أخنوش: صادرات قطاع الطيران تواصل مسارا تصاعديا بزيادة قدرها 20% مع نهاية شهر شتنبر الماضي    معدل نشاط السكان بجهة طنجة يتجاوز الوطني والبطالة تسجل أدنى المستويات    البحرية الملكية تُحرر سفينة شحن حاول "حراكة" تحويل وجهتها الى اسبانيا        أخنوش: التوازن التجاري يتحسن بالمغرب .. والواردات ضمن "مستويات معقولة"    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة    المحامون يواصلون شل المحاكم.. ومطالب للحكومة بفتح حوار ووقف ضياع حقوق المتقاضين    "أطباء القطاع" يضربون احتجاجا على مضامين مشروع قانون مالية 2025    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    الجيش المغربي يشارك في تمرين بحري متعدد الجنسيات بالساحل التونسي        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    أقدم استعمال طبي للأعشاب في العالم يكتشف بمغارة تافوغالت    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    "المعلم" تتخطى عتبة البليون مشاهدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    المنتخب المغربي يستعد لمواجهة الغابون ببعثة خاصة واستدعاء مفاجئ لحارس جديد    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    مسار ‬تصاعدي ‬لعدد ‬السجناء ‬في ‬المغرب ‬ينذر ‬بأرقام ‬غير ‬مسبوقة ‬    مزور… الدورة الوزارية ال40 للجنة الكومسيك، مناسبة لتعزيز الاندماج الاقتصادي بين الدول الإسلامية    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    كيوسك الإثنين | "زبون سري" يرعب أصحاب الفنادق    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    الباشكي وأيت التباع يتألقان في بلوازن    السعودية تعلن اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي    مظاهرات بمدن مغربية تطالب بوقف الإبادة الإسرائيلية بغزة    الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر    تحقيق أمني بطنجة بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة في بنك المغرب    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    ابن تماسينت إبراهيم اليحياوي يناقش أطروحته للدكتوراه حول الحركات الاحتجاجية    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد حسنين هيكل: الإسلام السياسي في مصر لا يقبل الاختلاط الفكري

الوطن كله صار على المحك، الثقافة والفكر تحديداً في مهب الريح، جحافل التضييق والقولبة تزأر في عنف وكراهية، المشهد شديد القتامة والريبة، الأمر إذاً يحتاج إلى (حكيم) نستقطر من كلماته (روشتة الخلاص)، و(نوراً) يتقدمنا لاقتحام ذلك النفق المظلم الذي استطال بأكثر مما يجب، والأمر أيضاً يحتاج إلى (مرجعية) نعود إليها لنبحث لديها عن (بوصلة الاتجاه) الصحيح، ورشد ورشاد التوجه المستنير..
تلك هي المحاور التي تحدث عنها محمد حسنين هيكل في آخر حوار أجري معه..
تحول «الأهرام» تحت رئاستك إلى جسر حقيقي للتواصل مع الثقافات الأخرى من خلال دعوتك للعديد من القامات الكبيرة في مختلف المجالات؟
الأستاذ: لقد دعونا بالفعل العديد من أصحاب العطاءات الكبيرة ومنهم المناضل الرمز تشي غيفارا، والذي دعوناه لزيارة مصر لمدة أسبوع، ورتبنا له ندوة حاشدة في «الأهرام» حضرها العديد من رموز تيار اليسار إسماعيل صبري عبدالله - فؤاد مرسي - محمد سيد أحمد . . إلخ . وسجلنا مع غيفارا 17 ساعة، انطلاقاً من ضرورة تكامل الثقافة والسياسة، فالحاكم أو السياسي صاحب الخلفية الثقافية يخلد في ضمير أمته، ومثال على ذلك تشرشل رئيس وزراء إنجلترا الأسبق، فقيمة تشرشل الكبرى في امتلاكه لخلفية ثقافية كبيرة، ومثله ديغول الذي امتلك الخلفية الثقافية وارتبط بمفكر كبير هو أندريه مالرو . فالحاكم المثقف عندما يتولى السلطة يضيف إلى وطنه وإلى الإنسانية كلها، وللأسف الشديد ضاعت - ولا أدري كيف - تسجيلاتنا مع تشي غيفارا، تلك الثروة الهائلة 17 ساعة حوار مع كبار مثقفي مصر - وقد سألت الدكتور عبدالملك عودة، وكان مدير مكتبي ب «الأهرام» وكان مشرفاً على هذه الندوة، وخرج هو الآخر من «الأهرام» من دون أن يعرف أين هذه التسجيلات النادرة - وقد سألت علي حمدي الجمال رئيس تحرير «الأهرام» عن هذه التسجيلات فلم يعرف مصيرها ومازالت هذه التسجيلات النادرة والمهمة مفقودة حتى الآن .
