وقفت جريدة »الاتحاد الاشتراكي« على مسارات متعددة في رحلة البحث عن المتسببين في وفاة التوائم الثلاث: صفاء، هناء ووفاء بمنطقة تيسة نواحي فاس. فكانت الحقائق الصادمة تشير إلى إدانة مصالح وزارتي الصحة والتجهيز والنقل وضعف أداء الجماعات المحلية وعلى رأسها فاس، وكذلك غياب التوعية الصحية الذي دفع الأسرة إلى عدم القيام بالاجراءات الأولية للفحص. فقد وقفت جريدة »الاتحاد الاشتراكي« على ضعف المستشفيات وعدم تجهيزها بما يلزم من الوسائل الصحية الكفيلة برعاية الأم والطفل أثناء الوضع، حيث تغيب جميع شروط المستشفى عن البناية المسماة مستشفى تيسة التي لا تتوفر على أدنى شروط لتحمل اسم مستشفى، حيث غياب التجهيزات الطبية ونقص في عدد الأطباء والمولدات وغياب أبسط التجهيزات كالأفرشة والأغطية، كما أن سيارة الإسعاف تكاد تقترب من أية ناقلة عادية، أما الطريق فهي أشبه بالأدغال، مليئة بالحفر والمتاريس ولا تسع غير ناقلة واحدة بالكاد، وهو ما يجعل أقل من 28 كيلومترا تتطلب أزيد من ساعة ونصف، وهي كلها أسباب أدت إلى تأخر نقل الأجنة لتلقي إسعاف كان ضرورياً لإنقاذ حياتهن بمدينة فاس، والتي وقفت الجريدة على أن سعة مستشفياتها لم توفر في الوقت المناسب قنينة إنعاش كانت لازمة لإنقاذ أرواح بريئة. وتزداد الظروف قتامة حيث المجلس البلدي لا يوفر حتى سيارة نقل الأموات لدفن أرواح المسلمين بهذه العاصمة العلمية، وهنا مسؤولية وزارة الداخلية الوصية على الجماعات المحلية، ليترك المواطنون في مواجهة القطاع الخاص، والذي يطلب أثمنة باهظة لنقل الجثامين من فاس الى النواحي. وتأكد للجريدة أن العائلة الصغيرة للضحايا لا تتوفر على أية معلومات صحية ولا تدري سبل الوقاية والفحص المبكر، لأن التوعية التي من اللازم أن تقوم بها الحكومة هناك في المناطق المعزولة لم تطأ هذه المنطقة. تعقيدات بيروقراطية وأشخاص بعينهم متورطون في الإهمال المؤدي إلى الموت، حصرت »الاتحاد الاشتراكي« مواقعهم ومسؤولياتهم في هذه الحادثة المفجعة التي وقعت في عمق مدينة فاس، مما يعطي لهذا التحقيق بُعداً أقل في رصد واقع الصحة بالمغرب، لأن ما يقع في الجبال والمناطق الأكثر عزلة نتصوره أخطر وأعم، لأن المعلومات التي ترشح مرة تكون شحيحة ولا تتحدث عن واقع بشكل دقيق لغياب الوعي والتواصل وانتشار الخوف من قول الحقيقة، لأن يد السلطة مازالت تكمم الأفواه في مغرب دستور 2011. كل المصالح التي التقتها »الاتحاد الاشتراكي« واستمعت إليها، بما فيها رأي وزير الصحة الذي استقبل برلماني المنطقة وطلب تحقيقاً في الموضوع، لم تحرك في إدارة الصحة أي نقطة ضوء للقيام بإجراءات سريعة لحصر هذا الوضع المشين. وتبقى أصوات المجتمع المدني الذي يطالب بدوره بتحقيق، مبحوحة أمام صمت رهيب لإدارة مغربية لم تتحرك لمقتل ثلاث مواطنات بسبب الإهمال. والأخطر أن الجميع يعترف بوضعية الضعف وهزالة تجهيز المستشفيات، لكن لا أحد يعطي أهمية للإصلاح. فبرنامج راميد لم يصل بعد إلى هذا الجزء من المغرب، رغم تغني الحكومة به كمكتسب اجتماعي، أما شهادة الاحتياج فهي تخضع لقوانين لم يعد لها معنى. بعد أن كانت جريدة »الاتحاد الاشتراكي« سباقة لطرح قضية الموؤودات الثلاث عشية عيد الأضحى. وبعد أن قضت الشقيقات التوأم نحبهم غريبات عن صدر أمهن، التي لم ترهن إلا مرة واحدة وإلى الأبد. بل حتى عند الدفن، تمت العملية بشكل مهين لإنسانيتهن ، فقد دفنت الموؤودات تحت ضغط الفاقة وقلة ذات اليد بعيدات عن مسقط