قبل سنة 2005 لم يسجل فريق المغرب أتلتيك تطوان أي إنجاز يذكر، باستثناء مشاركته في البطولة الاسبانية خلال فترة الحماية، حيث ظلت مسيرته تتأرجح بين النزول والصعود، إلى أن جاء عبد المالك أبرون، الذي استطاع أن يخرج الفريق من وضعيته، ويحلق به عاليا عبر تبينه لاستراتيجة، ابتدأت بجلب لاعبين كبار لإعطاء الإشعاع المطلوب للفريق والمدينة، وبعدها سيغير هاته الاستراتيجة ويتجه إلى تبني سياسة التكوين والاعتماد على شبان الفريق، الشيء الذي مكنه من إحراز لقب أول بطولة احترافية خلال الموسم المنصرم. هذا النجاح، الذي حققه أبرون مع الفريق، لم تكن الطريق إليه مفروشة بالورود، بل تطلب الأمرا مواجهة تحديات ومنعرجات والتصدى لمؤامرات، لكن في النهاية استطاع أن يضع الفريق في قمة المجد والتألق. نترك الحاج عبد المالك أبرون في هذا الحوار يطلعنا على أفكاره ومقترحاته للخروج من الأزمة، التي تتخبط فيها الكرة الوطنية وكذا الآفاق المستقبلية لفريق المغرب أتلتيك تطوان. أثارت تصريحاتك مؤخرا زوبعة من ردود الأفعال على المستوى الرسمي وغير الرسمي، تفسر هذا الأمر؟ قبل الرد على هذا السؤال لابد من القول إن الكرة الوطنية عانت الكثير من الاخفاقات والمشاكل العديدة، مما أثر بشكل سلبي على عطاء اللاعبين والأندية والمنتخبات وجميع اللأطراف المرتبطة بهاته الرياضية الشعبية، وأمام هاته الوضعية لا يمكن للأيادي أن تبقى مكتوفة، ونظل نتفرج ونترك الأمور على حالها. فنحن المعنيين بشكل كبير ومباشر، لكوننا نسير أندية في البطولة الاحترافية المغربية، ويهمنا جدا تطور هاته الرياضة والممارسين لها وحتى المسيرين. كما أنني لاحظت انطلاقا من مسؤوليتي كرئيس فريق محترف، أن الأزمة التي تعاني منها الرياضة الوطنية والكرة بالأساس، مرتبطة بعدة عوامل منها البشري والقانوني والتنظيمي والهيكلي وغيرها، بحيث أنني اقترحت مجموعة من الحلول للخروج من هاته الورطة. وقد ركزت على مسألة التنظيم بضرورة سن قوانين جديدة قادرة على إخراجنا من الوضعية الحالية، فالقوانين الجاري بها العمل لا تفي بالغرض المطلوب وهناك أخرى مازالت في ثلاجة الأمانة العامة للحكومة. والقوانين التي نقترحها هي التي بإمكانها تنظيم القطاع ككل وبمستوياته المتكاملة. ما هي بنظرك نواقص القانون المنظم للبطولة الاحترافية؟ لا يمكن الحديث عن احتراف حقيقي في ظل أندية تشتغل بقانون قديم وبجموع عامة لا علاقة لها بطريقة تدبيرها، حيث يتوجب إخراج قانون ينظم شركات تسيير الأندية، كما هو معمول به في مختلف أرجاء العالم، حيث تجرى بطولات احترافية. وقبل ذلك لابد من النهوض بالوضعية المالية للأندية، لأن هناك أندية تفتقر لمصادر الدعم والدخل، فيما هناك أندية لها، إضافة لما تجمعه من المستشهرين، تضخ فيها أموالا أخرى تأتيها من الدولة، وهي كثيرة وقادرة على مساعدة الفريق على ضمان دخل مالي هام، فهاته الاختلالات يجب أن تزول وأن يوفر الدعم بشكل متساوي، حتى نقول إن جميع الأندية الوطنية قادرة على الانخراط في هذا المشروع بدون أية مشاكل، وليس فقط الاكتفاء بتقديم كناش للتحملات، قد يكون «خياليا» في بعض الأحيان. ناهيك عن ضرورة تدخل الوزارة في سياسة دعم التكوين المفروض على الأندية. وفي هذا السياق على الوزارة أن تخلق وكالة لتنمية الرياضة، تشارك فيها كل الأطراف المعنية، التي تبقى الإطار الوحيد القادر على ترجمة هذه الأفكار إلى مشاريع واقيعية. كيف يمكن إنشاء هاته الوكالة؟ وما هي أهدافها الحقيقية، حتى لا تكون جهازا إضافيا فقط؟ خلق هاته الوكالة هو «ابتكار» يجب أن يكون بشكل علمي وتقني، لا أن ننشئ وكالة فقط كما اعتدنا إنشاء بعض الأجهزة والهياكل الشكلية فقط، بل يجب أن تكون وكالة مستقلة ومؤطرة بقوانين واضحة، تضع كل واحد من أعضائها ومكوناتها أمام مسؤولياته، وأن تضم كافة المتدخلين والمعنيين بالشأن الرياضي بالمغرب ولم لا الاستعانة بخبراء من الداخل والخارج، وسيكون من مهامها الأساسية البحث عن الثغرات والخصائص القانونية، التي يمكن أن تعيق التدبير الاحترافي للرياضة المغربية، وتقديم المقترحات والأفكار للفرق والجامعات بخصوص التدبير الإداري والقانوني والتقني والمالي، وكذلك تقديم التجارب الرائدة على المستوى العالمي، فيما يتعلق بتدبير شركات التسيير الرياضي، والتي تدخل فيها الدولة طرفا مساهما وحاملا لجزء مهم من الأسهم الاستثمارية للشركة، والنماذج كثيرة في هذا الباب، وأمامنا أمثلة كثيرة من الدول التي استطاعت بواسطة هاته الشركات أن تضمن تدبيرا ماليا مستقلا لفرقها، وبشكل احترافي عالي جدا وبدون أي عجز أو خصاص للفرق. وأؤكد لكم أنه في حال وجود مثل هاته الآليات، التي ستضمن دخلا قارا للفريق وبالتالي للاعبين والعاملين بها، يمكن الحديث عن الضرائب والتعويضات ونتحدث عن محاسبة الأندية ومتابعة طرق تدبير ماليتها بصرامة، لكن في غياب ذلك سيكون من الصعب أو من العبث أن نراقب ونحاسب أحدا يشتغل في الغالب تطوعا ويبحث عن مصادر لتمويل فريقه، وفي كثير من الأحيان يضطر إلى الصرف من ماله الخاص من أجل ضمان استمرار الفريق وبقائه، وهناك من يريد محاسبته دون أن يقدم أي شيء للفريق، فعن أية محاسبة يتحدثون؟... ويمكنكم أن تتخيلوا الفرق الشاسع بين ما تقره الجامعة في كناش التحملات، الذي يحدد 900 مليون سنتيم كحد أدنى للانخراط في البطولة الاحترافية، في حين أن مصاريف الفريق العادية تتجاوز 3 مليار سنتيم سنويا، فلاحظوا الفرق وأترك لكم التعليق. في نظركم ما موقع الجامعة داخل هذا المشهد؟ الجامعة في رأيي شبيهة بأية جمعية، فهي تخضع للظهير المنظم للجمعيات، وهي وصي على الفرق في شكلها الإداري، حيث تشرف عليها وعلى جموعها العامة، وتدبر الدعم المقدم لبعض الأندية مثلما حدث مع بداية الاحتراف، من خلال توفير بعض الحافلات للفرق والإنارة وما إلى ذلك، وهو أمر يجعل الجامعة محدودة المهام ولا يمكننا بدورنا محاسبتها أو تحميله أكثر من اللازم. فبالنسبة لنا نتحدث بشكل عام ولا نخصص موضوعا بعينه، إننا نتحدث وننتقد ما يجب فعله استراتيجيا لتطوير الرياضة بصفة عامة، وكرة القدم بصفة خاصة، من خلال تطوير عمل