قام المصريون برحلة أخرى إلى مراكز الاقتراع أول من أمس السبت للتصويت على دستور مثير للجدل، أدى لخلق حالة من الاستقطاب العميق في البلاد، في الوقت الذي وجهت المعارضة تحذيراً من وقوع عمليات تزوير أثناء الاستفتاء. بالنسبة لكثيرين، لم يكن الاستفتاء تصويتاً على مزايا مسودة الدستور في حد ذاتها، وإنما على أداء الرئيس محمد مرسي، الذي أدت قراراته الأخيرة لتعزيز سلطاته، وتعجيله بطرح المسودة للاستفتاء إلى تأجيج الغضب الشعبي، واندلاع احتجاجات واسعة النطاق سواء في العاصمة القاهرة أو غيرها من المدن في أنحاء مختلفة من مصر. منذ تنحي »مبارك« عن السلطة في فبراير2011 بعد انتفاضة شعبية عارمة ضد نظام حكمه، يشعر العديد من المصريين بالتعب والسأم من استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي، وتواصل القلاقل في الشوارع اللتين أثرتا على حالة الاقتصاد بشدة وحالتا دون تعافيه. من هؤلاء يوسف أمين الذي كان يقف في طابور أمام أحد لجان الاستفتاء في المطرية، وهي ضاحية شعبية تقع في أطراف القاهرة الشمالية، والذي استنتج التالي:»سوف يقول المصريون نعم في الاستفتاء، ولكن قلوبهم تريد أن تقول لا«. كان»أمين« يعمل في أحد الوظائف المرتبطة بصناعة السياحة التي تأثرت بشدة جراء استمرار الاحتجاجات والعنف. وعلى الرغم من أنه يعارض الدستور، فإنه سيصوت عليه ب»نعم«، كما يقول على أساس أن التصويت ب»لا« قد يقود إلى مزيد من عدم الاستقرار في البلاد، مما يفاقم من المشكلات التي يعاني منها بعد تأثر القطاع السياحي بشدة جراء الأحداث. انتظر المصريون في طوابير طويلة للإدلاء بأصواتهم أول من أمس السبت في العديد من مناطق العاصمة. في اليوم نفسه، شهدت ثماني محافظات أخرى من إجمالي محافظات مصر البالغة 27 محافظة تصويتاً على الاستفتاء، ومن المقرر أن تقوم باقي المحافظات بالتصويت يوم السبت القادم الموافق 22 ديسمبر. وكان الرئيس المصري قد قسم التصويت إلى مرحلتين في إجراء يهدف، كما هو ظاهر، للتغلب على مشكلة نقص القضاة الراغبين في الإشراف على الاستفتاء. من المعروف أن إشراف القضاء ضروري بموجب القانون المصري، ولكن الآف القضاة قرروا، احتجاجاً على تهميشهم، عدم الإشراف على الاستفتاء. وكان مرسي قد حصّن الشهر الماضي نفسه والجمعية التأسيسية للدستور ضد طعون القضاة، كما قام بإقالة النائب العام، على الرغم من إن ذلك الإجراء كان ممنوعاً بموجب الدستور القديم، وعين مدعي عام جديد محله. وعلى الرغم من أن مرسي عاد فألغى أجزاء من إعلانه الدستوري المثير للجدل الأسبوع الماضي، فإنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن دعا إلى استفتاء سريع على مسودة الدستور التي سارع أعضاء من حزبه إلى إتمامها من دون مشاركة من الأعضاء الليبراليين غير المنتمين للتيارات الإسلامية في الجمعية التأسيسية، الذين كانوا قد استقالوا في الأسابيع التي سبقت ذلك بدعوى أن أصواتهم يتم تجاهلها. والغضب ضد مرسي امتد إلى الناخبين في المطرية، وهي ضاحية فقيرة ينتمي معظم سكانها إلى الطبقة العاملة وليس إلى النخبة الليبرالية التي يحاول أنصار الرئيس في أحيان كثيرة تصويرها بأنها منفصلة عن نبض الواقع، وعن التيار العام من المواطنين. ويقول يحيى إبراهيم الذي يعيش في الضاحية والذي كان ينتظر في طابور خارج أحد مراكز الاستفتاء: »هل ترى الورطة التي تجد مصر نفسها فيها في الوقت الراهن؟ ما الذي فعله مرسي من أجل الخروج منها؟«. وكانت المصادمات قد اندلعت في القاهرة الأسبوع الماضي، عندما أرسل الإخوان المسلمون أفرادهم إلى محيط قصر الاتحادية الرئاسي لطرد المعتصمين من المعارضة أمام أسواره. وقام أعضاء »الإخوان المسلمين« بالقبض على، وتعذيب، العشرات من الأفراد واحتجزوا 50 منهم لما يقرب من 15 ساعة لانتزاع اعترافات منهم بأنهم قد حصلوا على أموال من قبل زعماء المعارضة للاحتجاج ومهاجمة الإخوان المسلمين. وأثناء المصادمات التي وقعت هناك لقي 11 شخصاً مصرعهم يقول »الإخوان« إن معظمهم من أعضاء الجماعة ومؤيديها. والرهانات التي تواجه مرسي خطيرة خصوصاً بعد أن أصدر عدداً من القرارات والمراسيم في الأسابيع الأخيرة، عندما وجد نفسه واقعاً تحت ضغوط متزايدة، ثم عاد ليعدلها أو يتراجع عنها تماماً بعد وقت قصير. ويصور البعض المعارضة بشكل متكرر على أنها تتكون من أنصار »مبارك« والنخبة الليبرالية التي لا تمثل غالبية المصريين. وإذا ما تمت الموافقة على الدستور بهامش كبير، فإن ذلك سيسمح للرئيس بتأكيد أنه يتمتع بتفويض شعبي، أما إذا رفضه الناس فإن ذلك سوف يؤدي لزيادة مشكلاته. يقول المحللون إن مرسي يعتمد في تمرير الدستور على رغبة المصريين الذين حل بهم الإرهاق في الاستقرار وعلى قدرات الحشد التي يتمتع بها الإخوان المسلمون. وقد ظلت أحزاب المعارضة تفكر في مقاطعة الاستفتاء على الدستور حتى ما قبل موعد الاستفتاء بأيام قليلة، قبل أن تقرر في نهاية المطاف دعوة أنصارها للمشاركة في الاستفتاء، والتصويت بالرفض. ولا شك أن تأخر أحزاب المعارضة، التي تقل قدرتها على التنظيم والحشد كثيراً عن قدرة الإخوان المسلمين، في توصيل رسالتها لقواعدها قد أضاع عليها وقتاً كانوا في مسيس الحاجة إليه لحشد تلك القواعد. وهناك كثيرون في المطرية خططوا للموافقة على الدستور عند الاستفتاء عليه بدعوى الرغبة في استقرار البلاد. من هؤلاء محمد محمد على الذي قال إنه قد صوت ب»نعم« لأن الأجيال الصاعدة في مصر تحتاج إلى مستقبل أفضل«. وأضاف الرجل وهو يشير إلى ابنه الواقف بجانبه »إذا ما قلنا لا فإن ذلك يعني أننا سنعيد البلد إلى الوراء لعام كامل في حين أنها تحتاج إلى أن تتقدم إلى الأمام«. وعبر آخرون عن شعورهم بالإحباط تجاه هؤلاء الذين عارضوا الدستور وخصوصاً السياسيين من زعماء المعارضة. من هؤلاء»نايلة حمدي« التي عرفت نفسها بأنها ربة منزل والتي تقول:» لقد قرأت مسودة الدستور ووجدته جيداً جداً واعتقد أن المعارضة تعارضه فقط لأنهم يعارضون مرسي« وأضافت:»إذا ما كان البعض غير راض عن مواد معينة في الدستور فإنه يمكن تعديلها في المستقبل وليست هناك حاجة لأن يكون الدستور خالياً من أي عيب في الوقت الراهن«. يؤيد غريب محسن هذا الرأي ويصر على أن عدد المواد التي يختلف المصريون بشأنها في الدستور قليل للغاية، وأن ذلك الأمر يمكن التعامل معه فيما بعد خصوصاً وأن الرئيس قد وعد بأنه سوف يعمل على تعديل المواد الخلافية بمجرد انتخاب برلمان جديد. ويضيف » الدستور يمهد الطريق لانتخاب مجلس شعب وهو ما سيعيد الاستقرار للبلاد ويعيد إليها الاستثمارات الأجنبية ويجعل عجلة الإنتاج تدور من جديد ويحسن حالة الاقتصاد... وفي رأيي أن هؤلاء الذين يعارضون الدستور يفعلون ذلك من أجل مصالحهم الخاصة«. «كريستيان ساينس مونيتور»