عقب «الربيع العربي»، بزغت مجموعات تُطلق على نفسها إسم «أنصار الشريعة» في تونس و مصر و اليمن و ليبيا.هذه المجموعات لها هدف واحد و مشترك هو إقامة دولة إسلامية في البلدان المُحررة من الدكتاتورية. «إيزابيل ماندرو» فجأة،أصبح إسم ،»أنصار الشريعة»، مألوفا تقريبا. فقد ظهر بوضوح بعد الهجمات، القاتلة في بعض الأحيان، على عدد من السفارات الأمريكية التي اتهموها بنشر الفيلم المعادي للإسلام «براءة المسلمين».فخلال بضعة شهور في عام 2011،و في أربع دول على الأقل من دول «الربيع العربي» التي شهدت تغيير النظام فيها، أي تونس و مصر و ليبيا و اليمن، ظهرت مجموعات تحمل نفس الإسم و بهدف واحد و مشترك هو إقامة دولة إسلامية في البلدان المُحررة من الدكتاتورية. آخر مواليد هذه الأسرة، ظهر في المغرب تحت إسم «أنصار الشريعة في المغرب الإسلامي» لم يُكتب له أن يتطور أكثر، إذ تم اعتقال ثمانية من أعضائه من طرف الأمن المغربي يوم 5 نوفمبر، بعد أقل من أربعة شهور على إنشائه، و قد كان يُحضر لاقتراف «أعمال تخريبية ضد مواقع استراتيجية، و بنايات حساسة و مقرات للأمن و مواقع سياحية في عدة مدن مغربية» حسب بلاغ لوزارة الداخلية المغربية. و في شمال مالي ، المُحتل منذ الربيع الماضي من طرف جهاديين، فإن مجموعة «أنصار الدين» التي يقودها زعيم الطوارق «إياد آغ غالي» تنتمي هي أيضا للتيار نفسه. من هم هؤلاء الأنصار؟ «تيار جديد داخل عالم الجهاديين» حسب مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أو «تطور للقاعدة» كما تؤكد ذلك الجامعية «ماتيو غيدير» الأستاذة بجامعة تولوز؟ فقد بدأ الارتياب بعد اكتشاف أوراق «أبوت أباد» من طرف القوات الأمريكية الخاصة، في أعقاب اغتيال أسامة بن لادن في 2 ماي 2011 ، و اكتشاف رسائل إلكترونية يتساءل فيها زعيم القاعدة عن إمكانية تغيير إسم منظمته، و من بين الأسماء التي طرحها لكي تكون بديلا للقاعدة، أسماء مثل «أنصار الشريعة» و «أنصار الدين» أيضا... و مع ذلك فإن العلاقة بين أنصار الشريعة و بين القاعدة تبدو غامضة، باستثناء العلاقة بينها و بين «أنصار الشريعة» في اليمن حيث ظهرت بوضوح العلاقة مع القاعدة منذ أبريل 2011. إلا أن الواقع أكثر تعقيدا في الشكل و في الأسلوب فرغم عملهم من أجل نفس الهدف،و ربطهم لعلاقات مع بعضهم البعض ? و هو ما ينفونه طبعا ? إلا أن مختلف مجموعات «أنصار الشريعة» مستقلة إلى حد ما و لا يبدو أن أي زعيم أو قائد يوحدها. لقد ظهرت بعض الأسماء كقادة لها إلا أنها تظل قيادة محلية. ففي تونس ظهر «أبو إياد» البالغ 43 سنة من العمر (إسمه الحقيقي سيف الله بن الحسين) في المشهد الإعلامي، و يُشتبه بأنه هو من كون الصحفيين التونسيين الوهميين اللذين اغتالا القائد الأفغاني شاه مسعود في 9 سبتمبر 2003، و كان محكوما عليه غيابيا في تونس ب 63 سنة سجنا، قبل أن يستفيد من العفو العام الذي تلا ثورة مارس 2011 . و في مصر، فإن المجموعة مرتبطة بالشيخ «أحمد عشوش» المتورط في الحركة الجهادية منذ الثمانينات و الذي اعتقل في بداية التسعينات و أُفرج عنه عقب الإطاحة بحسني مبارك. و في ليبيا فإن محمد الزهاوي (44 سنة) المعتقل في سجن أبوسليم الرهيب بطرابلس و أفرج عنه كي يقود فرع «أنصار الشريعة « في بنغازي التي تشكلت بعد الإطاحة بمعمر القذافي و هو فرع يملك السلاح و الشيوخ السلفيين و الشباب المتحمس.. و مع ذلك فإن أيا من هذه المجموعات تعمل بنفس أسلوب القاعدة «فهي تتحدث خطابا دوليا لكنها تمارس عملا محليا» كما يقول ‹يارون زيلين» في مجلة «فورين بوليسي» (السياسة الخارجية) فأبو إياد مثلا لا يني يردد أن «تونس ليست أرضا للجهاد و لكنها أرض للدعوة». فبعد إطلاق سراحهم أو عودتهم من المنفى ، قرر كوادر «أنصار الشريعة» العمل كل في بلاده الأصلية، من أجل تطبيق الشريعة فيها من خلال الوصول للسلطة و تشكيل