في دهاليز معتمة .. وتحت أضواء غامقة .. وسط دخان لم يجد لنفسه منفذا للتبديد .. تحت صخب قهقهات شباب وأطفال وصبايا .. تختلط بموسيقى لا يكاد يلقي أحد إليها بالا .. أغلب الرواد لم يتجاوز بعد عتبة العشرين ربيعا .. منهم من ترك كرسيه فارغا بالمدرسة .. ومنهم من أصبحت وجهته المفضلة بعد الفراغ من الدراسة أو العمل ، هو هذه « الفضاءات « التي تسمى مقاهي الشيشا .. كل شيء بالمكان يوحي بالمحظور .. رؤيا محجوبة .. زوايا داكنة .. تعمد «الصانع» إخفاء» زبنائها فيها .. من القاصرين والمراهقين والراشدين و.. القاصرات ؟؟ لتعاطي أكثر من الشيشا ؟؟ وتبادل أكثر من رشفات في جلسة عابرة ..؟؟ هي قيم غريبة عن مجتمعنا بكل المقاييس ، استوردناها من الشرق .. وصرنا نسوق لها بطريقة محتشمة مع مطلع تسعينيات القرن الماضي .. وشيئا فشيئا استفحلت الظاهرة .. وصارت دروبنا وأحياؤنا وشوارعنا ، لا تكاد تخلو من هذه الدهاليز التي يقولون عنها ، تارة مقهى ،وتارة نادي الألعاب؟؟ نمو الظاهرة لم يتم في غفلة عن السلطات المحلية ، ولا في غفلة أيضا عن المجالس البلدية؟ الكل على علم ، لكن الجعل من هذه الحفر موردا إضافيا للمال الوسخ هو الذي سمح لهذه الأوكار بالتسرطن ؟؟ وفي مدينة مكناس ، وبعد أن سجلنا للسلطة المحلية في سنة 2009 ، تحركها لمواجهة الظاهرة ، بالرغم من كونه جاء متأخرا .. فان الأمر لم يتجاوز ما صار يعرف بالحملات الموسمية والانتقائية .. ولكنها لم تخل من مرد ودية ايجابية حيث تم إغلاق أكثر من 20 مقهى إغلاقا مؤقتا ، وتم سحب 12 ، بالإضافة الى العشرات من الإنذارات . لكن العديد من هذه القرارات لم تنفذ .. وهو ما يعطي الانطباع بأن هذه السلطات تكيل بمكيالين ؟؟ ففي الوقت الذي تجند فيه كل إمكانياتها عندما يتعلق الأمر بمواطن بسيط لإفراغه من مسكنه مثلا ، لا نجد أثرا لكل هذه الإمكانيات عندما يتعلق الأمر بتحقير قرار عاملي من طرف أرباب مقاهي الشيشا ؟ لكن المصيبة العظمى ،هي أن المنتخبين الذين يفترض فيهم أن يكونوا أول من يتصدى للظاهرة، لأنهم ممثلون للسكان ومسؤولون عن حماية النشء من أوكار الانحراف هذه ، نجدهم في الليلة الأولى التي تم فيها إعلان انتقال الوالي السابق ، وتعويضه بوال جديد ، قد سارعوا - رئيسا وبعضا من نوابه مفوضا لهم بالتوقيع- الى إرجاع الرخص بفتح محلات الشيشا لكل تلك التي سحبت منها الرخصة.. ؟؟ واليوم ، وبعد الشكايات المتعددة التي ترد على كل المسؤولين من سلطات محلية ومصالح أمنية ومجلس بلدي .. تطالب بحماية السكان من المس بالأخلاق العامة ، الذي تشكله مقاهي الشيشا ، فان تحركا آخر قد بدأته لجنة مختلطة أطلقت على نفسها اسم اللجنة الإقليمية الموسعة ، وقد حجزت في تحرك بسيط 659 قنينة و 811 خرطوما لاستهلاك مادة الشيشا و6 كيلوغرامات من مادة المعسل . والمواطن المكناسي الذي يتوجس من أن تكون هذه الحملة مجرد ذر للرماد في العيون ، يطالب بأن تتحول الى إستراتيجية للقضاء على كل هذه الأوكار، حماية لجيل الغد من الدمار ، وحماية للقانون من الانتهاك .