رأسهن بتيسة بعد عجز والدهن عن دفع مبلغ 2000 درهم لسيارة نقل الأموات، وفي غياب أية رعاية من مسؤولي العاصمة العلمية التي يعمل مسؤولوها على تقليد برج عاصمة الأنوار باريس في تماهي لا يمت لحقيقة الوضع المأساوي للساكنة الفاسية, التي مازالت تحتاج إلى الكثير والكثير في ميادين اجتماعية كالسكن والصحة والتعليم والتشغيل وغيرها... تتبعت الجريدة كل الخيوط من أجل القبض على الحقيقة والجواب عن السؤال الجارح لنا جميعاً ولوطن برمته, من قتل صفاء، هناء ووفاء ؟ وهي أسماء لا تعني مسمى بالمعنى القانوني، بل هي مجرد أسماء أطلقتها الجريحة سعاد قنيش في مخيالها الخصب, خصب رحمها الولاد على بناتها الثلاث، لأن وثائق الحكومة لا تحمل غير ابنة سعاد على شاكلة المبني للمجهول x بن x. بعد الوصول الى فاس، وفي ضيافة الزميل حسن عاطش، وضعنا تصوراً لرحلة الاستكشاف بمعية المصور حسن العلوي، وانطلقنا من مدينة فاس في جو ممطر وعاصف في اتجاه دائرة تيسة، بحثاً عن الطريق المؤدي إلى جماعة أوطا بوعبان القروية، ونظراً لتعدد المداخل إليها، صادفنا سيارة رجال الدرك رباعية الدفع، فسألناهم عن الطريق وبأدب حدثونا وتمنوا لنا أن لا نخاطر، لأن الطريق وعرة وغير مصلوحة، وقد نتعرض لمتاعب دون أن يعرفوا سبب رحلتنا، شكرناهم على حسن اهتمامهم، توقفنا لدقائق، وبعدما قررنا أن الهدف الذي من أجله جئنا يستحق المغامرة والعناء مهما كلف ذلك. في الطريق، اكتشفنا واقعاً آخر, حفر خطيرة جداً ومنعرجات تغيب عنها علامات التشوير, بالإضافة إلى وجود سيارات كبيرة الحجم تحتكر الطريق، وما على من يصادفها سوى التوقف جانباً حتى تمر وهي سيارات يعتبر سائقوها أن الطريق حكراً عليهم، كما نبهنا أحد السائقين إلى ذلك. كثيرة هي المرات التي توقفنا فيها للتأكد من سلامة الطريق، بعد كل حفرة ننزلق إليها للتأكد من سلامة أجزاء السيارة والعجلات، وكان الزميل حسن يطمئننا بحذر شديد بأن السيارة مازالت تستطيع مواصلة عبور طريق الموت. اضطررنا إلى الاستغاثة بأحد الزملاء في الطريق لإرشادنا نحو الممر المؤدي إلى طابو بوعبان، لأن علامات الإرشاد منعدمة في الطريق وحتى الجماعات القروية المتناسلة هنا وهناك هي عبارة عن دواوير ومراكز متناثرة على الطريق، وفي الجبال لا تستطيع الإغاثة المتواجدة بها الإرشاد أكثر من أمتار معدودة لتدخل الظلام في كل مرة ومن جديد. التقينا الأب بمعية جيرانه في الطريق على بعد كلمترات من البيت، وجدنا الأب شاباً في الثلاثين من عمره، بائس مصدوم، استقبلنا بحفاوة وفيه علامات الحيرة والأسف، أخذناه معنا في السيارة إلى حيث يسكن، كان علينا ركن السيارة بجانب الطريق والترجل في اتجاه الجبل، كانت البداية حيث غاصت السيارة في الوحل، فعمدنا إلى الاعتماد على أنفسنا ومعنا مستقبلونا لإخراجها من ذلك الوضع، ترجلنا في اتجاه الجبل وسط الأوحال، لا أثر لأي طريق من أي نوع. يتحدث المرافقون» هكذا دائما في فصل الشتاء, نعيش معاناة حقيقية ومئات الأسر في داخل الجبال تعيش عزلة تامة وعليهم تدبير معيشهم بأنفسهم، فهنا تنقطع الدراسة ويعيش السكان عزلة في انتظار وعود ووعود تحولت الى أحلام من الماضي, لا أحد يتذكرها إلا حين الحملات الانتخابية, »نحن مجرد أصوات لهذا أو ذاك، لا أحد حل مشاكلنا العالقة منذ زمن....