حج الى قاعة سينما ريكس بفاس مساء الأربعاء 21 نونبر 2012 جمهور كبير امتلأت به جنبات هذه القاعة السينمائية ، التي لم تعهد مثل هذا الحضور في عروض سينمائية سابقة ، وذلك لمشاهدة ومناقشة الفيلم الوثائقي الجديد " تينغيرالقدس : أصداء الملاح " بحضور مخرجه الشاب كمال هشكار وبحضور أفراد من الجالية اليهودية بفاس برئاسة الدكتور كيكي . ويدخل عرض هذا الفيلم الوثائقي المغربي الفرنسي ، الذي نشطه مدير المعهد الفرنسي بفاس السيد فيليب لالو ، في اطار تظاهرة " شهر الفيلم الوثائقي " التي ينظمها المعهد المذكور خلال نونبر الجاري . وقد نجح مخرجه العصامي كمال هشكار ، الفرنسي الجنسية والمنحدر من مدينة تينغير التي رأى فيها النور سنة 1977 ، في جعل مشاهدي فيلمه الوثائقي الأول هذا يقفون على جانب من جوانب المغرب المتعدد ثقافيا ولغويا وذلك من خلال تركيزه على تتبع مسار أسر مغربية يهودية أمازيغية كان أفرادها يعيشون في أمن وسلام بتنغير الى جانب أسر مغربية أمازيغية مسلمة قبل حدث ترحيل اليهود المغاربة الى اسرائيل مباشرة بعد سنة 1948 وخصوصا في الخمسينات والنصف الأول من الستينات من القرن الماضي . صور هذا الفيلم الوثائقي في تنغير والقدس ومدن اسرائيلية أخرى من طرف طاقم تقني محترف واستطاع مخرجه الشاب ، وهو أستاذ للتاريخ باحدى ثانويات ضواحي باريس ، من خلال تعليقه وأحاديثه مع الشخصيات المغربية الأمازيغية المسلمة واليهودية التي استضافها عبر مشاهد الفيلم ولقطاته المختلفة أن يضع يديه على الحقيقة التالية وهي أن المغرب بلد غني بتعدد ثقافاته ولغاته وأن المغاربة في مختلف مناطق البلاد تعايشوا دوما فيما بينهم بغض النظر عن اختلافاتهم الثقافية عموما أو اللغوية والدينية خصوصا . فاليهود والمسلمين في تينغير ، حسب الفيلم ، كانوا يعيشون في تآخي وتعاون جنبا الى جنب منذ مئات السنين ، كل طرف يحترم خصوصيات الطرف الآخر ، تجمع بينهم مظاهر ثقافية عدة تتجلى في اللباس والمسكن واللغة وممارسة فنون الغناء والرقص ، أحيدوس نموذجا ، وغيرها . لكن الترحيل الى اسرائيل الذي فرض على الكثير من يهود تنغير وغيرها من مدن المملكة لم ينس من بقوا منهم على قيد الحياة بلدهم الأصلي وثقافتهم الأصلية . فأجواء تينغير وناسها وفضاءاتها الطبيعية وغير ذلك ظلت حاضرة في قلوب اليهود المغاربة باسرائيل ، المنحدرين من هذه المنطقة الأطلسية الجنوبية ، وظلوا يحنون الى ماض كان مطبوعا بالسكينة والأمان والمحبة والتعايش مع المسلمين . لقد استطاع هذا الفيلم الوثائقي أن يسلط الأضواء على بعض الجوانب من تاريخنا المنسي القريب بلغة سينمائية سليمة وبتركيب فيه تناغم بين الصورة والصوت ، تم فيه الاعتماد على صور ثابتة ومتحركة من الأرشيف السينمائي الفرنسي وعلى موسيقى تصويرية مناسبة ومؤثرة أحيانا وكانت حركات وكلمات المستجوبين فيه تلقائية وصادقة.