قال وزير الداخلية امحند العنصر أنه علاوة على القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهوية أو المتصلة بالجماعات الترابية الأخرى، فإن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة تتطلب إصدار أكثر من ثلاثين نصا تطبيقيا. وأكد العنصر، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن وزارة الداخلية جاهزة من الناحية التقنية بنسبة 90 إلى 95 في المئة، مشيرا إلى أن الإعداد اللوجيستي للانتخابات المقبلة يندرج ضمن الأمور التي اعتادت الوزارة على القيام بها على الوجه المطلوب، معتبرا أن الإعداد للمحطات الانتخابية المقبلة لا يتعلق فقط بإصدار مراسيم تحدد الجدولة الزمنية للانتخابات المقبلة، أو مراجعة بسيطة لقوانين موجودة، ولكن بوضع قواعد جديدة لإقامة مجالس جهوية ستنتخب لأول مرة بالاقتراع المباشر عملا بأحكام الدستور. وأضاف أن هذه المجالس سترتكز على مبادئ التدبير الحر والتعاون والتضامن وإشراك السكان في تدبير شؤونهم والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة، علما بأنه في ظل التنظيم الجديد للجماعات الترابية، فإن الجهة تتبوأ مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الأخرى في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب. واستحضر العنصر التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، الواردة في خطاب العرش لهذه السنة، والذي أكد فيه جلالته على أن الجهوية المتقدمة التي كرسها الدستور الجديد، تشكل ورشا كبيرا يتعين تدبيره بكامل التأني والتبصر، ليكون تفعيلها كفيلا بإحداث تغيير جوهري وتدريجي، في تنظيم هياكل الدولة، وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية. واعتبر الوزير أن مشاريع القوانين المؤطرة للجهوية والجماعات الترابية الأخرى يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التوجيهات الملكية السامية وكذا المستجدات الدستورية، وأن تعمل على أن يكون لكل نوع من الجماعات الترابية موارد مالية ذاتية وموارد مرصودة من قبل الدولة، واختصاصات واضحة مع الحرص على أن تكون هذه الاختصاصات متكاملة ومنسجمة. وذكر في هذا السياق أن تنظيم الاستحقاقات الانتخابية المقبلة يرتبط بتنزيل مضامين الدستور الجديد الذي صادق عليه الشعب المغربي يوم فاتح يوليو 2011، بما يتضمنه من مستجدات، ولاسيما ما يتعلق بإرساء الجهوية المتقدمة التي تقتضي توضيح طريقة انتخاب أعضاء مجالس الجهات وتحديد عدد هذه المجالس وتمكينها من اختصاصات وموارد مالية وبشرية لتنهض بالمهام الموكولة إليها، مع ما يترتب عن ذلك من ضرورة إعادة النظر في اختصاصات الجماعات الترابية الأخرى ومراجعة العديد من القضايا المرتبطة بسير هذه المجالس، علما بأن مسألة الجهوية لا يمكن فصلها عن الجماعات الترابية الأخرى، ولا عن قضية الوحدة الترابية للمملكة وعن التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأشار إلى أن مسألة تنزيل الدستور، خاصة في ما يتعلق بالمؤسسات المنتخبة، أثارت وتثير عدة أسئلة من طرف الفاعلين والباحثين والمهتمين بتدبير الشأن العام سواء داخل البرلمان أو خارجه حول العديد من القضايا كعدد الجهات واختصاصاتها ومصادر تمويلها، إضافة إلى علاقة هذه المستجدات بقضايا أخرى تهم انتخاب باقي المجالس المنتخبة كمدى نجاعة نظام وحدة المدينة ونظام المقاطعات