قدم المخرج المغربي حكيم بلعباس فيلمه الجديد '' محاولة فاشلة لتعريف الحب '' في إطار المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة بالمهرجان الوطني 14 للفليم المنظم حاليا بمدينة طنجة. ويروي حسب ما ورد بكاتلوغ المهرجان كملخص: "زينب و حمزة ممثلان يسافران إلى أعالي جبال الأطلس لتحضير دوريهما في تصوير فيلم يروي حكاية (إيسلي و تيسليت) العاشقان اللذان منعا من الزواج واللذان تروي الأسطورة أن دموعهما خلقت البحيرتين اللتين تحملان اسميهما" إن أي مهتم بتاريخ السينما المغربية لابد أن يستهويه منطلق هذا الفيلم وذلك قبل موضوعه أو مضمونه لسبب بسيط وهو أننا كلنا كمغاربة يهمنا أن ترتكز سينمانا أو تنطلق من الثرات الشعبي سواء كان تاريخا موثقا: (بامو) لادريس المريني و (معركة الملوك الثلاثة) لسهيل بن بركة...أو ثراثا أسطوريا محكيا (قنديشة) لجيروم كوهن.. أو على الأقل مغنى عبر بعض المتون الشعبية من ضمنها العيطة الحصباوية: ( خربوشة) لحميد الزوغي... وبغض النظر عن المستويات الفنية و التقنية لهذه الأفلام و ما حبلت به من حمولة فكرية قد نتفق أو نختلف معها، إلا أنها في مجملها قدمت حصة لا يستهان بها من "المعلومات "المفيدة حول محور الحدث أو المرحلة أو الشخصية المؤفلمة ... هذا بعكس فيلم "محاولة فاشلة لتعريف الحب"الذي ارتفق أسطورة إيسلي و تيسليت ليعبر إلى الشاشة ساردا ومصورا مجموعة أحداث لاأدعي أنها لاتمت إلى الأسطورة بصلة ولكنها فقط تحلق ومن بعيد في مجرتها معيدة حكيها على ألسنة مجموعة من الشخصيات سواء من الممثلين المحترفين وهما إثنان :زينب الناجم و حمزة عبد الرزاق .. أو من السكان الأصليين لمنطقة إملشيل في الأطلس الكبير ..وبالتالي فالإشكالية التي طوقت هذا الفيلم خلقها المخرج نفسه، إذ هو على الشاشة كما أثناء مناقشة الفيلم يقر بأنه لم يرد تصوير حكاية هاذين العاشقين الضحيتين،ولا تغيأ إنجاز فيلم روائي .. ولا حتى تسجيلي عنهما، هو فقط أعجب بهذه الحكاية وحمل ممثليه و كاميراته و مجمل أدوات التصوير و التسجيل وراح يصور و يحاور ليشركنا معه فيما هفت إليه نفسه.. وبالتالي حين نعاين الفيلم، فقد لا نجد أثرا لذلك الحب الطوفاني الذي أغرق منطقة بكاملها بفيض من الدموع إلى أن غدت بحيرة..كما لا نجد له تأثيرا في علاقة بعض شخصيات الفيلم وإن كان لكل واحد منهم قصة حب متشظية :زينب مع ذلك (الحبيب) الذي لم يعد يجب على مكالماتها الهاتفية فغدت تنعته "بالحمار" وذلك الراعي الشاب الذي يحب عائشة ولايستطيع الزواج منها بسبب فقره .. بدون أن ننكر أن الفيلم حبل بلقطات تضج حبا و تماسكا إنسانيا سواء بين الإنسان و الإنسان : علاقة زينب بالعجوز الجميلة التي توفيت مؤخرا عن سن يناهز المائة وخمس سنوات حسب تصريح حكيم بلعباس? وكيف كانت هذه الأخيرة تشفط المساحيق من وجه زينب بالماء الصافي والطبيعي الجاري ببحيرة إيسلي أو تيسليت ، وكيف كانت تحضن كل واحدة منهما الأخرى بحب و حنان عارمين.. أو بين الإنسان و الطبيعة و التي رغم أنها تبدو أحيانا قاحلة و قاسية ، فإنها تمنح لمريديها سواء من سكانها الأصليين أو لزائريها قبسا ممتعا من الحب..