«ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر« صدق الله العظيم. وزرتم المقابر في التفسير هي : أنكم انتهيتم من الحياة الدنيا , ودفنتم في المقابر , في انتظار أن يأتي زمن بعثكم , ووقوفكم أمام الله سبحانه عز وجل, أي أنكم في مكان يتوجب فيه أن يكون لائقا بمقام الروح التي خلقها الله , وهذا المكان هو الجبانة , أو المقبرة , أو الروضة , كما جاءت تسميتها في العديد من الثقافات. المقبرة مكان رهيب لأنه يدل على فناء الأجساد, واستقرار الأرواح ,بحكم تلاوة الآيات لتهدئتها إذا ما كانت متعبة وغير راضية , فهذه المقابر ليست مدافن عادية للنفايات, أو مزابل تنتهي بها رفات قمامة الأجساد البشرية, إن المقابر هي روضة يزورها الناس للترحم على أرواح موتاهم و فقيديهم, وهذه الروضة يجب أن تحمل اسمها لفظا واصطلاحا, بحيث نوعية القيمين عليها, والعاملين بها, ونوعية الفضاءات التي يجب أن تتوفر عليها, من مكان للصلاة, ومتاجر لبيع مستلزمات الزيارات, وأماكن لتحسيس الأطفال بقيمة المقبرة وليس ترهيبهم منها, وتوظيف المرشدين الدينيين لتمكين العامة وإرشادهم وتوطيد علاقتهم باحترام ثقافة الموت ,فالمقبرة يجب أن تصبح مؤسسة روحية واقتصادية, بل سياحية لما لا, فكلنا ميتون لا محالة, وكلنا لنا أهل سبقونا إلى المقابر, وكلنا نرغب في زيارة المكان الذي ستستقر به روحنا وجسدنا, لنطمئن على نهايتنا في هذه الدنيا. لذا لابد أن نطلب من وزارة الأوقاف ,ومن وزارة الداخلية كمسؤولة عن الجماعات المحلية, ومن رئاسة الحكومة الإسلامية أن يضعوا نصب أعينهم الاعتناء بأرواحنا ورفاتنا, في انتظار أن نبعث أمام الله, وأن لا يتركوها للمشعوذين, والمتسولين وتجار «الحمد» و»سبح» وباعة التين والريحان وماء الورد , فهل تعلم الحكومة كم من مشعوذ يتاجر في بقايانا, وكم من متسول يغتصب الأطفال بين أدغال قبورنا ؟, وكم من منحرف يسرق الرخام المستعمل لحماية ما تبقى منا؟. ما نطلبه من الحكومة هو أن تصبح مقابرنا روضة قبل رياض الجنة , وأن تحترم رهبة الأرواح التي تنتظر لقاء حسابها , وأن نكون جديرين بمقابر نرى فيها موتانا قبل أن نحل بها ضيوفا, فمن يرد الاعتبار لرفاتنا , ويرحم أرواحنا قبل أن يأتيه دوره في زيارة روحه للمقابر / الرياض, قد أطلب من أسرتي أن تحرق جسدي بعد أن أموت ,لترتاح روحي في انتظارها, إذا بقي حال مقابرنا على ما هو عليه . كم أصبحت أحسد الهندوس كلما زرت مقابرنا للترحم على احد أصدقائي الذين فقدتهم هذه السنوات , رحم الله كل موتانا.