حل المغرب، في كل تجلياته السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية، ضيفا على مدينة أورليون الفرنسية طيلة سبعة أيام مسلحا بروافده المتعددة استجابة لحاجة وتطلع مغاربة جهة الوسط بالجمهورية الفرنسية لتمكنهم من الوقوف عن قرب ومعرفة مستجدات المملكة الدستورية، التنموية، وما سجله من تطور في مجال الحكامة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والسياسية. فقد شكل أسبوع المغرب بأورليون، ببرنامجه المتنوع والمتجانس، ليس فقط فضاء لاقتسام ثمار التجربة المغربية المتميزة ما بين المغاربة المقيمين بالمنطقة وأصدقائهم الفرنسيين، بل فضاء تواصليا بامتياز شكل فرصة لإبراز مؤهلات مغاربة العالم في هذه الرقعة من بلد السيدة مريان، ومناسبة لتواصلهم المباشر مع فاعلين قادمين من المغرب وآخرين على مستوى بلد الاستقبال. كما كان هذا الأسبوع، الذي نظمته جمعية «كونفيرجونس ألاسورس» (تلاقي الضفتين)، المؤلفة من مغاربة مقيمين بالمنطقة بشراكة مع القنصلية العامة للمغرب في أورليون، أحد تجليات تصور جديد يروم المحافظة على الارتباط بين رافدين: «المنبع»، أي البلد الأم و«المصب»، بلد الإقامة لأبناء الجالية لا يخلو من استثمار ذكي وهادف لتجربة تواصلية كبيرة لسيدة مثل الأستاذة شفيقة الهبطي، القنصلة العامة للمغرب بمدينة أورليون. فقد رأى متتبعون في مبادرة القنصلية العامة تلك تجربة رائدة، كونها مبنية من جهة على تعزيز ما حققته فعاليات مغربية بالمنطقة من مكتسبات من قبيل الاندماج بشكل فاعل في تدبير الشأن المحلي من خلال تواجدهم كممثلين لساكنتهم بمجلس جهة الوسط، وفي بلديات مدن مجاورة ومؤسسات هامة وفاعلة أخرى بأورليون، وتروم من جهة ثانية خلق قفزة نوعية مستقبلية نحو تواصل جديد مع الجالية وضخ دماء جديدة في شرايينه. فالمغرب اليوم في في حاجة أكثر مما مضى إلى هكذا مبادرات وتعاون ما بين القنصليات وطاقات المجتمع المدني المغربية بالخارج فقد خلق أسبوع المغرب بأورليان دينامية متجددة وكان مناسبة للاستفادة المتبادلة مابين الساكنة المحلية والجالية المغربية، كما قدم صورة جديدة، مواطنة وإيجابية ساهمت في الإنفتاح على الشباب، وأيضا دون شك في تصحيح التمثلات السلبية والصورة النمطية السائدة إزاء أبناء الهجرة من المغاربة. وكان هذا الأسبوع، الذي امتد ما بين الخامس والعاشر من نونبر الجاري، قد افتتح بندوة حول التعاون اللامركزي نشطها رئيس جهة الوسط فرانسوا بونو ونائب رئيس جهة مكناس تافيلالت محمد تنوري والقنصلة العامة للمغرب بأورليون شفيقة الهبطي. وتميزت كلمة الهبطي، خلال هذا اللقاء بتسليطها الضوء على مضامين الخطاب الملكي للتاسع من مارس الماضي، معتبرة إياه «تاريخي» للدور الذي لعبه في خلق الأوراش الجديدة التي عرفها المغرب وما منحه من دينامية التي سجلها المغرب طول الفترة السابقة. وقد قدمت بالموازاة، رؤيتها والأهداف المتوخاة من هذا الأسبوع التواصلي. رئيس جهة الوسط فرنسوا بوانو شدد بدوره على أهمية التعاون ما بين السلطات الجهوية، ودور الجمعيات والشباب في ترجمة التعاون عبر مشاريع ومبادرات عملية، وإنصبت التدخلات على أهمية التوجه نحو تعاون مربح للجميع ويراعي الدينامية المغربية والمستجدات في المجال الإجتماعي والإقتصاد المتضامن. ولدى استعراضهم لمحاور التعاون التي يحددها اتفاق الشراكة الذي يربط بين الجهتين منذ سنة 2009 وسبل تعميقها والرفع من مستواها، أشاد المتدخلون بدور الكفاءات المغربية والشباب في إغناء هذا التعاون واختيار وإنجاز مشاريعه بالنظر لانتمائهم المزدوج. الجانب الحقوقي، مسار التغيير الدستوري وآلية إشراك المغاربة فيه كان موضوع ندوة حول حقوق مغاربة العالم في الدستور الجديد بمشاركة رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، رئيس مجلس الجالية إدريس اليازمي وممثلة البرلمان الفرنسي عن مدينة أورليان فاليري كور. وذكر ادريس اليزمي بالنهج المغربي في هذا المجال من خلال الإجراءات الأولى التي تم اعتمادها منذ مطلع التسعينيات وصولا إلى تعديل الدستور في يوليوز 2011 مرورا بإصلاح مدونة الأسرة والاعتراف بالتنوع والتعددية عبر إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وهيئة الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية. وأكد اليزمي أن الدستور الجديد الذي ينص بوضوح على الحريات الأساسية توج هذه الدينامية المتعددة، موضحا أن الورش المفتوح الذي يكرس الديمقراطية التشاركية يبقى مهما بالنسبة لمستقبل المغرب. وتوقف عند مقتضيات الدستور التي تخص المغاربة المقيمين في الخارج والتي تهم مواضيع مركزية من قبيل المشاركة السياسية ودورهم في التنمية المشتركة وتوثيق الروابط مع بلدان الاستقبال. وقد اتفق المحاضران خلال هذا اللقاء، الذي كان مناسبة لفهم الحركية التي يعرفها المغرب وفرصة للإجابة على إستفسارات أفراد الجالية، ممثلي المجتمع المدني، والعديد من أفراد النخبة الفرنسية حول تعامل المغرب مع الحراك العربي وإشراك المرأة، كما اتفقا المحاضران على أن المغرب وفرنسا في نهاية المطاف لهما تحديات مشتركة في ميداني الشباب والتربية. تبادل التجارب الناجحة في مجال الحكامة الجهوية والمحلية ميز فعاليات ندوة «الجهوية المتقدمة بالمغرب والدروس التي ينبغي استخلاصها من اللامركزية بفرنسا» بمشاركة عضو المكتب الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، علي بوعبيد ونائبة رئيس جهة الوسط ماري مادلين ميالو حيث أسهبا خلال مقاربتهما لهذا الموضوع في توضيح أدوار الجهوية الموسعة، صلاحياتها والتحديات من أجل تحسين الأدوار المناطة بالجهوية وضمان فرص النجاح، وكذا موضوع مشاركة الشباب والآليات الجهوية لإشراكه، واستعرض بوعبيد المحاور الرئيسية لهذا المشروع والرؤية الاستراتيجية للمغرب لمنح الجهات اختصاصات جديدة وإمكانيات تجعلها فاعلا حقيقيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وشكل الأسبوع الثقافي للمغرب مناسبة للمغاربة المقيمين بهذه المنطقة وأصدقائهم الفرنسيين من أجل الاستمتاع بريبيرتوار موسيقي مغربي جديد،خاصة من خلال حفلات نشطتها مجموعة «فناير» بمشاركة الفرقة المحلية «ميموزا» المتخصصة في الدقة المراكشية و«عيساوة». وتضمن برنامج التظاهرة تنظيم معرض للفنون التشكيلية قدمت خلاله أعمال الفنانين محمد مصطفى ومليكة لزعر وسعيدة الشهبوني وحميد جربوي وربيعة القطبي. واختتمت فعاليات الاسبوع بعرض فيلم «يا خيل الله» للمخرج المغربي نبيل عيوش، وشارك مخرج هذا الفيلم الذي استوحيت وقائعه من رواية ماحي بينبين «نجوم سيدي مومن» في نقاش حول العمل، شكل مناسبة للتطرق للدينامية الإيجابية التي تميز تطور السينما المغربية في الفترة الأخيرة، شكلا ومضمونا. ومن جانبهم استحسن الشباب و الحضور طريقة تناول المخرج لموضوع يعالج الفقر و التطرف و سبل العيش المشترك .وخلص النقاش إلى أن كل الأوضاع الاجتماعية الصعبة (فقر، تهميش، صعوبات أمام الاندماج،....) أن تغدي وتكون تربة خصبة للتطرف والكراهية. يذكر أن اسبوع المغرب عرف حضورا نوعيا لمغاربة العالم في لقاء تواصلي, مباشر و تقني مع الوزير المنتدب المكلف بالمغابة المقيمين بالخاج، عبد اللطيف معزوز، فكان فرصة للإحتفال بذكرى المسيرة والإنصات لتطلعات أفراد الجالية في ترجمة أفكارهم ومبادراتهم إلى مشاريع في ميادين البحث العلمي، التنمية الشبابية، الطاقات المتجددة، الصحة، المجتمع المدني ومدى تجاوب القطاع الحكومي معها وتيسير تحقيقها.