الجامعات والأندية والعصب، وتطوير وسائل العمل والبنيات والمواد وغيرها، ناهيك عن ظرورة توفير الطاقم البشري والإداري القادر على تسيير النوادي والجامعات بشكل احترافي، بعيدا عن العشوائية وعن القرارات التي تكون متسرعة ونؤدي ثمنها لاحقا.. فعندما نتحدث عن القطاع الرياضي، فإننا نتحدث عن قطاع حكومي، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤولية تطويره وتجديده وحمايته أيضا، من خلال مختلف الوزارات المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر، ودون أن نهمل الدور الأساسي للوزارة الوصية.. جرى مؤخرا لقاء بينك وبين وزير الشباب والرياضة، هل يمكنك إخبارنا بأهم ما دار في هذا اللقاء، خاصة وأنه جاء بعد «توتر» بينكما؟ أريد أن أوضح أولا أنه لم يكن هناك أي توتر أو تضارب بيني وبين السيد الوزير، فقط كان هناك عدم فهم لطرح الموضوع، وقد كان هذا اللقاء مناسبة لتوضيح وجهة نظرنا فيما كان يقال وينقل، وأكدت له خلال ذلك أنني لم أتهجم على أي أحد ولم يسبق لي أن خضت حربا بالوكالة، نيابة عن أي أحد، وهذا ليس من شيمي وأخلاقي والكل يعرف أنني واضح «وكل ما في قلبي على لساني»، كما يقول المثل المغربي، وذلك يظهر حسن نيتي وغيرتي على البلد والرياضة بها. كما جددت تأكيد كل ما طرحته من أفكار، لكونها بالنسبة لي أفكار قادرة على التنفيذ إذا ما تلاقت الإرادات الحسنة، كما أنها أفكار لا تسيء لأحد ولا تتطاول على اختصاصات أحد، بل إن التجربة وكذلك الاحتكاك يجعلنا في موقع قادر على أن نقدم بعض النصح والأفكار، وهذا ما يميز بلادنا من حرية للتعبير والأفكار على مختلف المستويات، وأعتقد أنه من أصاب له أجران ومن أخطأ له أجر واحد، وهذا يكفينا. على العموم رد الوزير على ما ذكرته كان إيجابيا وتفهم بشكل كبير ما كنت أهدف إليه. وتم التأكيد على ضرورة النهوض بهذا القطاع من خلال العديد من المشاريع التي سترى النور قريبا. تركزون دائما في حديثكم على قضايا التكوين، لكن في ظل غياب البنيات التحتية، كيف ترون مستقبل استراتيجية التكوين؟ أولا أعتقد أن ما تعانيه كرة القدم بالمغرب ناتج عن أزمة التكوين، وما يتم تسجيله من نتائج محدودة بسبب غياب سياسة التكوين لدى الأندية والجهات الوصية، وهي ناتجة عن غياب النظرة أحيانا، وأحيانا أخرى ناتجة عن ضعف الإمكانيات، مما جعل فرقنا عقيمة وعاجزة عن تقديم وإنتاج لاعبين كبار، وبالتالي تجد نفسها مجبرة على البحث عن لاعبين من خارج البطولة، لكونها تعاني الفقر في النجوم واللاعبين القادرين على المواجهة، وبالتالي يتم اللجوء أحيانا للاعبين من إفريقيا وحتى من أندية أخرى لسد الخصاص والنقص الفظيع. وهذا ينطبق حتى على الفريق الوطني، وقد لاحظنا كيف أن زامبيا ونيجريا فازا بكأس إفريقيا بلاعبين محليين. ونحن داخل المغرب أتلتيك تطوان نعطي الأهمية الكبرى للتكوين والتأطير، ونصرف مبالغ مالية كبيرة في هذا الشأن، ونعتمد في ذلك على أطر وخبرات كبرى، لأننا نتغيا منها الكثير، ونرمي لأن يكون لدينا مشتل حقيقي للاعبين، وليعرف الجميع أننا