«. مستعينون بمصابيح يدوية، استطعنا الوصول أخيراً إلى مسكن سعاد قنيش حيث ترعرعن ونمين وحيث خرجن من أحشاء أمهن دون أن يعرفن طريقاً للعودة، سواء حيات أو ميتات. إلى تراب الجبل الحزين، حيث الزيتون يغطي الفضاء ورائحة التراب المبتل حتى الغرق والمختلط بالحزن يعطي طعماً ليس له شبيه سوى عبق المقابر حتى بدون أموات، فربما رائحة الموت المتخيل حلت هنا بدون إذن من المسؤولين. دخلنا البيت والتقطنا أنفاسنا بصعوبة وحتى في ظل أجواء الحزن والأسى فكرم الضيافة حاضر,شاي وزيت وخبز ساخن ولحم, مائدة متنوعة واستقبال حار. أحسسنا من شدة البياض كأننا داخل كفن, فسحر الموت يغطي المكان. تبادلنا أطراف الحديث عن الأوضاع هنا والآن، حيث شظف العيش وحكايات من الزمن الانتخابي الرديء وعقلية رجال السلطة, حيثا »لمقدم« يكاد يكون هو المخاطب باسم الحكومة هنا وعليه تتوقف مصالح الناس وحياتهم وهو مصدر شهادة »الاحتياج«، لأن برنامج رميد لا يوجد هنا ولا حديث عنه والناس لا تعرف عنه أي شيء. بعدما التقطنا أنفاسنا واسترحنا, طلبنا من السيد التوتي أن يسمح لنا بمقابلة السيدة سعاد قنيش, لأننا نعرف تقاليد الجبل, فلم يتردد لحضة فاحضرها, فإذا بنا أمام امرأة تتقدم بخطوات بطيئة متئكة على ذراع زوجها, قالت لنا «»أهلا بكم وعلى سلامتكم«« جلست والدموع تغالبها حتى قبل أن نتوجه إليها بأي سؤال . ترتدي كثيرا من الملابس لشدة البرد والشتاء ويعلوها اصفرار تسر ح بخيالها من شدة الأزمة النفسية ,بادرناها «هل تتلقين أي علاج فنفت ذلك, «لا لا لم يقدم لي أي دواء ، منذ اليوم الموالي للوضع بمستشفى الغساني, حيث في الصباح طلب مني المغادرة التي بيتي ولم يراقب صحتي أي طبيب ولم تقدم لي أي أدوية وأحس بألم شديد وأصبحت أخشى هذا المستشفى الذي سبق لي أن زرته في وضعي الأول ,حيث أن ا بنتي تبلغ من العمر سنة ونصف» وكانت تحتضنها وتنظر إليها و كأنها تخاف أن يسرقها منها أحد, وكانت الطفلة تنظر إلينا وتسترق سمعا أكيد لا تفهم بمعنى فهمنا السائد للفهم, ولكنها كبشر تحس أيضا بأننا نتحدث عن اخواتها التي لم ترهن ولو لبرهة ولن تحتفظ وللأبد بأية صورة في خيالهن عنهن. عادت سعاد للحديث عن الحمل, حيث أكدت أنها حبلت بطبيعة عادية و لم تعان طيلة الحمل من أية آثار جانبية, ولم نكن نعلم بأن في احشائها ثلاثة ثوائم ومرت كل المدة التي حددتها في 32 أسبوعا بشكل عادي, أي أحست بالمخاض حيث عمل زوجها على نقلها إلى مستشفى تيسة عبر سيارة عادية وأدخلت قسم الولادة لدى المولدة حيث تمكنت من الوضع في ظرف أقل من 45 دقيقة بطريقة عادية. استعادت وعيها بسرعة فوجدت إحدى المولدات تهم بحمل البنات الى سيارة الإسعاف ,فطلبت منها مرافقة بناتها لأن قرارا صدر بترحيلهن إلى مدينة فاس من أجل الوضع في «»القراعي«« فقالت لها لا مانع في ذلك, غيرت ملابسها, جاءت مولدة أخرى نهرتها وقالت لها لن تذهبي معهن ستبقين هنا... منعتها من ركوب سيارة الإسعاف وهنا تذكر سعاد بمرارة «رأيت بناتي بشعرهن المائل إلى الأحمر يتحركن ويبكين, اثنتان متشابهتان وواحدة مغايرة لهما شيئا تميل الى عينين ضيقتين ودعتهن واخترت لهن أسماء ,فطلبت منها الأسماء التي كانت تنوي تسميتهن. بصعوبة وبصوت خفيض اخرجت الحروف, وفاء هناء وصفاء, نظر الزوج باندهاش لهذا السر الذي ظلت تكتمه سعاد للأسماء الموؤدة لفلذات الكبد وشقيقات الروح, لأنها أول مرة تبوح بذلك وكأنه سر قتلته الصدمة . بعدها سعاد تحكي «كلي أمل وبقيت في المستشفى صابرة,رغم أني لا يتوفر لا على الأغطية أو الفراش والنوافد مكسرة ولا يمكن الحديث هنا عن النظافة أو الأكل, ففي المساء يكون البرد القارس القادم بأديم الثلوج من افران والأطلس سيد المكان ,حيث الموت مباح, وفي الصيف يصير الناس عرضة للحشرات والأوساخ, وكأن هذا المكان نسيا منسيا اقرب الى الاصطبل منه إلى مستشفى في القرن الواحد والعشرين, هنا تصبح مجرد رؤية طبيب أؤ حتى ممرضة أمنية عزيزة في ظل هذا الرميد!؟ سعاد التي قضت الليلة دون أكل إلا ما قدمته لها الأسرة, تذكر تفاصيل مغادرة سيارة الإسعاف في اتجاه فاس, حيث تسلمت سيارة الإسعاف مبلغ 300 درهم مقابل خدمة عمومية. السيارة كما عايناها غير مجهزة بمعدات طبية للإسعاف السريع, فهي مجرد «»صطافيت»« لنقل البشر, حيث تكلفت والدة الأب بحمل حفيداتها بين يديها متحملة معهن معاناة طريق شاق وطويل, تطلبت الرحلة أزيد من ساعة ونصف في ظل طريق وعرة كما أسلفنا, بالنسبة لسيارة عادية فمابالنا بسيارة تحمل توائم في حاجة إلى اسعاف من أجل الحق في الحياة. في الصباح الموالي للولادة أخرجت سعاد من المستشفى في غياب الزوج .. وعادت للبيت و صحتها متدهورة, وصلت في انتظار عودة البنات أو الذهاب لزيارتهن وهي لا تعرف ما حصل في الطريق الى المستشفى وهي معاناة عاشها زوجها التوتي عبد المالك. حاول الجميع حجب الحقيقة عن سعاد, لكنها تحكي أن قلب الأم دليلها,» فكنت أحس أن شيئا غير عادي يجري من حوالي, وكنت أكثر السؤال عن بناتي وكان الجميع يطمئنني, خاصة في غياب الزوج الذي ظل بفاس يحارب وهو الأعزل من كل الإمكانيات, المال أو العلاقات هي مفتاح النجاة. تحكي سعاد «لقد اخبرت بعد إصراري بأن واحدة من بناتي ماتت بباب المستشفى وكنت أعزي نفسي وأٍقول مازالت اثنتين والأمل عند الله كبير, لكن وخلسة استمعت ورغم مرضى بأن الثانية ماتت بدورها ولم أفقد الأمل في الثالثة إلى أن اخبرت بأنها ماتت بدورها. انهارت سعاد بالبكاء,وهي تردد «»ربي الحبيب لم يترك لي ولا واحدة» البنت الأخيرة توفيت يوم الأربعاء وعلم خالها بوفاتها صدفة يوم الجمعة, ولا من يجيب لماذا لم يخبر الأب الذي ترك رقم هاتفه لدى الإدارة بكل جديد, وهو سؤال يبقى معلقا في دهاليز المستشفى ومسؤوليه. تنتفض سعاد «كنت أتمنى فقط في الأخير رؤيتهن من جديد ودفنهن بمقبرة الدوار قريبا منى, ولكني صدمت لما عاد الزوج بدون بناته وهي الحقيقة المرة التي لم تستطع سعاد ابتلاعها, فما زالت تحلم بدفنهن بجوارها » «واش يمكن يعاودوا اجيبهم أخاي نشم فيهم الريحة«« بعد الاستماع الى سعاد لأنها انهارت بالبكاء طلبنا من زوجها مرافقتها حتى ترتاح في سريرها وهو ما قام به ليحكي لنا بالتفاصيل قصة سفره بسيارة الاسعاف من تيسة الى فاس, لأن من رأى ليس كمن سمع. يتذكر عبد المالك كل التفاصيل, فبعد الوضع وتحديدا على الساعة الثالثة, طلب منه حمل بناته باستعجال الى مدينة فاس لتلقي العلاج «استعنت بخدمات سيارة الاسعاف المتواجدة هناك مقابل اداء مبلغ 300 درهم وبعد ساعتين ونصف وصلت مستشفى ابن الخطيب, نظرا لوعورة الطريق, أي أن الثلاثة قضين ساعتين ونصف داخل سيارة اسعاف أقرب الى أية ناقلة لأنها لا تتوفر على وسائل الاسعاف حتى البدائية منها. حين الوصول الى المستشفى, يحكي عبد المالك, قدمت لهم الورقة التي سلموني في تيسة فطلبوا في المستعجلات تسجيل البنات في الإدارة وفعلا قمت بهذا الأمر. سلموني ورقة وتوجهت عند السيدة المكلفة بالزجاجات والتي عاملتني بقسوة وقالت «من سلمك هذه الورقة, ليست هناك زجاجات, ابحث لبناتك عن مكان آخر, طلبت منه الورقة وانسحبت ومكث مع البنات مدة طويلة وبعدها نبهني بعد الناس الى