كما نجحنا في «الأهرام» في دعوة اثنين من كبار القادة العسكريين في العالم القائد الإنجليزي مونتغمري وجنرال بوف، وقد استثمرت وجود مونتغمري لحضور احتفاليات مرور 25 سنة على أحداث العلمين ودعوته إلى «الأهرام» وكنت أسعى لأن نسمع منه، وأن يذهب إلى كلية أركان حرب ليجيب عن أسئلة الضباط والقادة ولقد كان مونتغمري قائداً بارزاً في استراتيجية الحرب وإدارة ميدان القتال - بينما كان جنرال يوف قائدا بارزا في فلسفة الحرب وفكر القتال .
هل دعوت هؤلاء القادة الكبار فقط للاستماع إلى تجاربهم الكبيرة - رغم أن هذه التجارب كانت منشورة في الغرب؟
الحقيقة أن هناك أهدافاً أخرى لا تقل أهمية عن الاستماع ومحاورة هؤلاء القادة الكبار، ومن أهم هذه الأهداف أن عبدالناصر لم يسافر إلى الغرب أبداً، فعلاقته كانت بشرق أوروبا وأقواها كانت مع يوغسلافيا، وأردت بدعوة هؤلاء القادة والمفكرين أن يأتي الغرب إلى عبدالناصر، وكم كان ممتعاً أن تحضر تلك المناقشة التي دارت ما بين عبدالناصر وسارتر والذي تحدث بصراحة مع عبدالناصر عن السلام مع «إسرائيل» .
هل تعتقد أن نموذج تعاون ديغول (اليميني) مع مالرو (الاشتراكي) قابل للتكرار والتطبيق في مصر خاصة في ظل سيطرة تيار الإسلام السياسي على الساحة السياسية في الوقت الراهن؟
لقد التقي ديغول ومالرو في ظرف وطني شديد الخصوصية، حيث كانت فرنسا محتلة من قوات هتلر، وكانت تحارب للتخلص من هذا الاحتلال، وكان ديغول قائد المقاومة، ولولا الحرب ما ظهر ديغول ومواهبه الكبيرة في القيادة والوطنية والمقاومة، ولكن مالرو مفكر يؤكد تواصل العطاء الفرنسي في عالم الثقافة والفكر في تيار فكري متصل بما قبله، ومتحرك للمستقبل، وأعتقد أن تيار الإسلام السياسي في مصر لا يمكن أن يقبل بوجود وزير بثقل المفكر الفرنسي أندريه مالرو، وذلك لأن هذا التيار لا يقبل مبدأ الاختلاف فكرياً، وهذا ليس الآن فقط، حيث إنني اختلف مع المقولة الأساسية للأستاذ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين بأن الإسلام دين ودولة، وذلك لأن هذه المقولة تحمل الكثير من التناقض فالدين ثابت والسياسة نسبية، والدين يقين واعتقاد، والسياسة حوار دائم ومستمر، كما إن الدين له منطقه ومجاله وله فعله بمقدار ما هو ممكن ولكنه دوما في القلب، أما السياسة فقضية أخرى، لأنها خيارات دنيوية، وليست أخروية، وأزمة سيطرة تيار الإسلام السياسي تكمن في غياب (مجال الحوار) فالوعد والتبشير والجنة والنار كلها أشياء لا تمهد لاختيارات سياسية، لأنها تعبر عن مقادير مكتوبة ومحسومة .
