راهن مشروع إحداث المراكز الجهوية لمهن للتربية والتكوين على التوجه رأسا إلى الفاعل الأساسي في المنظومة التربوية. إذ لم يكن بالإمكان تصور أي إصلاح للمنظومة التربوية في ظل اعتماد عدة تكوين متقادمة إن على مستوى التسيير والتدبير أو على مستوى التأهيل المهني والبيداغوجي للأطر التربوية. لقد انطلق مشروع التصور الجديد لمنظومة التكوين مع المخطط الاستعجالي، الأمر الذي لا يمكن أن ينكره إلا جاحد، وربما تعد ولادة هذه المؤسسة الجديدة إحدى الإيجابيات الفعلية لهذا المخطط وسط زخم علاته. لقد فرض هذا التصور الجديد، على الرغم من الانتقادات المجانية، الانطلاق من استشارة واسعة شملت نخبة من الممارسين بقطاع التكوين واستلهمت تصوراتها من المستجدات العلمية والتجارب الرائدة في مجال التكوين. وما يحسب لهذا المشروع التجديدي أنه تم بمقدورات خبرات وطنية خالصة، وبإمكانات لوجستيكية ضعيفة إن لم نقل شحيحة إلى أبعد حدود التقشف. لقد انطلق مشروع إحداث هذه المؤسسات الجديدة منذ سنة 2009، ورغم التحول السياسي الطارئ على تدبير قطاع التربية والتكوين سنة 2011 ستتبناه الإدارة الجديدة وتعتبره مولودها الخالص. ويمكن أن نجمل البعد التجديدي لمنظومة التكوين من خلال إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين في العناصر التالية: - توحيد مؤسسات التكوين السابقة ضمن المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين كمؤسسات للتعليم العالي غير تابعة للجامعات. - التمفصل بين التكوين الأساس والتأهيل المهني والتكوين المستمر. - اعتماد مفهوم المهننة في تأهيل الأساتذة المتدربين. - تبني المقاربة بالكفايات كإطار منهجي والمقاربة المجزوءاتية كهيكلة لمنهاج التأهيل. - تبني التكوين بالتناوب مع التركيز على الوضعيات والأنشطة المهنية. - الانفتاح على المحيط السوسيو ثقافي للمتعلمين. وعلى الرغم من الطموح الكبير الذي واكب ولادة هذه المؤسسات، فقد اعترى إرساؤها جملة من العوائق، يظل أبرزها: - تصدي جيوب المحافظين سواء على مستوى الإدارة المركزية أو الجهوية لنجاحها. - تعثر صدور النصوص التنظيمية الخاصة بالتسيير الإداري والتربوي وبمختلف المتدخلين في التكوين. - ممانعة فئة من الأساتذة المكونين لصيرورة التجديد تبعا لمصالح فئوية ضيقة أو عن جهل مطبق بفلسفة التكوين الجديدة. فواقع المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بعد مرور ثلاثة أشهر من انطلاق موسمها التكويني الأول يتسم بالانحراف عن مسارها التجديدي لصالح التكيف مع واقع تكويني متقادم، تستميت فيه الأطراف المحافظة بكل ما أوتيت من قوة ووسائل، للدفاع عن مصالحها الفئوية الضيقة ونرجسيتها البيروقراطية للفتك بهذا المولود الجديد في مهده. فعلى مستوى التسيير الإداري والمالي يتم تدبير هذه المراكز بتكليفات لمسؤولين سابقين، في حدود مدير المركز والمقتصد، وبموارد بشرية تكلست تجربتها بثقل سنوات العبث واللامسؤولية التي عاشتها مراكز التكوين لعقود. وبتجميد لكل هياكل التسيير: مجلس المؤسسة واللجن البيداغوجية والعلمية والمالية والشعب. ناهيك عن الميزانية الضعيفة والبنية المتهالكة والتجهيزات المتلاشية. وفيما يخص المستوى البيداغوجي، فعلى الرغم من استقطاب المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين لأساتذة باحثين حاصلين على الدكتوراه في كل التخصصات، فقد تركوا إلى حالهم يجابهون مهام التكوين المستجدة عليهم، بل اندس بينهم العديد من الأطر الإدارية التي وجدت في المراكز ملاذا لتغيير إطارها إلى أستاذ باحث ليس إلا. أكيد أن هندسة هذه المراكز قد تبنت إرساء متدرجا ومرنا يأخذ بعين الاعتبار إنضاج شروط نجاحها، من خلال اعتبار الموسم التكويني الحالي بمثابة مرحلة تجريبية تتخللها محطات لتكوين الموارد البشرية وتقويم عدة التكوين الجديدة بهدف تعضيد الإيجابيات وتعديل السلبيات. إلا أنه في غياب الإرادة الفعلية من قبل الجهات الوصية على منظومة التربية والتكوين وتقاعسها في تسريع إعطاء هذه المراكز لشخصيتها القانونية كمؤسسات للتعليم العالي وضمان دمقرطتها واستقلاليتها في التدبير الإداري والمالي والبيداغوجي، سيسمح للقوى المحافظة على تكييف مستجدات إصلاح منظومة التكوين وفق مصالحها الفئوية الضيقة.