البحث عن المسؤولة, ذهبت في اثرها لأجدها تتحدث بصوت مسموع (كاتغوت) مع الشخص الذي منحني ورقة الدخول وهي ترغد وتزبد في وجهه بعنف, وبعد ازيد من ساعة و 15د قيقة وبعد احتجاج مرتفقي المستشفى ,تسلمت مني واحدة من الطفلات وقالت» قلب الهدوك الجوج فين ديرهم..» مما حذا بي الى التوجه الى مستشفى الغساني بفاس عبر سيارة الاسعاف وقصدت الادارة مباشرة فوجدت امامي سيدة تمثل الادارة, اقسمت بأغلظ الايمان بأن لا وجود لقرعة فارغة وقامت بعده اتصالات وبحث بدون جدوى, وبعد زهاء نصف ساعة نصحت بالتوجه الى مستشفى الحسن الثاني الجامعي وعند مدخله اكدت لي والدتي ان احدى الصبيات فارقت الحياة امام الباب هرعت بسرعة في اتجاه المستشفى والحقيقة ورغم كل ما حصل ,بذلت طبيبة مجهودات جبارة فبعد ان تأكدت من وفاة الطفلة عملت على الاسعاف اليدوى للبنت الاخرى ووضعتها في الزجاجة بمساعدة عدد من زميلاتها. معاناة عبد المالك لم تنته الان, فقد طلب منه اداء مبلغ 500 درهم مقابل وصل من الادارة. وطلب منه الانتظار, فبدأت رحلة اخرى مع مصالح الامن التي حل مسؤولون بالمنطقة وطلبوا معلوماتي الشخصية وبطاقتي الوطنية ورقم هاتفي ,غادر الامني وطلب مني عدم المغادرة. بعدها جاءت سيارة للشرطة واجروا معي بحثا حول البنت المتوفية وظروف نقلها وسبب وفاتها, وبعدها أخذوني الى المقاطعة الرابعة بعين قادوس, ومكثت بها حتى الساعة 12 ليلا وطلب مني التوجه صباحا الى المقاطعة الخامسة, توجهت لتدبير امر مبيتي عند احد الاصدقاء وفي الساعات الاولي للصباح كنت عند مصالح الامن المذكورة. وتكرر السيناريو الأول,اسئلة واجوبة حول الوفاة وكل ما تعلق بها. بعدما طلبوا مني التوجه عند وكيل الملك الذي طلب مني التوجه لاحضار ورقة من عند الطبيب وبعد اجراء تشريح للطفلة منحت ورقة اعدتها من جديد لوكيل الملك والذي سمح بعد ذلك بإجراء عملية الدفن. بعد ذلك عدت الى المستشفى وتسلمت جثمان ابنتي حملتها بسيارة الاسعاف مقابل 150 درهما وثمن القبر 150 درهما وتمت عملية الدفن بالكركار, غير بعيد عن المستشفى حيث يوجد شخص يدعى الديب قام بعملية الغسل. بعد عناء دفن المولودة الاولى تسارعت وتيرة تساقط الشقيقات الاخريات على التوالي وكان الاب مطالبا بدفنهن في عين المكان لأن نقل الاموات طلبت منه 2000 درهم لهذه العملية. الفتاة الثالثة علمت بوفاتها عبر صهري الذي ذهب في زيارة خاصة وكنت رأيتها تتحرك داخل الزجاجة وكان لي امل كبير في نجاتها من الموت . وما يحز في نفس الاب هو عجزه عن دفنهن بمقبرة القبيلة قريبا من الاسرة,لكن الروتين والغلاء وغياب اي دعم او مصاحبة اجتماعية جعله وحيدا في مواجهات الموت والحياة. حتى شهادة الاحتياج تدخل القائد كي يتسلمها ,لأن مقدم الدوار حاول العرقلة, لكن القائد تدخل وسلمني تلك الوثيقة من اجل الافراج عن جثامين الفتيات. ظل عبد المالك يداعب ابنته فاطمة الزهراء ذات السنة ونصف وهو يتحسر على هذا المصير المأساوي والجحيم الذي عاشه ,اذ يؤكد بحسرة لو تم تشخيص حالة الزوجة في تيسة واتخذت مصالح الصحة وكافة المتدخلين الاجراءات اللازمة, لما حدثت المأساة و لذلك أطالب بمحاسبة المسؤولين عن الإهمال المؤدي إلى الموت واتخاذ الإجراءات حتى لا يتكرر هذا الأمر. هكذا وقفت الجريدة من خلال العائلة على انتهاء رحلة 30 أسبوعا من »الحلم المرهق« عكس ما كانت ترجوه السيدة قنيش سعاد، التي بدأت في الاستعداد لاستقبال فتياتها التوائم الثلاث اللواتي تحملهن في