ترى هل مثل هذه الأفكار هي التي جعلت الإخوان المسلمين على مدى أكثر من 80 عاماً لا يقدمون للساحة الثقافية مبدعاً كبيراً؟
من المؤكد أن «الإخوان» لا يستطيعون تقديم مبدع كبير، وذلك لأن أي أدب أو فكر أو فن يعني انطلاقة إلى شيء مختلف، ويدعو إلى التجديد وإلى مخالفة الواقع . فعندما تقول لي أن ما صلح به أول الأمة هو الذي سيصلح الأمة الآن، فهذا يعني أنك تدعو إلى التقليد والقولبة مما يعمل بالضرورة على تقييد الفكر والإبداع فهل يستطيع الإخوان إخراج شاعر يقول ما قاله أبو العلاء المعري في قصيدته الشهيرة:
في اللاذقية فتنة
ما بين أحمد والمسيح
هذا بناقوس يدق
وذا بمئذنة يصيح
كل يعزز دينه
ياليت شعري ما الصحيح؟
من السهل على كل متابعي الأستاذ هكيل اكتشاف أن الشعر مكون أساسي من مكونات تجربتك الطويلة، فهو موجود في أحاديثك وفي كتاباتك، ولكن هذا (الزخم الشعري) يحتاج إلى تأصيل وإيضاح؟
أنا شاعر فاشل، ولكن قبل هذا دعني أعود إلى البدايات الأولى، وقد ذكرت لك قراءاتي الأولى وكان الشعر جزءاً أصيلاً منها فقد قرأت شعر (الدنيا والآخرة)، وشاء حظي أن يكون أول مدرس لي في الابتدائي الشاعر الكبير علي الجندي، وأذكر عندما جاء ولي عهد إيران (الشاه محمد رضا بهلوي بعد ذلك) ليخطب الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق أن كتب الأستاذ الجندي قصيدة يقول فيها .
سبحان خالقه، سبحان باريها . .
قل فيه ما شئت، لا تحرج وقل فيها
يا من رأى الشمس في أفق العلى
اقترنت بالبدر يحدو جبريل ويحدوها
ثم عرض علينا القصيدة في المدرسة وطلب من كل تلميذ أن يشرحها ويتحدث عنها، كما طلب أن نقلدها في كتابة الشعر، وقد حاولنا ولكننا بالطبع فشلنا في المحاولة . .
أما عن كوني شاعراً فاشلاً فقد بدأت التجربة مع بنت الجيران، وعلمت أمي وعنفتني كثيراً، لأن والدة البنت اشتكت لها من أني أكتب أشعاراً لابنتها، ويتلخص الموقف في أن بنت الجيران كانت تلبس (فستان أسود) وتقف في البلكونة، وكنا نسكن وقتها في العباسية وكنت أقف أمامها في شرفة منزلنا .
ثم دخلت البنت وغيرت الفستان الأسود بفستان أحمر فأرسلت لها ورقة مع الخادمة عليها بعض الشعر أقول فيه .
ماذا بقلبك يا حسناء من وجد يضطرب
أحال الفحمة السوداء إلى حمراء تلتهب
ووقعت الورقة في يد أمها وحدث ما حدث فقررت أن أقلع تماما عن الشعر، ولم تكن هذه الورقة أول أشعاري، فقد كتبت قبلها العديد من الأشعار دونتها جميعاً في كراسة ولا أعلم الآن أين هي هذه الكراسة وسط كل أوراقي وكتبي .
