لم تكن في حاجة إلى نص دستوري ولفرض هيبتها، ولكن كانت ودائما وستظل بحاجة إلى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهم كثير داخل المنظومة بكل أطيافها، مسجلا في نفس الآن أن تكوين الرجال والنساء هو المعضلة الكبرى حيث يكلف أضعاف أضعاف ما يتطلبه بناء قصور العدالة لأن الأمر يتطلب تربية أجيال إذا ما توفرت الإرادة السياسية. ودعا وهبي بنفس المناسبة إلى وقفة تأمل لمنظومة العدالة المغربية من أجل نقد الذات، ولكي تتصالح هذه الأخيرة مع قيمها ومثلها المقدسة ولتتصالح كذلك مع محيطها ومع المجتمع قاطبة مكفرة عن أخطائها الذاتية أو التي أجبرت عليها. أما بالنسبة للأستاذ عبد الكبير طبيح المحامي وعضو المكتب السياسي للحزب، فقد آخذ على الحكومة التي تقود حوارا وطنيا حول إصلاح منظومة العدالة منذ سنة، بواسطة وزارة العدل والحريات، افتقادها هي نفسها لرؤية وتصور لهذا الإصلاح، متسائلا في نفس الوقت كيف أن يكون هناك حوار دون أن تكون أرضية لهذا الحوار من قبل الحكومة تظهر من خلالها تصورها لعدد من القضايا التي تهم هذا الورش الوطني الكبير. وأضاف طبيح في نفس الاتجاه أن الحكومة لحد الآن لا نعرف رأيها في قضايا مركزية في استقلال السلطة القضائية، كاستقلال النيابة العامة، كما نجهل كذلك تصور الحكومة في السياسة الجنائية وكيف ستفعل الدستور في مجال استقلال السلطة القضائية واستقلالية النيابة العامة، بل لا نعرف كيف تفكر الحكومة في إصلاح منظومة العدالة، ليخلص طبيح الى أن هذا الحوار حوار وطني بين المجتمع والمجتمع، أما الحكومة فهي صامتة نظريا. وفي آخر مداخلته نبه طبيح في شكل سؤال: هل فعلا أن الحكومة ممثلة في وزارة العدل والحريات، ليس لها تصور في استقلالية النيابة العامة والسياسة الجنائية بالمغرب، وأجاب في نفس الوقت أن عددا من الوقائع والممارسات لوزارة العدل والحريات، أكدت أن هذه الأخيرة تتحرك وفق توجه خاص انفضح أكثر من مرة من خلال خرجات لوزير العدل والحريات في العديد من القضايا خلال هذه السنة. وفي مداخلة له في هذه الندوة التي استمرت إلى غاية المساء، شدد النقيب عبد الرحيم الجامعي على أن دستور 2011 قد استجاب لعدد من المطالب الدستورية التي كانت ترفعها المنظمات الحقوقية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية، كاستقلال المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مبدأ المساواة أمام القانون، ضمان المحاكمة العادلة، ثم ضمان حقوق الدفاع، منع التدخل في القضايا المترافع عنها من السلطة التنفيذية، مبرزا انه لابد من الاجابة بشكل واضح على ما سماه النقيب الجامعي "عددا من المخاطر القائمة والتي تتهدد هذه المبادئ الدستورية. " ما في ما يتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فيجب تحديد المعايير بشكل واضح ومدقق التي تهم القضاة المنتخبين مثلا: هل يمثلون كل الأجيال، وهل يمكن ان تحدد كذلك معايير لغير القضاة ؟ وهل كل الأعضاء تتعارض وضعيتهم مع مهنهم وهل سيؤدون عملهم بدون الأجر المالي، ومن سيساهم في انتخاب هؤلاء القضاة، وهل سيشارك الموظفون القضاة بوزارة العدل والحريات في عمليات الانتخاب؟ وتساءل الجامعي كذلك في سياق عضوية مجلس الأعلى للسلطة القضائية، عن ماهية مدة الأعضاء المنتخبين والأعضاء غير المنتخبين والأعضاء الذين سيمثلون المؤسسات الدستورية من أجل ان يكون تصور شامل وواضح لصلاحية جميع أعضاء المجلس، كما تساءل الجامعي في نفس الوقت عن بعض الاختصاصات للمجلس ، فهل يمكن أن يبحث، ويصدر القرار من تفتيش ويحدد المخالفة ويحيل على نفسه ويؤدب؟ كما طرح إشكالية الجهة الدستورية التي يمكن لها ان تراقب هذه المؤسسات التي من شأنها توطيد استقلال القضاء واستقلال النيابة العامة، مسجلا أنه سؤال محير، بالإضافة إلى طرح إشكالية التخليق بمنظومة العدالة ووضع حد لظاهرة الفساد والرشوة، مبرزا أن المغرب ليس له وصفة سحرية لذلك لكن له العديد من المؤشرات والضوابط العالمية وآليات المحاربة التي تكافح الفساد المستشري لدى القضاء والمتقاضين والمناخ الذي نعيش فيه. واستعرض بنفس المناسبة محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة المجلس المتعلقة بالقانون التنظيمي بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، موضحا الأسباب التي كانت من وراء إعداد هذه المذكرة، وفي مقدمتها الانطلاق من الاختصاصات التي خولها الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يساهم في تعزيز البناء الديمقراطي من خلال النهوض بالحوار الاجتماعي، ثم اعتبارا لكون الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة يشكل فرصة تاريخية لبناء تشاوري للمبادئ الأساسية للسياسات العمومية المتعلقة بإصلاح هذا القطاع الاستراتيجي. وأوضح الصبار أن إعداد هذه المذكرة المتعلقة بالقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تم الاعتماد فيها على دراسة عدد من النصوص القانونية المنظمة للمجالس العليا للقضاء في عدد من البلدان الديمقراطية وتم الأخذ بعين الاعتبار لعدد من المرجعيات المعيارية والتصريحية في إعداد المذكرة تهم التشريعات المغربية والدستور ثم والقوانين الدولية. واختصر مضمون هذه المذكرة للقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، بالحديث عن اختصاصاته، ومقترحات بخصوص تكوين القضاة والمحامين وكتاب الضبط وباقي مهن العدالة ، ثم المبادئ المتعلقة بالاستقلال الإداري والمالي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، تأليف المجلس وكيفيات انتخاب ممثلي القضاة، حقوق وواجبات المجلس الأعلى للقضاة، معايير تدبير المسار المهني للقضاة بالإضافة إلى القواعد المتعلقة بالمسطرة التأديبية وتنظيم وسير المجلس. وكان آخر متدخل في هذه الندوة ذ مصطفى المانوزي رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، الذي دعا الى تكوين جبهة ديمقراطية تضم كل اليساريين والمنظمات الحقوقية لمحاربة انهيار القيم والدفاع عن استقلالية القضاء، والدفع بتفعيل الدستور وتنزيله تنزيلا ديمقراطيا في مجال ورش إصلاح منظومة العدالة بالمغرب.