الجماعية ومدى ملاءمة إعادة النظر في نمط الاقتراع وعقلنة عدد المستشارين في الجماعات واختصاصات المقاطعات والتقطيع الانتخابي وتمثيلية المرأة وغيرها. وأضاف أن هذه الأمور تستدعي فتح حوار مع مختلف الفرقاء وإجراء استشارات واسعة للوصول إلى مستوى مقبول من التوافق بشأنها، على اعتبار أنها قضايا مصيرية ترهن مستقبل البلاد. وقال العنصر، في هذا الصدد، انه نظرا لأهمية الموضوع فقد قامت الوزارة بإعداد أرضية يمكن اعتمادها كأساس لوضع مشاريع القوانين التنظيمية ذات الصلة بتدبير الجماعات الترابية، وهي الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة على هذه الأرضية. وشدد على أن من الأهمية بمكان توفير الظروف الملائمة لضمان تنزيل أفضل لأحكام الدستور وإجراء الاستحقاقات المقبلة في جو من التشاور والتوافق بين مختلف الفاعلين السياسيين لترقى إلى المستوى الذي يتطلع إليه المواطنون ومختلف الفاعلين، ولإفراز مؤسسات قوية ومتجانسة وذات نجاعة وفعالية، تشكل رافعة قوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. واعتبر أنه حين يتم التوافق على القضايا المطروحة في إطار التشاور البناء بين مختلف الفاعلين السياسيين، ستتضح الرؤيا وستتحدد الجدولة الزمنية التي سيعلن عنها بوقت كاف يسمح لجميع الفاعلين السياسيين بما في ذلك الأحزاب والمنظمات النقابية والمهنيين بالاستعداد لإجراء هذه الانتخابات في أحسن الظروف. وبالموازاة مع تقدم ورش الجهوية ولكسب الرهانات الكبرى المرتبطة به، يقول العنصر فإنه يتعين الشروع في أقرب الآجال في إصلاح الإدارة العمومية، لتمكينها من مواكبة متطلبات الرؤية الترابية الجديدة، خاصة في ما يتعلق بمسألة اللاتمركز الاداري وذلك عن طريق اعتماد ميثاق للاتمركز، يمكن الإدارة من إعادة انتشار مرافقها، ومساعدتها على التجاوب الأمثل مع حاجيات المصالح اللامتمركزة، وجعلها تستشعر المسئولية الحقيقية في وضع المشاريع وإقرار الشروط الكفيلة بضمان حسن تنفيذها وتتبعها وتسييرها. من جهة أخرى، أكد محند العنصر أن الوزارة كانت شديدة الحرص على أن تمر الانتخابات التشريعية الجزئية التي تم تنظيمها خلال السنة الجارية في جو تطبعه المنافسة السليمة بين الأطراف السياسية المعنية، كما أنها تعاملت بكيفية ملتزمة وحيادية إزاء كافة الهيئات السياسية التي تقدمت بمرشحين لهذه الانتخابات الجزئية، ولم يثبت قط أن وجهت إليها شكاية أو انتقاد في هذا الباب من أية جهة سياسية. وأشار إلى «أن هذا الالتزام هو الذي يحكم أيضا تعامل الوزارة مع الحياة الحزبية، حيث أنها تعتبر أن الحياة الحزبية شأن داخلي للأحزاب السياسية، وأن علاقة الوزارة بها تقتصر على الإطار الذي يحدده القانون لهذه الغاية دون أي تدخل أو تجاوز كيفما كان » . على صعيد آخر، أكد العنصر أن مديرية الشؤون القروية بالوزارة قامت بإصدار ميثاق للاتمركز تدبير شؤون الجماعات السلالية والأراضي الجماعية، سيشرع في تطبيقه ابتداء من سنة 2013 بطريقة تدريجية لنقل مجموعة من اختصاصات الوصاية على الجماعات السلالية وممتلكاتها من المستوى المركزي إلى الإقليمي في تناغم مع روح الجهوية الموسعة وتكريسا لسياسة القرب التي تتبناها الحكومة. موضحا أن مديرية الشؤون القروية قامت أيضا بوضع مخطط عمل استراتيجي 2013 -2015، وعملت على إطلاق موقع إلكتروني للجماعات السلالية والأراضي الجماعية. وذكر