من السهل أيضاً على متابعيك ملاحظة ذلك (الافتتان الخاص) بأبي الطيب المتنبي وأمير الشعراء أحمد شوقي؟
يرجع افتتاني بالمتنبي وشوقي إلى أنهما الأقرب للسياسة، فالمتنبي كان سياسياً بصرف النظر عن أي شيء آخر، وشوقي تنطبق عليه نفس القاعدة، بل إنه كان يزور الخديو ويجالسه في حديقة القصر - وذات مرة كان بيد الخديو مظلة ناولها لشوقي ليستظل بها من أذى الشمس فأنشد شوقي قائلاً:
عباس مولاي أهداني مظلته
يظلل الله عباسا ويرعاه
ما لي وللشمس أخشى هاجرها
من كان في ظله فالشمس تخشاه
ومن مدائح شوقي لعائلة الخديو:
الملك فيكم آل إسماعيلا
لازال بيتكم يظلل النيلا
لطف القضاء فلم يمل لوليك
ركنا ولم يشف الحسود غيلا
وبعيداً عن المدائح الخديوية لدى شوقي والتي يراها البعض نقطة ضعف في أشعاره، فعلينا أن نتفهم مدى العلاقات والوشائج التي ربطت شوقي بالخديو عباس حلمي، وقربه وتعلقه بأسرة محمد علي، ولكن بعيداً عن ذلك فقد كان شوقي لسان حال كل القضايا الوطنية . فقد واكب بأشعاره كل مراحل الحركة الوطنية المصرية التي حدثت في حياته، كما أن شعر شوقي يتفرد بتلك المطالع المبهرة، وانظر مثلاً إلى قصيدته في رثاء المنفلوطي حيث يقول:
اخترت يوم الهول يوم وداع
ونعاك في عصف الرياح الناعي
هتف النعاة ضحى فأوصد دونهم
جرح الرئيس منافذ الأسماع
من مات في فزع القيامة لم يجد
قدما تشيع أو حفاوة ساعي
ماضر لو صبرت ركابك ساعة
كيف الوقوف إذا أهاب الداعي؟
خل الجنائز عنك لا تحفل بها
ليس الغرور لميت بمتاع
سر في لواء العبقرية وانتظم
شتى المواكب فيه والاتباع
وأصعد سماء الذكر من أسبابها
وأظهر بفضل كالنهار مذاع
فجع البيان وأهله بمنصور
لبق بوشى الممتعات صناع
مرموق أسباب الشباب وإن بدت
للشيب في الفود الأحم رواعي
وكان المنفلوطي قد رحل عن دنيانا يوم محاولة اغتيال زعيم الوفد سعد زغلول فأنشغلت مصر كلها بحادث الاغتيال ولم يهتم أحد برحيل المنفلوطي، فسجل شوقي ذلك في شعر بديع .
وأنظر أيضاً إلى قصيدته في رثاء حافظ إبراهيم حيث يقول في مطلعها:
قد كنت أوثر أن تقول رثائي
يا منصف الموتى من الأحياء
لكن سبقت وكل طول سلامة
قدر وكل منية بقضاء
وبعيداً عن المتنبي وشوقي فإنني معجب جداً بأشعار بشار بن برد ذلك الأعمى الذي وصف الجيش وهو يخوض في مستنقع كما لم يصفه الشعراء المبصرون حيث يقول:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
ونعود إلى المتنبي وشوقي حيث أتناول أشعارهما كثيراً لأني أتحدث في السياسة وهما أكثر الشعراء اهتماماً بالسياسة .
في العصر الحديث هناك نزار قباني ومحمود درويش مثلاً؟
نزار قباني كان صديقي وكذلك محمود درويش - ولكن تجربة كليهما تختلف تماما عن المتنبي وشوقي وأيضاً طريقة التناول، كما أن نزار ودرويش يكتبان الشعر بإيقاع حداثي، والشعر هو الكلام الذي يعبر عن الشعور وتستطيع أن ترويه وتحفظه، وبعيداً عن نزار ودرويش وكل الشعراء الكبار فإن الانتقال إلى الشعر الحديث أثّر كثيراً في الشعر عند الناس، فلا يوجد مثلا إنسان يستطيع أن يحفظ هذا الشعر الحديث ويردده، ولكن الشعر العمودي التقليدي مليء بالموسيقا مما يجعله أسهل في الحفظ والترديد، وقد فطن نزار إلى ذلك فتوسع كثيراً في تقديم قصائده إلى المطربين والملحنين حتى يضمن سرعة انتشار أشعاره .
