إذا كان المخرج المغربي كمال هشكار، قد اعتمد على استقلاليته كسينمائي وباحث جامعي في تناول تفاصيل «تنغير - القدس :أصداء الملاح» ، وأن يذهب إلى أبعد ما يمكن أن تجسده قناعاته الفكرية والثقافية في البحث عن أصوله المغربية ومساءلة فروعها والذاكرة الموشومة التي جمعته بالعديد من الوجوه القريبة والبعيدة والمسموع عنها، فهذا القرار كان أقوى من كل التبريرات والضجيج الذي يمكن أن يؤثر على خيوط ذاكرته التي ظلت موشومة بتفاصيل صغيرة وكبيرة ، قرر أن يشاركها مع باقي المغاربة من خلال المهرجان الوطني للفيلم بطنجة ، في دورته الرابعة عشرة. « تنغير - القدس: أصداء الملاح»، الذي تابعه أزيد من 700 متفرج، لمدة 86 دقيقة بقاعة سينما روكسي، يحيلنا على الكثير من الرسائل الثقافية والسينمائية التي قدمتها العائلة السينمائية والجمهور الذي تابع هذا العرض، بعد زوال أول أمس الثلاثاء، وأراد مصاحبة كمال هشكار في رحلة مشتركة لاكتشاف تفاصيل جديدة من تاريخ المغرب المنسي. ومن خلال إيقاع الفيلم، كان كمال هشكار، يريد فقط أن يواجه مساره بالبحث عن هويته التي تهمه وتسليط الضوء عليها. فجاءت رسائل كمال هشكار متعددة، فمن خلال «تنغير - القدس: أصداء الملاح»، أراد أن يعرف بأصوله المزدوجة «مغربي أمازيغي - فرنسي» ، إبراز الهويات المتعددة والتنوع الثقافي الذي يمتاز به المغرب، إظهار المغاربة بأنهم شعب يتلاءم مع التعايش، وأن المغرب قادر، ومنذ زمن بعيد، على احتضان المسلمين واليهود، وأنه بلد منفتح ومتعدد الثقافات.. كما أتاح للمغاربة الفرصة، بالصورة، من رؤية أنفسهم في شخصيات الفيلم.. اعترافات من هذا المعنى، وبهذه الشجاعة والجرأة، لم تأت من فراغ علمي أو من إملاءات خارجية، بل من شاب مغربي، أمازيغي، سينمائي، باحث، وأستاذ لمادة التاريخ، الذي بعد أن درس التاريخ بالسربون، وأنجز رسالة الدكتوراه عن المجتمع اليهودي بتنغير، وبعد أن قام بمجموعة من الأبحاث على الارشيف بالقدس ثم الرباط، والاستماع إلى الحكايات الشفوية، قرر البحث في هذا التاريخ الذي كانت آلة الكاميرا، هي الحكم والمؤرخ في تأريخه والفصح عنه.. هذه الرسائل وغيرها، التي قدمها فيلم «تنغير - القدس: أصداء الملاح»، بقدر ما تنتج من حقائق ومعاني ومعطيات وتحليلات تاريخية، تحيل على أن للمغرب تاريخا منسيا غنيا بوقائعه وأحداثه علينا إبرازها، وأن أي مجتمع يمكن أن تكون له أكثر من هوية، رغم اختلاف هذه الهويات وتعددها، لأن ذلك يشكل قوة المجتمع لا العكس..