أحشائها، واللواتي لفظهن رحمها تباعا واحدة تلو الأخرى قبل الأوان، بقسم الولادة في مستشفى الإقليمي بدائرة تيسة التابعة لإقليم تاونات، في غياب شروط الرعاية الطبية وغياب التجهيزات الضرورية المرتبطة بالحضانات المخصصة للخدج» الأطفال المبتسرون»، مما أرغم إدارة المستشفى على إرسالهن إلى مستشفى ابن الخطيب بفاس، المعروف لدى العموم ب» كوكار»، على متن سيارة إسعاف غير مجهزة كلفت العائلة 300 درهم، ودون مصاحبة طبية طيلة الرحلة التي فاقت مسافتها 50 كيلومترا، وتجاوزت مدتها الساعات، وعبرت السيارة فيها طرق مهترئة ومسالك وعرة في اتجاه الحاضرة الإدريسية، لعل الأب التوتي عبد الملك يجد لفلذات كبده حضانة أو حضانتين أو ثلاث بالمستشفى تنقذ توائمه الثلاث من الموت المنتظر، حيث وبعد شجار طويل مع مسؤولة بقسم الأطفال «رقية» دام أكثر من ساعة ونصف، استطاع الحصول على حضانة واحدة، لتستمر رحلة المعاناة والبحث عن حضانتين للتوأمين الأخريين بين مستشفى الغساني والمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني بنفس المدينة، حيث لفظت إحداهن أنفاسها الأخيرة وهي في حضن جدتها، قبل أن تتخطى باب المركز، الذي استقبل الحالة وأكد الوفاة وقدم الإسعافات الضرورية للتوأم الثانية التي فقدت الوعي نتيجة المضاعفات التي تتعرض لها هذه الفئة، مما يستوجب حسب الأخصائيين وضعها على وجه السرعة داخل الحضانة تجنبا لإصابتها بمتلازمة ضيق التنفس (RDS) أو الالتهاب الرئوي، السبب الأكثر شيوعا للإصابات الحادة المؤدية إلى الوفاة لدى الأطفال الخدج أو المبتسرين، لأن رئتهم لم تنضج بالكامل بعد، فيصير عرضةً لكل أنواع الأمراض، من هنا تصير الوقاية والعناية مسألة حياة أو موت، بالإضافة إلى إصابتها بنزيف في الدماغ (نزيف داخل بطينات الدماغ)، أو التهاب الأمعاء الغليظة والدقيقة (التهاب الأمعاء التقرحي)، بينما السبب الرئيسي الثاني لوفاة الأطفال حديثي الولادة هو التشوهات الخلقية مثل وجود عيوب في القلب أو الرئة. وعليه، يقول أحد الأخصائيين في تصريح للجريدة، تتمثل العناية المثالية بالطفل المولود قبل أوانه في وضعه بسرعة في المحضن الكهربائي وتقديم الأوكسجين المكثف له، مشيرا إلى أن المحضن أو الحضانة هو كناية عن وعاء زجاجي يحافظ فيه على حرارة مرتفعة بشكل دائم، وتصله كميات متواصلة من الأوكسجين بواسطة الأنابيب، وتقدم للطفل التغذية المناسبة بواسطة أنبوب خاص يدخل عن طريق الأنف إلى معدته، كما تقدم له الأدوية وهي داخل المحضن، ولفترة طويلة من الزمن تمتد من أسبوع إلى شهر أو أكثر، ويشرف عليه باستمرار أطباء أخصائيون ، حيث توجد في بعض المستشفيات المتقدمة مراكز للعناية الفائقة بمثل هؤلاء الأطفال، وهي مراكز متطورة جدا ومجهزة بآلات تنفس اصطناعية وآلات تسجيل ضربات القلب ونبضاته طوال الليل والنهار، وكذلك توجد فيها أجهزة تعمل على الذبذبات ما فوق الصوتية لاكتشاف أنزفة الدماغ والأمراض الأخرى التي ترافق الولادة المبكرة، لكن غياب تأخر وصول الحالات الثلاث وكثرة التنقلات بين المستشفيات حال دون الاستفادة من هذا النوع من الرعاية، وعجلت برحيل التوأمين اللتين لم تعمرا طويلا الأولى بمستشفى ابن الخطيب والثانية بالمركز الاستشفائي الحسن الثاني بفاس ليلتحقان بأختهما التي فارقت الحياة أمام مدخل المركز وهي تصارع الموت بسبب بنية جسمها غير المكتملة النضج، في غياب تدخل طبي يخلصها من المواد ( الأمنيوسة ) والمفرزات المخاطية المتراكمة في مجاريها