الوزير أن الأراضي الجماعية تمثل رصيدا عقاريا مهما يساهم بشكل فعال في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وكذا في تحسين ظروف عيش ومداخيل أعضاء الجماعات السلالية، مضيفا أن هذا الرصيد العقاري يقدر ب 15 مليون هكتار، تشكل الأراضي الرعوية نسبة تفوق 85 في المئة منه، وتوظف أهم المساحات المتبقية في النشاط الفلاحي (2 مليون هكتار). وأشار الى أنه لتسيير وتدبير شؤون الجماعات السلالية وممتلكاتها، وطبقا لمقتضيات الظهير الشريف ل 27 أبريل 1919، فقد خول لوزير الداخلية القيام بمهام الوصاية عليها، مضيفا أن الإطار المؤسساتي لهذه الوصاية يضم مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية، ومجلس الوصاية، والسلطات الإقليمية والمحلية ونواب الجماعات السلالية. وبخصوص الإشكاليات المرتبطة بتدبير الأراضي الجماعية، شدد العنصر على أن مصالح الوصاية عملت على وضع استراتيجية واضحة المعالم في تسيير وتدبير الأراضي الجماعية تهم التصفية القانونية للأراضي الجماعية، وتدبير النزاعات، ومؤسسة نائب الجماعة السلالية. ففي ما يتعلق بالتصفية القانونية للأراضي الجماعية، قال العنصر إن مصالح الوزارة تعمل على تصفية العقارات الجماعية بهدف تثبيت ملكية الرصيد العقاري لفائدة الجماعات السلالية وتحصينه من كل أشكال الترامي، وذلك عبر برامج للتحديد الإداري والتحفيظ العقاري. وأشار إلى أن الحصيلة الإجمالية لعمليات التصفية القانونية للأراضي الجماعية همت أراضي موضوع تحديدات إدارية (6.4 مليون هكتار)، وأراضي موضوع مطالب التحفيظ أو محفظة (2 مليون هكتار)، وأراضي في طور التصفية العقارية القانونية (6.6 مليون هكتار). وللرفع من وتيرة تحفيظ الأراضي الجماعية، يضيف الوزير، تم إبرام اتفاقية شراكة مع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، حيث من المرتقب أن يتم خلال السنتين المقبلتين تحفيظ ما يناهز 2.3 مليون هكتار من هذه الأراضي. وفي ما يخص الجانب المتعلق بتدبير النزاعات، ذكر العنصر، أن النزاعات بين الجماعات السلالية، والتي تكون في جلها جد قديمة، تعد من أهم الإشكاليات التي تعوق التصفية القانونية لمساحات شاسعة من الأراضي الجماعية بعدة أقاليم من المملكة. وأضاف أنه بغية وضع حد لهذه النزاعات، ما فتئت سلطات الوصاية تعمل جاهدة في إطار مقاربة تشاورية وتوافقية على التحسيس والبحث عن تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف المعنية عبر مجموعة من الإجراءات (إيفاد لجن إدارية تقنية، عقد اجتماعات موسعة مع جميع الأطراف المعنية، خروج أعضاء مجلس الوصاية للوقوف على حقيقة النزاعات المطروحة)، مشددا على أن المجهودات المبذولة من طرف مصالح الوصاية تبقى رهينة بمدى الاستعداد الحقيقي لكل الأطراف المعنية بإيجاد حل لهذه النزاعات. وبخصوص مؤسسة نائب الجماعة السلالية، أشار الوزير إلى أن ممارسة المهام المخولة لهؤلاء النواب تنظمها المواد الواردة في دليل النائب الصادر عن مصالح الوصاية في 8 مارس 2008 والذي يشكل الوثيقة المرجعية التي تحدد المسطرة المتبعة لاختيار نائب الجماعة السلالية ومدة ولايته واختصاصاته ومجالات تدخله والحالات التي تستوجب عزله. ولتكريس توجه المقاربة التشاورية و التشاركية في اتخاد القرار على صعيد الجماعات السلالية، قال الوزير، إنه تم استصدار دورية وزارية، تحث نواب هذه الجماعات على