حدثني الأستاذ سعيد بنكراد ذات صباح، وهو غاضب، من أن طلبته لا يعرفونه و لا يعرفون كتبه ولا ترجماته و لا مجلته «علامات» التي جابت شهرتها الآفاق. قال إن ذلك شيء مفاجئ بالنسبة إليه. فأنا أستاذهم،قال، وكان عليهم أضعف الإيمان أن يسعوا إلى معرفة هذا الشخص الذي يقف أمامهم بالساعات، ويقضي الليالي في البحث و الترجمة حتى يقدم لهم محاضرة تقربهم من فهم الأسئلة الادبية المتفرعة. لم أجد شيئا أقوله لسعيد سوى الآتي: لو سألتهم عن الشيخ القرضاوي، أو «كتاب» «عذاب القبر»، أو كتاب «لاتحزن» للشيخ عايض القرني، لرفعت الأصبع وطارت الكلمات مثل الفراشات في فضاء القاعة أو المدرج. فمثل هذه الكتب هي التي حجبت عن السواد الأعظم من طلبتنا المعرفة الحديثة. فالشيخ عايض القرني فاز، كما هعو معلوم، بجائزة «المؤلف العربي الأول»، وكتابه «لا تحزن» حقق مبيعات وصلت إلى مليون و نصف نسخة، ثم ثلاثة ملايين في دفعة ثانية. فينك أنت يا سعيد السيميائي المثابر و الترجم اللامع؟ ومثل سعيد موجود على امتداد العالم العربي. لنذكر هذه الحادثة التي وقعت للناقد عبد اللغذامي، وقد حكاها بلسانه. دخل الغذامي على طلبته في مادة «الأسلوبية» في الفصل الأول من العام 2008. ألفى محاضرته، وهو يستعد للمغادرة لحق به أحد طلبته و سأله عن اسمه. لاحظ العذامي أن الطالب لا يعرفه و لا يعرف شيئا عنه و لا عن مؤلفاته. والغريب والمفجع أن هذا الطالب يسأل أستاذه عن اسمه بعد مرور خمس محاضرات للغذامي معه، و مرور اثنين وثلاثين سنة في التدريس الجامعي، وسنته تلك كانت هي الأخيرة قبل التقاعد عن سن الخامسة و الستين، وبعد لائحة طويلة من الكتب و الدراسات و المحاضرات في الجامعات العربية والعلمية، وبعد سلسلة من الندوات في الشرق و الغرب. أما الطالب فقد كان في سنته الجامعية الأخيرة، أي أنه قد أمضى قرابة أربع سنوات في الجامعة و في قسم اللغة العربية تحديدا. أما سعيد بنكراد، فهو أيضا أمضى سنين طوال من التدريس في الجامعات المغربية، وفي التأليف و الترجمة، وقضى عمرا في مراجعة ترجمات غيره، وينتمي إلى شعبة الغة العربية، والطلبة الذين يجهلون أي شيء عنه، أذكر أنه قال إنهم في الفلفصل السادس، أي في سنة التخرج. يا إلهي. الدرس الذي يستخلص من واقعة سعيد وعبد الله، وهي كما نلاحظ متشابهة، رغم أن الواحدة في المغرب والأخحرى في اللملكة العربية السعودية، الدرس الوحيد هو أنه وقعت تغيرات كبيرة ومتنوعة لذى جيل الشباب، تحولات نوعية بالغة في ما يهمهم و مكا لا يهمهم. وهو تغير يسلك طريق الانحدار طبعا، فلا أحد يبرر جهل طالب الأدب العربي بأستاذ علم، حجة في مجال السيميائيات، كما هو سعيد، و في اللسايات والنقد الثقافي، كما عو حال الغذامي. ما المطلوب؟ الإصلاح؟ هذه كلمة قادمة من المزبلة. إحداث ثورة تربوية؟ تبين أن كلمة ثورة مجرد فانتزم. يا ربي ما المطلوب؟ أعود و أقول لسعيد بنكراد، وللغذامي أيضا، لا تحزن.