التنفسية وإعطائها الأوكسجين على الفور عقب شفط هذه المواد ووضعها في حضانة دافئة وتترك دون تحريك إلا في حالة الضرورة، لمدة عموما تعادل المدة التي نقصت طيلة بقائها في الرحم، بالتالي من الضروري مراعاة عامل الوقت الذي يعد مهما بالنسبة للمولود الخديج، لأن أكثر الوفيات تحدث في الأربع والعشرين ساعة الأولى، ووضع جميع الوسائل الوقائية موضع التنفيذ الفوري منذ اللحظة الأولى، حسب ما أكده الدكتور علال العمراوي المندوب الجهوي لوزارة الصحة بفاس، على هامش التحقيق الذي تقوم به الجريدة في موضوع «وفاة التوائم الثلاث»، مشيرا إلى أن الوزارة وضعت مجموعة من التدابير من أجل التخفيض من نسبة الوفيات عند الأمهات الحوامل وحماية مواليدهن، منها توفير «هواتف نقالة برصيد مفتوح» لعدد من المتطوعين من المجتمع المدني للاتصال بإدارة فريق طبي متنقل عند وجود حامل في مناطق يصعب ضبطها، لمراقبة الحالة ورعايتها ورعاية مولودها, سواء كان قبل الأوان أو طبيعيا، كما هو الحال بإقليم مولاي يعقوب، والذي قد يغيب في مناطق أخرى، كما حصل بتراب مندوبية الصحة بتاونات، حيث لم يتم ضبط الحالة التي أمامنا ووضعها تحت المراقبة، علما أنها ليست المرة الأولى التي تزور فيه سعاد قنيش المستشفى بتيسة، حيث سبق إحالتها قبل عامين إلى مدينة فاس لوضع الحمل الأول وكان المولود بنتا. وبهذا يكون الإهمال وغياب المسؤولية وانعدام الضمير المهني من الدوافع الرئيسية التي أدت إلى هذه »الفضيحة« التي هزت الرأي العام المحلي وكذبت الشعارات الواهية، والتي بدأت مع وصول الأم، من دوار بوعرام بجماعة «طابوعبان» التابع لدائرة تيسة بإقليم تاونات، إلى قسم الولادة بمستشفى بتيسة وإخضاعها للولادة في عجلة من طرف ممرضة « قابلة»، حيث استسلمت الأم للأمر الواقع لكنها ستجد نفسها، من جديد، أمام مشاهد لا يقبلها العقل، بعدما خرجت مولودتها الأولى إلى الحياة، في انتظار خروج المولودة الثانية والثالثة إلى الحياة، واللتين انضافتا إلى أختهما الملفوفة في نفس القماشة التي تحولت بعد أيام من ذلك إلى كفن لهن.. ليتواصل »مسلسل الجحيم«، رغم أن المشرفين على قسم الولادة أخبروا الأسرة بأن الأم والتوائم في صحة جيدة، قبل أن يعودوا، ساعات بعد ذلك، ويطلبوا منهم ضرورة البحث عن حاضنات زجاجية في مكان آخر، لعدم توفر المستشفى عليها، بعد تدهور وضع التوأم الصحي.. توجهت الأسرة الفقيرة، في رحلة مؤدى عليها إلى فاس على متن سيارة الإسعاف التابعة للمستشفى بتيسة، محاولة لإنقاذ التوائم الثلاث، إلى قسم الإنعاش الأطفال في مستشفى الإقليمي»كوكار» وتوسل الأب لعدد من المسؤولين من أجل إيجاد حل لإنقاذ بناته المبتسرات، غير أن الجواب الذي تكرر كان يحمل في طّياته حكما بالموت على المولودات، وهو «ما كيانش بلايص».. قبل أن يتحول الطلب إلى صراخ في وجه الممرضة التي رفضت استقبال الحالات المستعجلة وكانت سببا في وفاة فلذات كبده، لينتزع بقوة ويحصل على حضانة لفائدة مولودة واحدة، بعدما احتضنها مستشفى ابن الخطيب، ليستمر مسلسل المعاناة في البحث عن حضانات أخريات في مكان ثان، وبالفعل، لجأت الأسرة إلى مستشفى الغساني دون جدوى، والموت يلاحق التوأمين قبل أن تجد حضانة ثانية بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس بعد إسعافها من حالة الاختناق التي أنهت حياة المولود الثالث على بعد خطوات من مدخل المركز الصحي الجامعي، ثم يليها بعد بضعة أيام المولودتين الباقيتن اللتين