استشارة ذوي الحقوق قبل إعطاء الموافقة على أية معاملة تهم الأراضي الجماعية كالكراء والتفويت، مضيفا أن السلطات المحلية والإقليمية لم تتهاون في عزل النواب الذين ثبتت في حقهم خروقات وتجاوزات في ممارسة مهامهم. وفي معرض رده على سؤال حول التدابير المتخذة للنهوض بوضعية المرأة السلالية، قال العنصر إنه من أجل تدارك الوضع الذي كان سائدا والمتمثل في إقصاء النساء السلاليات من الاستفادة من الأراضي الجماعية ومن عائداتها إسوة بإخوانهن الرجال، أقدمت مصالح الوصاية، في إطار مقاربة تدريجية وتشاورية مع جميع الفاعلين المعنيين على إصدار دوريتين وزاريتين بخصوص استفادة النساء السلاليات من التعويضات المادية وحق الانتفاع في الأراضي الجماعية. وأبرز أن تفعيل هاتين الدوريتين سجل نتائج إيجابية، كما تدل على ذلك حصيلة سنة 2012، حيث بلغ عدد النساء السلاليات المستفيدات ما يقارب 21 ألف امرأة سلالية وزعت عليهن مبالغ تناهز 153 مليون درهم، وهو ما يمثل نسبة 36 بالمائة من المبالغ المالية الموزعة على مجموع ذوي الحقوق أفراد الجماعات السلالية والتي بلغت 420 مليون درهم. من جهة أخرى، أشار العنصر إلى أن مصالح الوصاية تعمل على تشجيع ذوي الحقوق على إنجاز مشاريع تنموية تعود عليهم بالنفع في إطار فردي أو في إطار جمعيات وتعاونيات تضمن صيرورة وديمومة هذه المشاريع، مضيفا أنه لتعزيز هذا التوجه، تم التوقيع مع وزارة الفلاحة على اتفاقية من أجل دعم ذوي الحقوق قصد استغلال عقاراتهم في إطار الفلاحة التضامنية والإستفادة من المساعدات والدعم المقدمين في إطار مخطط المغرب الأخضر. وبموازة مع الاستغلال المباشر من طرف ذوي الحقوق، وفي إطار دعم ومواكبة السياسات الحكومية في عدة قطاعات، يقول الوزير، تعمل مصالح الوصاية على وضع أوعية عقارية جماعية رهن إشارة مستثمرين في القطاع العام أو الخاص، عبر عمليات الكراء أو التفويت وفق ضوابط ومساطر محددة ترتكز أساسا على موافقة نواب الجماعات السلالية المعنية. وفي الميدان الفلاحي، أبرز العنصر أن هناك برنامجا طموحا للشراكة في إطار مخطط المغرب الأخضر، يتجلى بالأساس في توقيع اتفاقية من أجل تعبئة ما يناهز 40.000 هكتار من الأراضي الجماعية في إطار عمليات الكراء لمستثمرين خواص. وأكد أن عمليات كراء وتفويت الأراضي الجماعية توفر عائدات مالية يوظف قسط مهم منها في إنجاز مشاريع تنموية لصالح الجماعات السلالية تتعلق بمجالات مختلفة كالمسالك القروية والكهربة والماء الصالح للشرب والبنايات ذات الطابع الاجتماعي والمنشآت السقوية وكذا المشاريع المدرة للدخل. كما تعمل مصالح الوصاية على إدراج هذه المشاريع في مسلسل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وكذا في إطار تشاركي مع مؤسسات وفعاليات محلية. وأضاف العنصر أنه تم خلال الأربع سنوات الأخيرة رصد 341 مليون لإنجاز 565 مشروع بتراب 46 عمالة وإقليم، وذلك لفائدة 390 جماعة سلالية بساكنة تقدر بأزيد من 600 ألف نسمة. وبخصوص تدبير الأراضي الجماعية أكد الوزير أن مصالح الوصاية منكبة على إعداد أرضية العمل من أجل فتح نقاش وطني ستساهم فيه جميع الفعاليات (إدارات عمومية، سياسيين، مجتمع مدني، منتخبين، نواب الأراضي الجماعية...إلخ)، مضيفا أنه يمكن في إطار هذا النقاش الوطني طرح الإصلاحات المؤسساتية والقانونية الأنجع لتدبير وتسيير الجماعات السلالية وممتلكاتها.