هل يمكن تلخيص حياة فنان في حوالي 90 دقيقة، وهل يمكن تطويع الزمن ليصبح مرآة ليرى فيها الفنان نفسه، وعبرها أيضا المشاهد؟ وكيف إذا كان الأمر يتعلق ب 48 سنة، زمن مغامرة ابتدأت بالتمرد على أوامر الوالدة الحديدية والفروض الدراسية لمعانقة الخشبة الحلم أو حلم الخشبة. إنها المعادلة التي حاول أن يجسدها نور الدين بكر، في لحظة تجلي، يعانق فيها الماضي ليستوجب الحاضر وغيره، كينونته هو كإنسان أولا ثم كفنان. من خلال النص - السيناريو الذي كتبه على أسماعي وادريش شويكة، وعبر لوحات متتالية، يعود نور الدين بكر إلى ذاكرته الخصبة، يحكي ويحكي ثم يحكي، مفجرا كل ما يملكه من طاقة، ليقول لنا إن حياته كفنان، حياة كل فنان، ليست كما يمكن أن نتصورها مجرد متواليات من الشهرة والأضواء، بل هناك أيضا المعاناة، معاناته كمواطن، عاش تموجات المجتمع وآلامه وإرهاصاته أيضا، ولكنه كفنان قدر لنا أن يعانيها بشكل مضاعف، لأن مجتمعا، كالمجتمع المغربي في تلك الفترة، كان يجاهد لتكسير شتى القيود التي تكبله، لم يكن إثبات الذات داخله بالأمر السهل. من خلال هذه المعادلة، معادلة الفنان، المواطن والعكس، وعبر تجسيد سينمائي متميز، يحاول المزج بين المسرح والسينما في تجربة غير مسبوقة ، كنا على موعد مع العرض ما قبل الأول ل «حياة فنان» على خشبة المركب الثقافي لمدينة خريبكة، وذلك يوم الثلاثاء 22 يناير الجاري. «الاتحاد الاشتراكي» التي تابعت أطوار هذه المغامرة الفنية منذ البداية ، عايشت المراحل الإعدادية وما واكبها من توجس ومحاولات للتغلب على كل المصاعب . والحقيقة فإن «حياة فنان» تعتبر تجربة أولى على الصعيد الوطني، فللمرة الأولى، ومن خلال نص مكتوب ومفتوح ، يحكي فنان في حجم وتجربة نور الدين بكر، عن حياته منذ الولادة، مرورا عبر بدايات عشقه للمسرح وكيف وجد نفسه مجبرا على الاختياربين متابعة مساره الدراسية مثل باقي أقرانه ، أو الانغماس إلى حدود الانصهار في عالم المسرح الذي عشقه منذ الصغر، الإجابة معروفة طبعا، وإلا ما كنا عرفنا نور الدين بكر، لكن هذا ليس مكمن الفرس ، فنحن حتى غالبا نعرف عن الفنان عندما ينجح وعندما يصل إلى قمة عطائه وتسلط عليه الاضواء، لكن الطريق نحو الشهرة، تلك المعاناة والتضحيات التي قد تصل الى حدود الانفصال عن الحب الأول، الصراع من أجل القوت اليومي، تقديم التنازلات تلو الأخرى، قبل تحقيق الذات، كل هذه المراحل القاسية، التي عاشها بكر وغيره كثير سنراها مجسدة على الخشبة، من خلال بكر وعبره، يسترجع أمامنا، صورا مجسدا عن مسيرة تقارب النصف قرن. لقد كان من الممتع والمثير أن نرى بكر وقد تجاوز الستين مازال قادرا على إمتاعنا وشدنا كما تعودنا عليه منذ سنوات خلت. إنه العشق الأزلي للخشبة فما أن صعد بكر، حتى توارت سنوات العمر الى الوراء، وعادت أيام الشباب تتحدى تكالب السنين، لتستمر في الأخير للإرادة البشرية التي وحدها تحرك هذا العالم ، في جو فكاهي ساخر وصادم يستحق المتابعة حياة فنان كتبها عن تجربة نور الدين بكر كل من إدريس اشويكة وعلي اسماعي وجسدها نور الدين بكر بمشاركة رقية بنحدو ، وأخرجها ادريس اشويكة ، وقد أنجز العرض بدعم الإدارة الجهوية لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ، وسيتم تقديم هذه العرض في مختلف المدن المغربية وخارج المغرب.