تشهد السينما المصرية تراجعا كبيرا على مستوى الإنتاج، فبعد أن كانت قاعات العرض تستقبل أكثر من سبعين فيلما سنويا، لا يتوقع الكثيرون أن يزيد إنتاج العام الحالي عن 15 فيلما، في ظل استمرار حالة الارتباك في الشارع المصري وسوء الأوضاع الاقتصادية، وهو ما يراه صناع الفن السابع كبيرا لصناعة السينما. وأبدى منتجون وفنانون ومخرجون ونقاد قلقهم إزاء استمرار الظروف الصعبة التي تمر بها السينما المصرية منذ أحداث ثورة 25 يناير، ورأى البعض أن شبح الإفلاس يخيم حاليا على المشهد السينمائي المصري، وطالبوا بتدخل الدولة حتى لا تنهار صناعة السينما تماما. وترى أمينة شعبة الإخراج باتحاد المنتجين العرب المخرجة منى الأرنؤوطي أن العاملين في الحقل السينمائي بمصر يعيشون حالة من الإحباط بسبب نتائج هذا الموسم، فقد حققت دور العرض في المتوسط نصف مليون جنيه مصري في الشهر (حوالي 75 ألف دولار)، في حين كان من المتوقع تحقيق ما يقرب من ستة أمثال هذا الرقم، وأصبحت دور العرض المتوسطة تخسر شهريا ما يقرب من 250 ألف جنيه (نحو 37 ألف و500 دولار). وأشارت الأرنؤوطي في حديثها لأحد المواقع الإلكترونية إلى أن المحطات التلفزيونية اعتمدت على برامج «التوك شو»، وامتنعت عن شراء الأفلام الجديدة مما يزيد من الخسائر، وعلى خلفية عدم الاستقرار السياسي تراجع الإنتاج الفني أيضا بشكل كبير. من ناحيته طالب مدير شركة للإنتاج الفني محمد رحومة الفايد بضرورة حماية الدولة لإنتاجها السينمائي عن طريق فرض رسوم على شراء الأفلام الأجنبية بنسبة 20 % للحد من هوس الاستيراد من جهة، وحماية الإنتاج المصري من جهة أخرى. ودعا الفايد في حديثه إلى فتح الأماكن الأثرية والمحميات الطبيعية للتصوير من دون عراقيل بيروقراطية حتى لا يكون البديل التصوير في دول أخرى. كما طالب بإحياء دور وزارتي الثقافة والسياحة في جذب الإنتاج السينمائي العالمي واستثماره في مصر بتسهيلات كبيرة وبأسعار زهيدة، الأمر الذي يجذب السياح ويزدهر معه الاقتصاد. وفي المقابل يرى مدير المكتب الفني لمهرجان كام السينمائي الدولي أحمد أسامة عمر أن الحراك السياسي الموجود في الشارع المصري سوف يولد الإبداع ويثري الخيال بما يخدم الإنتاج السينمائي بعد انتهاء الوقفات الاحتجاجية واستقرار مؤسسات الدولة المنتخبة. وأشار إلى أنه سوف تخرج آلاف الأعمال السينمائية الجيدة بمضمون واقعي يعوض خسائر هذه الفترة المرتبكة. ودعا في حديثه الدولة للعودة إلى دورها في الإنتاج عن طريق وزارة الثقافة والهيئة العامة للسينما وغيرها، مع التأكيد على أنها تنتج ولا تتدخل في العمل المنتج، وتطلق العنان أمام الفنانين والمبدعين. واعتبر عمر أن أزمة صناعة السينما مؤقتة، تنتهي بانتهاء الارتباك الحالي بالمشهد السياسي المصري. وبدوره يرى نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور أن الأهم الآن هو البحث عن مخرج لأزمة الوطن بأكمله، قائلا «لا أعتقد أن أحدا لديه الطاقة للبحث عن حلول لأزمات فئوية أو مهنية الآن، وأزمة صناعة السينما لا تشغل بالي، بل إيجاد مخرج للوطن من أزمته الراهنة، ويجب أن يكون همنا الأول والأكبر هو الخروج بمصر إلى بر الأمان، والاستقرار هو الحل لكل المشاكل الفرعية». وأضاف عبد الغفور أن «الحل هو في حب هذا الوطن، وصدق الانتماء إليه، وتقديم مصلحته على أي مصلحة آنية، والأزمة أن مصلحة الوطن الآن تأتي في ذيل قائمة المتصدرين للمشهد الثوري للأسف الشديد». وبالنسبة للعديد من المنتجين، فإن المغامرة بإنجاز أفلام في الفترة الحالية التي تشهد ارتباكا على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي تعتبر مخاطرة غير محمودة العواقب، فالتوزيع الداخلي لا يغطي كلفة الإنتاج بحكم عزوف الجمهور وتغير ميوله، في حين تراجع التوزيع الخارجي بشكل كبير وانخفضت أسعار الأفلام. ولعل محاولات بعض المخرجين إنتاج «أفلام مستقلة» بميزانيات متوسطة وبعيدا عن سيطرة النجوم الكبار الذين يعتبرهم البعض جزءا من المشكلة تعدّ بارقة أمل للسينما المصرية، لكنها لا تحجب عمق المشكلة التي تتخبط فيها صناعة رائدة تشكل إحدى القوى الناعمة للدولة. عن« الجزيرة نت»