والذي يطال أيضا عين المتفرج المتذوق.. ويعود الفضل عن هذا إلى عدسة حكيم بلعباس كمتخصص في الأفلام الوثائقية منذ فيلم (عش في القيظ) إلى (أشلاء) الذي فاز بالجائزة الأولى في الدورة 12 في نفس هذا المهرجان .إلا أن ما أخافه عليه سقوطه في النمطية فكأنه ولحد الآن يخرج فيلما واحدا في عدة أفلام ! حيث يمزج الوثائقي بالروائي منطلقا دائما من ذاته ولا عيب في هذا متى وصل الذاتي إلى العام والأمثلة كثيرة نذكر منها على المستوى العربي أفلام يوسف شاهين لا سيما ثلاثيته الشهيرة: (إسكندرية ليه)(حدوثة مصرية) و(إسكندرية كمان وكمان)... بالنظر إلى طبيعة الفيلم الحكائية والمفتقرة إلى سيناريو محكم على حد اعتراف حكيم خلال المناقشة لأن المهم بالنسبة إليه هو السرد وليس السيناريو! وهذا هو السبب الذي جعل لجنة الدعم السنيمائي المغربي ترفض دعم مشروع نفس الفيلم حين قدم إليها سنة 2007، لخلوه من عنصر السيناريو المتكامل و ذلك باعتراف أحد أعضائها السيد العروسي نفسه أثناء مناقشة الفيلم. و بالتالي يكون حكيم بلعباس قد أنجز فيلما لا وثائقيا ولا روائيا وإنما فيلما "مربكا" بالنسبة لي لم أستطع التواصل معه و لم يشد انتباهي. وقد سبق أن عبنا في مرحلة الثمانينات على بعض سينمائيينا غلوهم في إنجاز أفلام "شخصية" مغرقة في الذاتية تصور أنفسهم وعائلاتهم غير مكثرتين بذوق الجمهور العام الراغب في مشاهدة أفلام يفهمها ويتفاعل معها وعلى رأس هؤلاء مصطفى الدرقاوي في (عنوان مؤقت) و (أيام شهرزاد الجميلة)... إلى أن أثر فيه النقد البناء فسعى إلى عقد صلح مع الجمهور المغربي الواسع من خلال أفلامه الأخيرة: (غراميات الحاج الصولدي) و ( الدارالبيضاء ليلا)... فمهما يكن نحن لا نكتب كتبا ولا ننجز أفلاما أو مسرحيات أو أغاني لأنفسنا و أهالينا بل لشعب يدفع ضرائب و يؤدي أثمنة تذاكر لمشاهدة هذا الإبداع أو ذاك ...و بالتالي يبقى فيلم :"محاولة فاشلة لتعريف الحب" فيلما نخبويا وفيلم مهرجانات . يمتاز حكيم بلعباس بطاقة حكي شفوية مؤثرة، لكنها للأسف لا تظهر حين يؤفلم أفكاره و يجب أن يكون حاضرا معنا ليشرحها لنا ..كما أنه بذكاء ينتقي عناوين بعض المشاهد: "الحب اللامشروط" - " الغضب" ... و كأنه يكتب قصصا قصيرة هي جديرة بالقراءة أكثر منها بالمشاهدة.. و هذه كلها تقنيات أو ما يمكن أن نسميه .. " تحرميات" سينمائية نتمنى أن يوظفها بذكاء أشد نجاعة لإنجاز أفلام أجمل و أشد تواصلا مع جمهور أوسع حتى ذلك الذي لا يحسن القراءة ! كما أنه قسا على نفسه بالدرجة الأولى حين حمل الفيلم بذلك العنوان الناسف : "محاولة فاشلة..." هذا إن لم يكن قد استعمله عن عمد و سبق ترصد بمثابة قشرة موز لزحلقة النقاد و قارئي الصورة من الداخل كما جمهورالمهرجانات بالخصوص ليقول لهم :" ها أنا أقول لكم ما أتوقع قوله منكم ،إنه فعلا محاولة فاشلة لتعريف الحب " و شخصيا بدل أن أنجرف معه قائلا: إنه عنوان في محله، أكتفي فقط بالتصريح - و بدون أي قذف أو تجريح شخصي - : إن فيلمك باختصار شديد محاولة " متواضعة" لتعريف الحب ليس إلا !!