حكومات يسيطر عليها الإسلاميون. و هكذا تدخل أنصار الشريعة في الحياة السياسية الداخلية لبلدانهم ن إلى درجة أن الجهاديين التونسيين عقدوا «مؤتمرا» لهم في القيروان في شهر ماي الماضي حضره حوالي خمسة آلاف سلفي رافعين شعارهم العزيز: «أوباما أوباما، كلنا أسامة» و حاملين الأعلام السود شعار الإسلام الراديكالي، و كان من بين نقط برنامجهم فصل عن السياحةالإسلامية. و لتجاوز الريبة التي يبديها الناس منهم ، عمد «أنصار الشريعة» إلى القيام بدور اجتماعي، حيث زودوا بعض الدور بالماء و الكهرباء و ضمنوا الأمن في اليمن، فيما قاموا في تونس بمساعدة الأسر المعوزة، مقدمين الأغذية و الغاز في القرى النائية، أما في بنغازي فقد أمنت المجموعة الأمن التام في مستشفى الجلاء. تختلف هيكلتها من مجموعة لأخرى، فهي تتشكل من بضع مئات إلى بضعة آلاف على الأكثر، و تجلب الكثير من المتعاطفين الجدد بمناسبة التظاهرات التي ينظمونها. و في هذا الصدد يقول «فابيو ميرون»و هو باحث إيطالي مستقل : «في تونس هناك ظاهرة عنف شبابية، من الشباب الذي كان يخرب الملاعب في عهد بنعلي و الذي نزل إلى الشارع من أجل طرد الحكم و الذي عانق البحر من أجل الوصول إلى إيطاليا...ففي الأحياء الشعبية يتواصل الشباب في المساجد و كذا في مباريات «الزمكتل» (رياضة مصارعة إسلامية شائعة حاليا) فليست لديهم ثقافة الزعيم و لكن الزعماء يظهرون بشكل غير مباشر» يقول وائل (26 سنة) متهكما : «إذا ذهبنا إلى قاعة الرياضة هاته، فإنه من بين 15 شابا يتدربون هناك 13 سلفي. في 18 سبتمبر، تم تطويق مسجد الفتح بتونس من طرف الشرطة التي تراجعت عن اعتقاله، ظهر أبو إياد واثقا من نفسه حين خاطب رجال الشرطة : «إنكم لا تُخيفون هذا الشباب، كلما ضغطتم عليهم كلما انتشرت ايديولوجيتنا و كلما جاءنا الشباب المنحرف و بياعو الخمور ليعانقوا الشريعة...» و على عكس القاعدة، فإن كلا من هذه المجموعات تعمل بشكل علني، على الأقل حتى الآن.لأن كل شيء تغير بعد الهجمات على السفارات الأمريكية في بنغازي و تونس و القاهرة، إذ أن أبو إياد عاد إلى السرية مؤخرا، و هو ما لا يمنعه من التحدث من خلال أشرطة فيديو على الأنترنت. فيما تم طرد أنصار الشريعة من بنغازي من طرف السكان و أُجبرت على مغادرة مقرها من مركز المدينة، و في اليمن اضطرت الجماعة في يونيه الماضي إلى التخلي عن المحافظات التي سيطرت عليها مثل أبين و شبوة، إلا أنهم لم يختفوا تماما. و في الأسابيع الأخيرة، ازدادت حدة الملاسنات بين هذه الجماعات و بين الحكومات الإسلامية، و في هذا الإطار يدين الجهادي الليبي السابق عبد الحكيم بلحاج بشدة «أقلية المتطرفين» مؤكدا أن ليبيا»ستتقدم بثبات نحو الدمقراطية و السلام المدني» بينما رد سلفيو بنغازي على لسان عمران محمد بالقول :»إن الأمر مؤامرة ضد الشباب المتدين من طرف الحكومة التي تشكك في نوايانا» لكنه لم يُدن الهجوم على القنصلية الأمريكية. و من جهته قال أبو إياد التونسي في 2 نوفمبر بعد اعتقال بعض السلفيين : «خطاب موجه إلى الظالمين:لقد صبرنا بما فيه الكفاية لكن حذار من انفجار غضبنا». و في مصر تلقى الجهاديون الجدد الدعم من أيمن الظواهري، خليفة بن لادن، الذي انتقد بعنف و شدة في شريط فيديو الرئيس المصري الإسلامي محمد مرسي. و في الخلاصة يقول الأستاذ «ماثيو غيدير» المتخصص في الإسلام أن كل مجموعات أنصار الشريعة قد اتبعت نفس المسار، أولا بظهورها كمجموعات سياسية، كما أن كوادرها لها نفس الأصول فهم إما خاضوا تجربة الحرب في أفغانستان أو في العراق، لكني أرى الآن بأن التردد الذي ظهر في البداية أثناء محاولتهم تسييس الحركة، هو في طريقه للاندثار الآن كي يتحولوا إلى جماعات مسلحة». و هو تحول غير مؤكد لكن الحكومات الجديدة للربيع العربي تأخذه مأخذ الجد. عن صحيفة «لوموند» الفرنسية عدد الأربعاء 14 نوفمبر 2012