فزنا بالبطولة الاحترافية اعتمادا على الشبان، وهو ما يحفزنا على المزيد من العطاء والأداء مستقبلا. وحاليا كل اهتماماتنا منصبة على هاته المسألة، فنحن نتوفر على مدرسة لكرة القدم وعلى جميع أصناف الفئات الصغرى، التي تحقق نتائج جد مهمة وتحفزنا على المضي في هذه السياسة، رغم افتقاد المدينة ككل لبنيات رياضية قادرة على الاستجابة للتطلعات التي نطمح إليها. ملعب سانية الرمل أصبح الآن مؤهلا لاحتضان مباريات دولية، بعد العديد من الإصلاحات التي شملته، هل مازال مطلبكم قائما بخصوص استفادة المدينة من مركب رياضي؟ أولا هناك مجهودات كبيرة بذلت من أجل أن يصبح ملعب سانية الرمل مؤهلا بشكل كبير، فبعد أن قمنا باستبدال عشب أرضيته بآخر ذو جودة عالية ومعترف به من طرف الفيفا، وتم إصلاح إنارة الملعب، جاءت منافسات عصبة الأبطال التي كانت فرصة لنا جميعا، مكتبا مسيرا و جماعة حضرية وسلطات محلية، لكي نوحد جهودنا من أجل استكمال باقي الإصلاحات، التي كان يتطلبها الوضع، وفعلا توفقنا في إظهار ملعب سانية الرمل في تلك الحلة الجديدة، والتي نالت إعجاب الجميع بمن فيهم ممثلو الكاف، الذين شددوا على ضرورة اقتصار الملعب على المباريات الرسمية فقط، حفاظا على جودة أرضيته، الشيء الذي استجبنا له بسرعة وقررنا نقل تداريب الفريق الأول إلى وجهة أخرى، لكن لاحظنا أن هناك من يريد أن يجرنا إلى نقاشات هامشية لاتغني ولاتسمن من جوع، ويمكن أن أؤكد أن زمن السيبة قد ولى، فنحن في زمن الاحتراف ولايمكن أن نسمح لأي كان أن يعبث بكل ما أنجز من بنيات تحتية وتجهيزات رياضية ناضلنا وقاسينا من أجل توفيرها للمدينة. ماهي الأفاق المستقبلية لفريقكم، في ظل المسار الجيد الذي يرسمه؟ فريقنا حقق الشيء الكثير، وبإمكانيات محدودة، والرهان على ما هو أفضل يتطلب إيجاد إمكانيات مالية مهمة حتى يتسنى لنا تنفيذ العديد من المشاريع، التي نطمح إليها. وحاليا فريقنا يشتكي من غياب محتضن رسمي يضمن مداخيل قارة للفريق، وإيجاد هذا المحتضن يتطلب جهود الجميع من سلطات محلية ومنتخبة، لأنه لايمكن ضمان استمرار الفريق بهذا التوهج والتألق بدون موارد مالية قارة، فقد عانينا كثيرا خلال هذا الموسم بعد أن قمنا باستبدال عشب أرضية ملعب سانية الرمل وكلفنا ذلك ميزانية كبيرة، عملنا على توفيرها من خلال ميزانية التسيير، في انتظار توصلنا بالدعم الذي خصصته لنا جهة طنجةتطوان. فعندما نقول المغرب التطواني يتطور، فإنه يتطور بالإمكانيات وبالموارد وبالأطر التقنية والإدارية والطبية وغيرها، وهذا يتطلب ميزانية كبيرة، ويستحيل ترك المكتب المسير لوحده يتصارع مع هذه الإكراهات. نقطة أخرى لابد من الإشارة إليها، ففريق المغرب أتلتيك تطوان وراءه جمهور عريض ومحب لفريقه، ويضحي بالغالي والنفيس من أجل أن يظل فريقه متألقا. ونحن دائما مدعمين لهذه الجماهير التطوانية، ونرحب بكل اقتراحاتها ووجهة نظرها، شريطة ألا يتطاول أحد على اختصاصات الآخر، فكل واحد منا له مجال للاشتغال، وكل الجهود يجب أن تصب في مصلحة الفريق ومساره الاحترافي.