استسلمتا للموت، حيث تم دفنهن بمقبرة سيدي بوبكر العرابي بفاس، بعدما استعصى على الأب تسديد تكاليف نقل الجثة إلى مسقط الرأس بسبب كلفة التنقل التي تجاوزت 2000 درهم. كانت التصريحات التي أدلى بها الدكتور العمراوي، المندوب الجهوي لوزارة الصحة بفاس، للجريدة، بعد اتصاله بزميله بتاونات واستفسار حول النازلة، حيث أكد له «أن المسماة سعاد قنيش وضعت بمستشفى تيسة وهي الآن في حالة جيدة»، مضيفا قائلا، «بينما التوائم فقدن الحياة، حسب الدكتور «بهرو»، بسبب وزنهن الذي لم يتجاوز 700 غرام مع صعوبة في التنفس»، مشيرا إلى أهمية التواصل ومصاحبة المرأة الحامل، ونشر الوعي بخطورة الولادة خارج الإطار الطبي السليم، ودعا المجتمع المدني إلى المزيد من الشراكات في هذا المجال، لإعادة الثقة والمساهمة في عملية الافتحاص، والمساهمة الميدانية في تحقيق أهداف البرنامج والمخططات المرتبطة بتقليص نسبة وفيات الأمهات والرضع، إلى 50 % من أصل 112 وفاة في كل 100.000 ولادة حية، تقليص نسب وفيات الأطفال إلى 15 وفاة عن كل 1000 في أفق 2012، إضافة إلى تنفيذ البرنامج الجهوي المتمثل في تفعيل تدابير تحسين الخدمات بمصلحة دور الولادة، وكذا التعريف بأنشطة مراقبة الحمل والولادة بالمرافق الصحية، تشجيع الولادة بالمؤسسات الصحية ودور الولادة ، تحسيس المجتمع المدني للمساهمة في تقليص وفيات الأمهات والرضع، وكذا استرجاع ثقة المواطنين في المؤسسات الصحية. وعن الواقع الصحي بالجهة في مجال تحقيق أهداف مخطط تقليص عدد الوفيات إلى 50 % من أصل 112 وفاة في كل 100.000 ولادة حية، في أفق تقليص باقي نسب الوفيات في صفوف الأطفال، وغيرها من الخدمات الصحية الأخرى، أكد المندوب لمبعوثي الجريدة، أن قطاع الصحة بجهة فاس- بولمان عرف خلال السنوات الأخيرة طفرة نوعية على مختلف الأصعدة سواء تعلق الأمر بالبنيات التحتية أو بالخدمات الصحية والطبية المقدمة، وانتقالا ملموسا في المنظومة الصحية بالجهة، ومجالا فسحا يقدم باقة متنوعة من الخدمات الصحية والطبية، حيث عرف مستشفى الغساني، إعادة هيكلة شاملة لجميع مصالحه وبنياته الصحية، مما أعطى انطباعا ايجابيا من لدن الساكنة على مجموع الخدمات الصحية المتميزة التي أصبح يقدمها. وقد وقفت الجريدة على نوعية ودرجة العناية خاصة التي تقدمها إدارة المستشفى لفائدة مرضى القصور الكلوي المزمن، حيث تم تقليص لائحة انتظار مرضى القصور الكلوي الطويلة بنسبة 80 بالمائة عبر الرفع من الطاقة الاستيعابية لمراكز التصفية على مستوى عمالة فاس، وكذلك عبر عملية اقتناء خدمة تصفية الكلي من القطاع الخاص ليستفيد منها مرضى القصور الكلوي مجانا.كما الرفع يتم من الطاقة الاستيعابية لمركز تصفية الدم بمستشفى الغساني في إطار الشراكات الإستراتيجية التي تنسجها المديرية الجهوية مع مختلف فعاليات المجتمع المدني . من جهة أخرى، قرر الزوج تحريك شكاية إلى مختلف الجهات المعنية، لفتح تحقيق نزيه يضمن حق زوجته التي لا زالت تعاني من أثار الفاجعة، التي عصفت ببناتها الثلاث، موجها أصابع الاتهام إلى ممرضة بمصلحة الولادة والعناية بالطفل، التي لم تبادر إلى تقديم يد المساعدة لهن. وفي لقاء بالأستاذ مفيد, مسؤول المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بفاس, أكد للجريدة أن المنظمة تتابع هذه القضية وستصدر بيانا حولها بعد توفر كافة المعطيات , وأعلن مفيد تضامنه مع الأسرة وعزم المنظمة على مساندتها أمام القضاء , إذا قررت اللجوء إليه.