حول الرئيس المصري «النجاح» الديبلوماسي النسبي في قضية وقف إطلاق النار على غزة الى فوز داخلي وورقة داخلية في تلجيم الاندفاع الديموقراطي للثورة. وذلك ما يبدو من الوهلة الأولى للصدمة التي حدثت في الاوساط المدنية والسياسية في بلاد الكنانة، كما في أوساط دولية تتابع التطورات المأساوية في البلاد. سبب الذهول هو «القدرة» الاستبدادية التي أبان عنها الرئيس المصري، وهو يتقدم بوجه الفاتح على جبهة غزة، لكي ينزع من المصريين ما لم ينزعه عنهم حسني مبارك. أصبح مرسي، اليوم حاكما بأمر الله والجماعة، بعد أن أصبح له، بفعل سلطة أعطاها لنفسه، ولم تعطها له أية مؤسسة جمهورية، الحق في أن يكون وحده البلاد. سلم مرسي نفسه مفاتيح الحكم ومقاليده، بجرة حرب، بعد أن مر على ما وقع في غزة وعاد الى بلاده بقرار يفوض له رئاسة السلطات كلها، ويمنح حتى الحق في التنازل عن أراض مصرية. لم يبدع مرسي في هذا الجانب، فهو ليس أول زعيم مستبد يحول« النصر الخارجي الى انتصار داخلي وقبضة حديدية في الداخل. فكل الذين يستبدون بالحكم يفعلون ذلك، إما بالتلويح بالعدو الخارجي (لا صوت يعلو على صوت المعركة) أو بالتلويح بالإشعاع الخارجي والقدرة على «تطويع» هذا العدو. وفي كل بلاد الاستبداد كان هذا المسعى حاضرا. والمرسي فقط كان ينتظر، والظاهر أن مرسي كان قد أعد صيغة الانقلاب على تعددية الثورة، وكان ينتظر من نتانياهو أن يدق أجراس الحرب، لكي يحول مبادرته الديبلوماسية الى حق إلهي في حكم مصر وحدها. يتزامن النزوع نحو تفكيك التوافق الوطني المصري حول مبادئ الثورة، مع الانحسار الذي تعيشه لجنة صياغة الدستور، حيث انسحبت منها الكنائس المصرية الثلاث، ومكونات المجتمع المدني والحقوقي، وغيرها من المكونات، حيث أصبحت الآن بلون واحد. والمتأمل للمشهد المصري اليوم لا يمكنه أن يطمئن للمستقبل، لأن الحركة الإخوانية تسير بسرعة مفرطة نحو الصدام مع المجتمع، بعد أن كرست ثنائية خطيرة بين الديني والعلماني، وفي حين أن الثنائية الممكنة هي ما بين التيارات الاصولية وبين التيار المدني، وبناء التناقض على هذا الأساس العقدي، عوض التضاد السياسي والمدني، هو بحد ذاته تسليح الأتباع بمكبرات الحرب ، وتكريس اصطفاف الفسطاطين العزيز على الجهاديين في مصر. والعقدة الكبرى التي احتاج فيها التيار الاخواني في مصر الى دعم واضح من خالد مشعل لإقناع المواطنين بالعكس، هي عقدة سيناء. هناك اتهام واضح بوجود ترتيبات تعني قضم سيناء وتقديمها بديلا، وهو ما أصبح يصب الزيت على النار في واقع يبدو أن هواجس السلطانية الشعبويةsultanisme populiste هي التي تسود فيه. مصر اليوم مصران، والتناقض بين رئيس يستمد سلطته من استعلاء الجماعة أكثر مما يستمدها من المؤسسات، وبين مجتمع يسعى الى إعطاء بنية ملموسة لمبادئ الثورة، التي سرقت منه. جمهورية مصر، في طباق أو جناس سياسي جديد هي جمهورية «مرسي«، «مرس» العربية.