أصدر كل من ناثان براون وعمر حمزاوي كتابا هاما يتناول بالتحليل حضور الإسلاميين في البرلمانات العربية، وهو بعنوان «بين الدين والسياسة الإسلاميون في البرلمانات العربية». يبيّن الكاتبان أنّ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهد صعود ما يسمى الإسلاموية البرلمانية، حيث شكل الإسلاميون في الأردن أكبر كتلة معارضة، وشاركوا في الحكومة الكويتية، وفازوا في العام 2005 بمعظم الانتخابات التي خاضوها في مصر، وفازوا بالانتخابات البرلمانية التي جرت في المغرب عام 2007. وفي اليمن دخلوا في الائتلاف الحاكم وفي حزب المعارضة الرئيسية. وفي فلسطين فازوا بالانتخابات التشريعية، وشكلوا حكومة في قطاع غزة، وبالتالي، لا تبتعد المكاسب الانتخابية للإسلاميين عن موجة صعود حركات الإسلام السياسي في البلدان العربية والإسلامية، لكنها أفرزت مواقف مختلفة، إذ قبل بعض القوى السياسية، مشاركة الإسلاميين بحذر. فيما بقيت تلك القضية، تثير المخاوف لدى قوى أخرى، لكنها باتت لاعباً مؤثراً في الحياة السياسية، الأمر الذي اتضح جيداً في المرحلة الانتقالية لثورات الربيع العربي، من خلال وصول الأحزاب الإسلامية في كل من تونس ومصر، إلى السلطة وحكم البلاد. ويلاحظ المؤلفان أنه قبل موجة الربيع العربي، كانت الأنظمة العربية تنظر إلى صعود حركات الإسلام السياسي، بوصفه تهديداً أمنياً أكثر منه تحدياً سياسياً، لكن ذلك لم يمنع دخول الحركات الإسلامية المعترك الانتخابي بحماسة متزايدة في بعض البلدان العربية، بالرغم من تعرضها إلى ضغوط سياسية قوية. واختلفت تجارب الإسلاميين في البرلمانات إلى حدّ كبير، نظراً لاختلاف ظروف كل بلد. وبفعل تبني الحركات الإسلامية نماذج مختلفة للمشاركة السياسية، بالنظر إلى طبيعة البيئة السياسية التي يعملون فيها، والتي تركت بصماتها على الاستراتيجيات المختلفة لتلك الحركات، في إدارة التوترات الأيديولوجية والبراغماتية. ويميز مؤلفا الكتاب ما بين ثلاث نماذج لمشاركة الإسلاميين في الانتخابات العربية، معتبرين أن النموذج الأول، الأكثر استقراراً لمشاركة الإسلاميين في العمل السياسي الرسمي، ويمثله كل من: حزب العدالة والتنمية المغربي، جمعية حركة السلم الجزائرية، الحركة الدستورية الإسلامية في الكويت، جمعية الوفاق الإسلامي في البحرين. إذ اعتمدت، جميعها، المشاركة البرلمانية السلمية، بوصفها الخيار الاستراتيجي الوحيد. وأفضى قبول المشاركة السياسية السلمية، لدى الحركات الإسلامية، إلى انخفاض حدّة الخطاب الإقصائي. ويسوق المؤلفان مثالاً على تحقيق المصالحة بين المرجعية الدينية وبين مقتضيات الواقعية السياسية، يتثمل في اقترح حركات سياسية إسلامية، مثل حزب التنمية والعدالة، وحزب الوسط المصري، المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، صيغاً أيديولوجية بديلةً، تُبقي على الطابع الديني الشامل، وتمنح في الوقت نفسه، هذه الحركات مساحة أكبر للمناورة. ويرى المؤلفان أن النموذج الثاني، تجسده حركات مثل جبهة العمل الإسلامي الأردنية، وجماعة الإخوان المسلمين المصرية، والتجمع اليمني للإصلاح في اليمن، واعتمدت مقاربة مقاربة مختلفة، حيث صمد هؤلاء الإسلاميون، الذين يمثلون النمط الثاني من المشاركة الإسلامية، في وجه الفضاء السياسي المتقلب وهشاشة علاقتهم مع النخب الحاكمة. أما النموذج الثالث، فيسوقه المؤلفان من مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية، وتمثله الحالات العراقية واللبنانية والفلسطينية، حيث تعمل الأحزاب والحركات الإسلامية بحرية تنظيمية نسبية، في إطار تعددية الأحزاب السياسية، لكن بوجود مناخ من الفوضى النسبية إلى جانب أن الحركات الإسلامية في العراق ولبنان وفلسطين، تتميز بهياكل داخلية منظمة، وحيازة وسائل ممارسة العنف. ويسكنها الميل إلى اللجوء إلى العنف أو التهديد باللجوء إليه، في حلّ النزاعات السياسية. فضلاً عن تبعات الانقسامات الطائفية والمذهبية السياسية. وكل ذلك، يسم الحركات الإسلامية بهويات مزدوجة، فهي جهات سياسية فاعلة، وحركات عسكرية على حدّ سواء، بمعنى أن تجمع بين السياسة والعسكرة.