تتهم المعارضة حزب النهضة، وخاصة زعيمها راشد الغنوشي، بالوقوف وراء اغتيال المعارض شكري بلعيد. فمنذ عدة أشهر، يستعمل زعيم حزب النهضة خطابا مزدوجا بدليل أنه ظهر في شريط فيديو قبل أشهر يصرح خلال اجتماع مع سلفيين أنه يتقاسم معهم نفس المشروع حتى وإن لم تكن لهما نفس الاستراتيجية.. والغنوشي يمارس تجاه الغرب لعبة الحمل ولكنه في الحقيقة ذئب يتخفى وراء قناع حمل. وقد كتبت مؤخرا مقالا أشرت فيه إلى الفارابي الفيلسوف الكلاسيكي الكبير من القرن 10 يتحدث فيه عن الفرق الموجود في السياسة بين الرجل الذكي والرجل الداهية. الأول ، سيرا على التقاليد اليونانية، يعمل من أجل فرض الخير. أما الداهية فيناور من أجل تحقيق مصلحته الخاصة دون التفكير في الصالح المشترك. ومن الواضح أن الغنوشي يقف في جانب الدهاء . ويبدو أن الشركاء غير الإسلاميين في التحالف الحاكم في تونس بدأوا يفهمون أكثر فأكثر هذه اللعبة ، ويحاولون فرض تعديل حكومي من أجل ألا تبقى وزارات السيادة ، وخاصة الداخلية والعدل ، تحت سيطرة حزب النهضة من أجل ضمان نزاهة الانتخابات المقبلة. راشد الغنوشي يناور ، يتراجع ، ولكنه في نفس الوقت يترك للمتطرفين حرية التحرك وخاصة الشيوخ والدعاة القادمين من الخليج، بدعوة جمعيات مرتبطة بشكل أو بآخر بحزب النهضة والذين يحملون إسلاما غير متسامح، وهو ما يريد الغنوشي فرضه على تونس. بطبيعة الحال أنا قلق من مناخ اللاتسامح السائد في تونس، والذي من أهم أدواته هي ما يسمى «روابط حماية ثورة» لم يقوموا بها، وهي تجسيدات وأدوات ترتبط بالنهضة ولو أنها تنفي هذه العلاقة . وهذه الروابط هي مصدر أغلب أعمال العنف التي وقعت خلال الأشهر الأخيرة ضد اجتماعات حزب «نداء تونس» أهم قوة علمانية معارضة، ونفذت هجمات ضد مسيرات وتظاهرات الاتحاد العام للعمال التونسيين، المركزية النقابية التي تضم أغلب المأجورين في البلد . فكيف يمكن تفسير أن يواصل جهاديون معروفون ، مبحوث عنهم ، التحرك بكل حرية ..؟ الشهيد شكري بلعيد سبق وتلقى تهديدات وهاهي تنفذ . وتونس قد تسقط في العنف ، لأن حزب النهضة يخاف أن يفقد هيمنته، لأنه رغم أن جزءا من قاعدته يبقى وفيا، فإن العديد من ناخبيه يتملكهم الشك بالنظر الى حصيلة سنتين تقريبا من الحكم. والعديد من التونسييين يتساءلون اليوم إن كانت الانتخابات ستجري، ويخشون أن تكون حركة النهضة مستعدة لكل شيء من أجل الحفاظ على السلطة. نفس الوضع تعيشه مصر بشكل أو بآخر. وهذا الوضع يعتبر فشلا وتفنيدا صارخا للإسلاميين، وتصورهم الفانتازمي لمليار مسلم في العالم يمشون صفا واحدا. تونس مثل مصر منقسمة بشكل عميق بين تصورين متباعدين للدين ولدوره في المجتمع. من جهة تصور غير متسامح مبني كليا حول تأويل منغلق للدين، حول الحلال والحرام. ومن جهة أخرى إسلام تقليدي منفتح. دين المسلمين الذين يقولون «اتركوا الاسلام كما ظل يشتغل حتى الآن..». وهذا كذلك هو إحساس الماليين الذين هللوا ورحبوا بفرانسوا هولاند في تومبوكتو، لأنهم لا يريدون رؤية الأطراف مقطوعة أو النساء محجبات... الإسلاميون يحاولون السيطرة على مفاصل الدولة، خطوة خطوة، ولكنهم لن يتمكنوا من ذلك ، هناك مقاومة من طرف الموظفين سواء في التعليم أو في الإدارات الأخرى. و نصف قضاة تونس اليوم يحملون شارة حمراء للاحتجاج ضد محاولات السلطة تركيع القضاء. هناك معارضة الإتحاد العام للعمال التونسيين، هذه المركزية النقابية التي كانت دائما أكثر من مجرد نقابة، والتي تعارض كليا سياسة الأسلمة التي تحاول النهضة فرضها. هناك معارضة علمانية وديمقراطية تنتظم حول حركة «نداء تونس» التي أسسها باجي قايد السبسي المنتمي لإرث بورقيبة ويريد تطهيره من طابعه الاستبدادي. وهناك فرصة كبيرة أخرى لتونس وهي أنها لا تملك بترولا .. والسلطة لا تستطيع شراء السلم الاجتماعي من خلال عائدات البترول الهائلة، ولا تستطيع بالتالي أن تنسي التونسيين تدبيرها السيء للاقتصاد الوطني وحالة الإفلاس التي ترعبها . فالديمقراطية تتقدم لأن هناك نقاشا رائعا في كل المجتمع من خلال حرية تعبير غير مسبوقة. لم يعد هناك خوف ، ولو أن البعض بدت تنتابه شكوك من عودته. وإذا أصرت النهضة على فرض تصوراتها على هذه الاغلبية من المجتمع التي ترفضها بقوة، فإن ذلك لن يتحقق إلا بالعنف. * بتصرف عن حوار مع يومية «ليبراسيون» الفرنسية لعدد الأربعاء الماضي