في مجال الثقافة العربية ورغم علاقاتك الواسعة في هذا المجال إلا أنك ارتبطت بصداقة وطيدة مع كل من ادوارد سعيد ومحمود درويش؟
لم أكن أعرف إدوارد سعيد معرفة شخصية، رغم متابعتي الجيدة لما يكتبه في الخارج، وتقابلنا لأول مرة عندما أراد أن يصدر كتابه الأول باللغة العربية، وطلب مني أن أكتب له مقدمة الكتاب، فقلت له أنت كاتب معروف ولا تحتاج إلى من يقدمك للقارئ، فقال لا أحد يعرفني في الوطن العربي . . أنا فقط معروف في الغرب، وأحتاج لمن يقدمني للقارئ العربي، وتواصل الحوار بيننا بعد ذلك . . وتطور الحوار إلى صداقة، وإدوارد سعيد رجل تفخر به من دون أن تعرفه - فإذا عرفته ازداد فخرك وإعجابك به .
أما محمود درويش فكنت أتابع أشعاره وهو موجود في فلسطين تحت حصار الاحتلال، وكانت تصلنا أشعاره وصداها، ورغم ذلك تواصلنا، فقد كان ينظر لي باعتباري قارئاً حراً أعيش في عالم طليق وحر، بينما هو محبوس في قفص الاحتلال . وقد كنت أحد أطراف عملية الترتيب لعدم عودة درويش إلى فلسطين مرة أخرى ليصبح أكثر حرية بعيدا عن الاحتلال، وحدث ذلك عندما كان درويش ضمن وفد فلسطيني يزور موسكو، وكنت ضمن وفد مصري في موسكو في نفس الوقت، وأخذنا درويش إلى السفارة المصرية في موسكو، وعاد الوفد الفلسطيني إلى الأرض المحتلة، ومن موسكو جاء درويش إلى القاهرة لينطلق بعدها يغرد بأشعاره في كل العالم، وكان درويش قبل هذا يقرأ مقالاتي ويستمع إليها من إذاعة صوت العرب، وربطت بيننا صداقة الثقافة ثم الصداقة الإنسانية الأرحب، وأذكر أن الدور الأكبر لعملية تهريب درويش من موسكو إلى القاهرة كان للسفير مراد غالب سفير مصر في موسكو . وكان درويش قبل ذلك يرسل قصائده إليّ ويكتب عليها إن القصيدة لا تكتسب شرعيتها إلا بعد قراءتك لها .
محمود درويش وسميح القاسم فارسا رهان في شعر المقاومة الفلسطينية فلماذا اتخذت إلى درويش؟
قد يكون سميح القاسم أقوى شعرياً من محمود درويش، ولكن سميح آثر أن يظل طول الوقت تحت سلطة الاحتلال، بعكس درويش الذي انطلق إلى العالم الخارجي، فأضفت الحرية الكثير من الحيوية على أشعاره، وأعطته قدرة أكبر على التواصل مع كل العالم، فتفتحت مواهبه أكثر وأكثر والغريب أنه أجاد التعبير عن آلام المحاصرين داخل الأراضي المحتلة ربما بأكثر، مما استطاع المحاصرون أنفسهم، وكل هذا جعل محمود درويش أكثر وجوداً في الوجدان العربي والعالمي .
نعود إلى الثقافة العالمية، حيث أرى أنك نادراً ما تشير إلى تأثرك بالثقافة الروسية رغم تجربتك الطويلة في التعامل والاحتكاك السياسي مع الاتحاد السوفييتي السابق؟
من السهل أن تكتشف محدودية تأثير الأدب الروسي في الثقافة العالمية بشكل عام، وذلك لأن ذلك الأدب عاش تقريباً تحت قهر دائم، فمن القهر القيصري إلى القهر الشيوعي، ومثل هذا القهر يكبل الإبداع بشكل عام ويجعله يلجأ إلى الرمز والإسقاط، ولذلك تجدني أكثر تأثرا بمدار (الثقافة الحرة) مثل الثقافة الفرنسية والثقافة الإنجليزية، وقد تأثرت أكثر بالفكر السياسي الإنجليزي، وفي هذا الإطار أذكر العلاقة الوطيدة التي ربطتني بالأديب الإنجليزي برتراند راسل، فبيني وبينه أكثر من مائة رسالة شخصية .
