محمد مجد، الممثل والبيضاوي بامتياز، ولد بدرب السلطان لايحتاج الى شذرات أضواء الكتابة، لاستدراجه من خصلة نكران الذات، واحجامه الرفيع، المتعارف عليه عن الظهور المتهافت والبروز في مقدمة الصورة، للتعريف به، فهو ماثل بشكل قوي في ذاكرات الملتحقين الشباب بالمسرح، من هواة جيل السبعينيات، مثلي تماما وهو مايعني في المعنى الأول والأخير، قدرته البالغة، العنيدة? المشغولة بالوله والمكابدة، الموصولة بوجاهة وعي اختياراته التي لاتلين على ترتيب مجد اسمه وبالتالي اعلائه في ضجة الصمت على ايقاعات خصوصيات حلقات التجربة الطويلة وتلاوينها الخصيبة كممثل لافت قبل هذا التاريخ? تداولته سنوات مسرح العمر الجميل كثيرا، وتداول فرقا مسرحية كثيرة، هو بعض حقيقة التاريخ الذي يكتب مفقود الحلقات الفارغة اذن، ويحقن أعطاب الذاكرة المسرحية المغمى عليها في وعكات النسيان المزمنة، المتاهية، بأمصال الانعاش والحيوية، له روح الأغاني اليوم، التي لاتنكتب ولاتنقال، لفلذات كبده أطفاله، وفيء ظلال شجرة اسناده، شقيقة روحه وشركة عمره الممثلة، فتيحة وانيلي، له ماذا هذا الشرف الرفيع، ووقار هذا الشيب قبل الأوان المخضب بمتاعب نهج المسارات، وإدمان تعدد أدوار الحيوات المختلفة مسرحيا لحد عمق رحم الدنيا وحائطها الأخير له الوجوه الوفيرة من الممثلين الأصدقاء ممن رحلوا، وهاجروا، ومايزالون، يعدها واحدا واحدا، وهي تعبر شريط تأمل صمته على هامش موسيقى نبضات أوجاع تأوهاته الكامنة? له البلاد، مسرحا منتشرا، مفروشا بمتعة صباه وريعان شبابه، وخشبة بهيجة مديدة العمر معمدة وممهورة ببصمات جسده، وستارة لامعة من برق وميض انخطاف مرايا جلده وهي تتفتح الليلة علي عبوره النهر الفياض لشارع: «آيت افلمان» على هامش السينما الملكي، رفقة صديقيه الحميمين، الممثل الصاعقة محمد الحبشي، والممثل الكبير الناجي، المقيم في فرنسا منذ سنوات، وعيون الخلائق مسبلة من فرط الدهشة والاعجاب، هناك داخل ثنيات ذلك الزمن السبعيني المشغول بالأنفاس الأخيرة لفرقة المعمورة، والانزلاقات الصاعدة لسلطة مسرح الطيب الصديقي، وفرجته المطرزة بالولاءات? محمد مجد، كان من بين الذين حرضوني رمزيا، وغيري كثير علي الانخراط في دوخة المسرح وأنا ألاحقه معجبا من حيث لايدري، وهو مايزال شابا وسيما مايزال وسيما، في قمة نضج تعب العمر المسرحي المطرز بلآلئ الأبوة الساكنة لصولات مجدها العميق في الزمن في دروب درب السلطان، وفي عز مقهى لاكوميدي من بعيد، وفي المسرح البلدي وفي المسرحيات التي ما انتهت يوما، لا أعرف له مهنة أخرى غير عذابات صراط التمثيل يمشيها مايزال، وقد سقطت غير قليل من أوراق الممثلين من أصدقائه وذهبت باتجاه رياح العمل في الادارات والشركات هو الذي توج مؤخرا، كأحسن ممثل في أحد المهرجانات الأوربية للسينما، عن دوره المتميز في شريط المخرج الشاب، داوود أولاد السيد? «عود الريح» بصرف النظر عن بداية واقعيته المشغولة بحرفية التقمص، يمتاز بخاصية الاقتصاد المحكم في التعامل مع جسده، وإدارة اشتعالات مكوناته الفائضة بروية وأناة? ممثل ليس في مقدمة الصورة أبدا، ولكن في القدرة العصية والميسورة سيان على لفت الانتباه إليه، واحكام أضواء البصر لمتابعته والإصغاء إليه، لماذا يحيلني دائما على الممثلين الكبار، المصريين على الخصوص الذين ظلوا أبدا في خلفية الصورة، على هامش رغوة فقاعات النجوم الابطال، وهم يأفلون سريعا كالفقاعات، المرحوم عند الوارث عسر، المرحوم وداد حمدي، والمرحوم الكبير والمغربي الذي لابد منه، عبد الرحيم اسحاق? في اعتقادي أن شحنة الصدق، والوفاء المشروط لعلاقته القدرية والحميمية مع الفن عموما والتمثيل تحديدا، هي التي تنظم آليات ابداعاته وتحكمها كممثل مقبول، ومحبوب سواء في خلفية الصورة أو في مقدمتها سيان، ما يحز في نفسي، هو أن هذا التكريم التتويج، جاء من الغرب، من خارج الجنسية، كما لو أن الغرب دائما، هو المفوض الوصي للتأشير على اشراقاتنا وفيض عطاءاتنا المسكوت عنها? كم يحتاج محمد مجد، المخرج المسرحي والممثل الى أكثر من تكريم وتتويج في وطنه? هنيئا محمد مجد، في صمته، وهو يعلي شأن الممجدين من الممثلين المغاربة، وأعرف أن الفنانة الكبيرة ثريا جبران سوف تزغرد لتتويج واحد من أبناء جيلها، هي التي جرعها مغرب الاستبداد الرسمي مرير العذابات? وشكرا ل داوود أولاد السيد الذي حاك تفصيلة لمجد عرس لامتناه?