استطعت من خلال وجودك في ?الأهرام? أن تطل وبقوة على المشهد الثقافي المصري خاصة في ظل وجود الدور الساحر (السادس)، والآن وبعد ما يقرب من الأربعين عاماً لمغادرتك ل«لأهرام» هل تطل على المشهد الثقافي المصري بنفس القوة؟
كما ذكرت فوجودي في «الأهرام» جعلني على اتصال بكل التيارات والمدارس الأدبية في مصر، ولكن الوضع الآن مختلف حيث أن عدد من أراهم في مكتبي قليل جداً، كما أن التقلبات والتغييرات السياسية سريعة جداً مما أثر في الأدب والإبداع وفي متابعة الأدب والإبداع أيضاً، فلم تعد هناك مدارس أو تيارات، ولكن هناك أفراد لديهم التميز في الإبداع، فوسط الزحام تستطيع أن ترى بهاء طاهر، وشاعر العامية الأبنودي، وجمال الغيطاني ويوسف القعيد، ورغم ذلك فأنت لا تشعر بوجود مدرسة أو تيار فكري جامع يعمل على إفراز النجوم، ولكنك تلمح كل فترة نجمة منفردة تلمع بذاتها .
وربما أن المناخ العام الذي كان سائداً في الخمسينات والستينات والذي لم يعد موجوداً هو الذي أثر في الإبداع .
من المؤكد أن المناخ العام له تأثير كبير في حركة الأدب والإبداع، ولكن هذا المناخ العام لا ينشأ إلا بحركة مجتمعية تعبر عنها سياسة معينة، فتوفيق الحكيم وطه حسين ظهرا في مناخ اجتماعي معين، وأيضاً يوسف إدريس ولويس عوض ظهرا في مناخ اجتماعي معين، وغيرهم من المبدعين نشأوا بهذه الطريقة حيث هذا المناخ متواصل مع ما قبله - ويعيش اللحظة الراهنة - ولذلك وجدنا في الخمسينات والستينات كل المدارس السياسية والأدبية فاليسار مع عبدالرحمن الشرقاوي والاعتدال مع نجيب محفوظ، والمحافظ مع باكثير وهكذا .
وقد تغير هذا المناخ العام تماما بعد حرب أكتوبر وواصل تغيراته وتقلباته حتى الآن، وذلك لا يسمح ابداً بوجود تيار ثقافي متواصل ومتدفق، ولكنه يسمح فقط بوجود بعض النقاط المضيئة هنا وهناك مثل الاسماء التي ذكرتها لك وغيرها من الأسماء اللامعة في عالم الأدب والإبداع .
هذا المناخ العام المتقلب هل يدفعك الى الخوف على الثقافة والفكر؟
الخوف على الثقافة موجود بشكل دائم - ولكن الخوف يصبح أكبر عندما نتواجد في وضع لا يسمح بحرية التفكير، ومثل هذا الوضع مهما كان مصدره سلطة أو عقيدة أو أي شيء آخر يعمل على وأد الأفكار، تلك الافكار التي يجب الا ترهب من السلطة، ولكن السلطة هي التي يجب أن تخشى الفكر، وبشكل عام فإذا لم نستطع أن نتجاسر ونفكر ونبدع فلن يكون أمامنا إلا التراجع بعد أن تحاصرنا القوى التي تمنع حرية التفكير .
قبل أن أغادر مكتب الأستاذ بعد أن أثقلت عليه في جلستين طويلتين يفصل بينهما أسبوع، أبديت إعجابي بكم ونوعية الكتب التي تملأ أرفف المكتبة فسألني الأستاذ بشكل مفاجئ هل تعرف عدد الكتب في مكتبتي فقلت ربما تزيد على المئة ألف كتاب .
ليس إلى هذه الدرجة، ولكني أملك تحديداً 41 ألف كتاب .
من المؤكد أنها جميعاً من الكتب المهمة، فهل لديك تصور عن مصير هذه المكتبة .
بعد أن تعثر إنشاء مؤسسة هيكل في نقابة الصحفيين فقد تم الاتفاق مع مؤسسة ثقافية كبرى لضم مكتبتي إليها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.